الأحد 24 تشرين الثاني 2024

هل تنجح مصر والسودان بتمرير قرار حول السد الإثيوبي في مجلس الأمن؟


يعقد مجلس الأمن الدولي الخميس المقبل، في 8 يوليو (تموز) جلسة حول ملف سد النهضة الإثيوبي، بطلب من مصر والسودان، بعد فشل المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بين مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى حل للأزمة المستمرة منذ 10 سنوات، في ظل إصرار أديس أبابا على إتمام الملء الثاني لبحيرة السد خلال الشهر الحالي.

كان السودان البادئ بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن حول سد النهضة، عبر رسالة بعثتها وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، إلى رئيس المجلس في 22 يونيو (حزيران) الماضي، دعت خلالها المجلس إلى حث كافة الأطراف على الالتزام بالقانون الدولي، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية، ودعوة إثيوبيا لوقف الملء الأحادي للسد من دون التوصل إلى اتفاق، إلى جانب مناشدة المجلس كافة الأطراف البحث عن وساطة وأي وسيلة سلمية لحل النزاع حول السد.

وانضمت مصر إلى الدعوة لعقد جلسة حول ملف السد، عبر خطاب أرسله وزير الخارجية المصري سامح شكري في 25 يونيو الماضي، أكد خلاله أن إثيوبيا قوضت الإطار الأفريقي للتفاوض. وقالت الرسالة إن الوضع يشكل تهديداً وشيكاً للسلم والأمن الدوليين، ويتطلب أن ينظر فيه المجلس على الفور، وأرفقت مصر بالخطاب كافة تفاصيل الملف منذ بدايته وحتى الآن.

تحركات دبلوماسية

 كثفت مصر والسودان تحركاتهما الدبلوماسية في الأمم المتحدة، لضمان أكبر تأييد ممكن لمشروع القرار المتوقع أن يطرحاه في الجلسة المقبلة، بدعم من ممثلي الدول الأربع التي كلفتها جامعة الدول العربية التحرك بشأن الملف، وهي السعودية والأردن والمغرب والعراق، إلى جانب تونس الممثل العربي الحالي في مجلس الأمن.

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية عن توجه وزير الخارجية سامح شكري إلى نيويورك، لإجراء اجتماعات مكثفة مع عدد من نظرائه الوزراء، والمندوبين الدائمين للدول الأعضاء في مجلس الأمن، والمسؤولين في الأمم المتحدة، بهدف "إعادة التأكيد على الموقف المصري الثابت تجاه قضية سد النهضة، القائم على ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، يراعي مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق مصر ومصالحها المائية".

وكانت الحكومة السودانية قد رحبت بإعلان مجلس الأمن عقد جلسة الخميس المقبل، وقال المتحدث الرسمي باسم فريق مفاوضات سد النهضة، عمر الفاروق سيد كامل، في تصريح صحافي، إن ذلك يؤكد "خطورة الملء الثاني للسد، وخطورة عدم قدرة الأطراف على التوصل لاتفاق نهائي وملزم على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين".
ملامح مشروع القرار

من المتوقع أن تقدم مصر والسودان مشروع قرار لمجلس الأمن يشمل مطالبة الأمم المتحدة بدعم القدرات التفاوضية للاتحاد الأفريقي، بهدف تمكينه من مساعدة الدول الثلاث على التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، حول ملء وتشغيل السد، يتضمن آليات قانونية لتسوية النزاعات خلال ستة أشهر من صدور القرار من مجلس الأمن، بحسب السفير ماجد عبد الفتاح رئيس بعثة جامعة الدول العربية إلى الأمم المتحدة في نيويورك.

وأضاف عبد الفتاح لـ"اندبندنت عربية" أن الجلسة تعد استمراراً للمسار الذي سلكته مصر والسودان منذ الجلسة الأولى للمجلس بشأن السد في 29 يونيو 2020، قائلاً "أتصور أنه إذا مضت ستة أشهر من دون اتفاق بعد القرار قد يعود السودان ومصر إلى مجلس الأمن مرة أخرى"، مشيراً إلى أن مجلس الأمن كان من دعا الاتحاد الأفريقي للتدخل في مفاوضات سد النهضة خلال جلسة العام الماضي.

وأشار إلى إجراء مندوبي مصر والسودان والدول العربية الأربع المكلفة تأييدهما، إضافة لتونس العضو العربي في مجلس الأمن، مشاورات مكثفة مع رئيس المجلس (فرنسا) خلال الشهر الحالي والأعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس. كما طلب فريق العمل العربي عقد لقاءات مع الأعضاء الأفارقة ومن دول عدم الانحياز، وكذلك المندوب الإثيوبي في الأمم المتحدة، لأن الدول العربية حريصة على ألا يتحول التحرك إلى صدام بين الجانبين العربي والأفريقي.

هل يُستخدم "الفيتو"؟

وأوضح عبد الفتاح أنه يتم التشاور مع كل دولة على حدة بهدف ضمان تصويت تسع دول من أعضاء المجلس لصالح مشروع القرار، متوقعاً ألا تستخدم أي دولة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن حق النقض "الفيتو"، سواء لصالح الجانب العربي أو الإثيوبي، لكن تلك الدول قد تعمل على حث شركائها من الدول الأعضاء على الامتناع عن التصويت، لكي يسقط مشروع القرار تلقائياً، وبذلك لا تصبح هناك حاجة لاستخدام "الفيتو"، كما أن عديداً من الدول قد لا تفضل الدخول في صراع بين الجانب العربي وإثيوبيا، أو اتخاذ موقف مناصر لأي منهما.

ويضم مجلس الأمن حالياً 10 أعضاء غير دائمين هم تونس وإستونيا والهند وإيرلندا والنرويج وكينيا والنيجر وفيتنام والمكسيك وسانت فنسنت والجرينادين، إلى جانب الدول الخمس دائمة العضوية وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا.

ولفت رئيس بعثة الجامعة العربية في نيويورك إلى وجود حالة من التردد الدولي حيال مناقشة قضايا تنموية مثل المياه والأنهار الدولية في مجلس الأمن، لكن مصر والسودان والدول العربية تحاول في أروقة الأمم المتحدة التوضيح أن سد النهضة يهدد حياة واستقرار نحو 150 مليون مصري وسوداني يعيشون على ضفتي نهر النيل.

آمال محدودة

من جانبه، قال السفير وائل نصر مساعد وزير الخارجية المصري السابق للشؤون الأفريقية، بأنه لا يعتقد أن يخرج عن جلسة مجلس الأمن قرار محدد، وإنما سوف يكتفي ببيان صحافي حول إجراء الجلسة وما ناقشه الحضور، مشيراً إلى أنه لا داعي لرفع سقف التوقعات والآمال من الجلسة لأن المواقف المعلنة من عديد من الدول تدل على أن ملف سد النهضة لا يحظى بأولوية، ولا تراه الدول الكبرى تهديداً ملحاً للأمن والاستقرار. ودلل على ذلك بتصريحات مندوب فرنسا الرئيس الحالي لمجلس الأمن، بأن أقصى ما يمكن للمجلس عمله هو دعوة الأطراف لمواصلة التفاوض، وكذلك المواقف الروسية التي وصفها بـ"المائعة" حول السد، وتصريحات المسؤولين الأميركيين بأن قضية تيغراي هي التي تحتل صدارة اهتماماتهم، وما صدر سابقاً من تصريحات صينية لم تحمل ضغطاً على إثيوبيا لحل الموقف.

وأشار نصر لـ"اندبندنت عربية" إلى أن اللجوء لمجلس الأمن يعد أقصى مستوى يمكن الوصول إليه من المنظمات الدولية المعنية بمناقشة قضايا السلم والأمن الدولي، ولفت إلى فشل الاتحاد الأفريقي في جهوده للتوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، على مدار عام كامل.

وتوقع نصر أن تطرح مصر على مجلس الأمن موقفاً رافضاً لاستمرار الإجراءات الأحادية الإثيوبية باستكمال بناء وملء السد، مستبعداً أن يكون ما سيصدر عن جلسة مجلس الأمن من  قرار أو بيان رئاسي يدخل ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على حق الدفاع الشرعي عن النفس، ومسائل تهديد الأمن والسلم الدوليين.

استنفاد الخيارات السياسية

أما الباحث السوداني في الشأن الأفريقي إبراهيم ناصر، فوصف الجلسة المرتقبة بأنها تهدف لـ"إشهاد" العالم بأن الأزمة قد تأخذ طابعاً عنيفاً، وأن السودان ومصر يهدفان إلى استنفاد كافة الخيارات السياسية، والتوضيح للمجتمع الدولي بأن إثيوبيا هي من دفعت الأمور إلى التدويل، من خلال مواقفها غير البناءة وغير الداعمة لحل الأزمة سلمياً عبر التفاوض، وأن خطاب السودان للمجلس قبل أيام أظهر الرسالة المصرية نفسها، بأن سلوك إثيوبيا الأحادي قد يؤدي لكارثة تهدد الأمن والسلم الدوليين، بسبب إضرارها بمصالح وحقوق شعوب البلدين. وأضاف في تصريح خاص، أن البلدان يأملان في قيام مجلس الأمن بدوره المنوط به، وهو الضغط على إثيوبيا للتوصل إلى حل سياسي.

ومن جانبها، جددت إثيوبيا تأكيد موقفها الرافض لإحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، وذلك على لسان بيتال أميرو السفير الإثيوبي في الخرطوم، الذي أكد في مؤتمر صحافي، الأحد، أن إثيوبيا لا تنوي إلحاق الضرر بالسودان، لكنه في الوقت ذاته قال عن مطالب مصر والسودان بأنها لا يمكن تلبيتها.

وقال مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، إن بلاده "مستعدة للدفاع عن سد النهضة ضد أي هجوم يمس سيادتها"، وذلك بعد رسالة بعثت بها أديس أبابا إلى مجلس الأمن ترفض تدخله في قضية السد. وأوضح الجنرال ديبيلي في تصريحات نقلتها عنه قناة "روسيا اليوم" خلال زيارته موسكو، أن "لا حل عسكرياً لأزمة السد"، مشيراً إلى أن "مصر لا يمكنها تدميره حتى لو أرادت ذلك".

وبحسب حديث ديبيلي، فإن "الجانب المصري لا يريد حل المشكلة من خلال المفاوضات. هم يأتون للنقاش ويرفضون كل المقترحات". وتابع أن "القاهرة لن تحاول مهاجمة السد، ولكن حتى لو هاجمته، فلن تستطيع حل المشكلة أو تدميره، لأنه لا يمكن تدميره بقنابل الطائرات المقاتلة، وهي تعرف أن السد متين".

ماذا لو لم يصدر قرار "مناسب"؟

أما في حالة عدم صدور قرار "مناسب" من مجلس الأمن، فسوف تستمر مصر في العمل عبر التواصل مع الأطراف الدولية والاتحاد الأفريقي، بحسب تصريحات تلفزيونية لوزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أكد أن مصر لديها القدرة والعزيمة للدفاع عن مصالحها المائية.

وأضاف أن الملء الثاني للسد مخالفة أخرى من الجانب الإثيوبي، وسيكون لمصر "رد فعل ملائم"، مشيراً إلى أن إثيوبيا لن تحجز من المياه ما كان مقرراً وسيتم حجز نحو نصف الكمية، مؤكداً أن كل الوسائل متاحة لمصر في التعامل مع أزمة سد النهضة.

وأوضح أن تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال افتتاح قاعدة "3 يوليو" العسكرية دليل على ذلك، في إشارة إلى أنه لا يجوز استمرار التفاوض مع إثيوبيا إلى ما لا نهاية، مشيراً إلى أن "مصر لم تهدد أحداً على مدار تاريخها، على الرغم مما تملكه من قوة عسكرية كبيرة".

وقال السيسي، إن مصر تتفهم متطلبات التنمية للدولة الإثيوبية، لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الآخرين، مشيراً إلى التزام مصر على مدار 10 سنوات نهجاً تفاوضياً مع الجانب الإثيوبي، بهدف الوصول إلى اتفاق قانوني دولي ملزم طبقاً للأعراف والثوابت الدولية.
ابراهيم عبد المجيد- اندبندنت