السبت 23 تشرين الثاني 2024

نقوش صخرية تؤرخ يوميات بشر عاشوا في جيبوتي منذ آلاف السنين


النهار الاخباريه- وكالات  
للوهلة الأولى، يُخيّل للمرء أنه أمام تلة سوداء عادية مؤلفة من كتل بازالت تحت أشعة الشمس الحارقة، إلى أن تظهر نقوش لزرافات ونعام وظباء حفرت على صخور الموقع الضخم قبل ما يصل إلى سبعة آلاف عام.
تُصنَّف أبورما في شمال جيبوتي من أهم مواقع الفن الصخري في منطقة القرن الأفريقي الزاخرة بالتراث الأثري، وتعرف بأنها مهد البشرية.
ولمسافة تقرب من ثلاثة كيلومترات، يمكن رؤية نحو 900 لوح تظهر عليها نقوش مختلفة لصيادين وحيوانات من أجناس عدة بينها الزرافات والنعام والأبقار.
وقد حفر بشر ما قبل التاريخ بحجر الصوان مشاهد من يومياتهم، وثّقوا فيها البدء برعاية المواشي والاضطرابات المناخية الكبيرة. هذه الحيوانات البرية، وهي من أبرز الكائنات التي تعيش في السهوب المزروعة بالأشجار، لم تعد موجودة في جيبوتي، البلد الصحراوي، حيث تندر المياه والمساحات الخضراء منذ آلاف السنين.

بعيدون عن الحضارة

ويوضح عمر محمد كامل، وهو مرشد سياحي شاب من المنطقة، "يمكن وصف أبورما اليوم بأنها مقبرة إذا جاز التعبير، إذ يوجد المزيد من النقوش. في ذلك الوقت كان هذا النوع من الحيوانات يعيش هنا. حينها كانت الغابات تغطي جيبوتي". ويضيف، "في أبورما، نحن بعيدون قليلاً عن الحضارة، نحن في حقبة ما قبل التاريخ ونعيش في ذلك العصر".
ولبلوغ الموقع، ينبغي قيادة السيارة ست ساعات من العاصمة جيبوتي، ثم المشي ساعة عبر التلال (كان يستغرق المشي خمس ساعات قبل شق مسار جديد أخيراً).
مع ذلك، يتعذر الوصول إلى المكان من دون الاستعانة بخبرة إبراهيم دبل لوبك (41 عاماً)، والذي "يعرف كل حجر وكل ركن" من هذه الكتلة الصخرية.
فحارس أبورما هذا الذي يربي أيضاً الجمل العربي، مولود هنا. ولطالما كان مجتمعه، شعب عفر الذي عرف تاريخياً بأنه من الرحل والمقيم في هذه المنطقة النائية على حدود جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، وعلى دراية بالنقوش.
ويقول الرجل النحيف الذي يرتدي زياً تقليدياً، إن "هذه المعرفة جرى تناقلها أباً عن جد".

علماء الآثار

لكن علماء الآثار زاروا أبورما لأول مرة في عام 2005. ولوبك هو من قاد الباحثين الفرنسيين إلى الموقع، مع قافلة جمال تحمل الطعام ومعدات النوم والعمل، وخصوصاً مولد الكهرباء، الذي يعد ضرورياً في المهمة.
وفي اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية، يتحدث عالم الآثار بونوا بوابلو بتأثر ظاهر عن هذا "الموقع الرائع" الذي شكل موضوع دراسته ما بعد الدكتوراه، قائلاً إنه مكان "لا يضاهى في جيبوتي، وحتى في إثيوبيا". ويضيف عالم الآثار، "أبورما هي استمرارية على مدى آلاف السنين، لمقاطع ونقوش وضعها أناس مختلفون تماماً: صيادون ورعاة، وآخرون أتوا بعدهم بوقت طويل. الآلاف والآلاف من التجسيدات".
ويشير إلى أن الرسومات يراوح عمرها بين ألفين وسبعة آلاف سنة.

غنى أثري

وتزخر أفريقيا بتراث أثري هائل، لكن مواقع كثيرة، وخصوصاً الغنية منها بالفن الصخري، شكلت موضع دراسات قليلة أو معدومة حتى، بحسب رئيس قسم الآثار في المتاحف الوطنية في كينيا، إيمانويل نديما.
ويقول نديما، "أظن أنه تم توثيق 10 إلى 20 في المئة فقط" من المواقع، مشيراً إلى أن أفريقيا جنوب الصحراء تجذب باحثين أقل من مناطق أخرى في العالم، وأن العمل الأثري باهظ التكلفة هناك، بسبب نقص البنية التحتية. ويضيف، "حتى هذه اللحظة، ما زلنا نتلقى معلومات عن مواقع لم تتم دراستها هنا أو في كينيا، ولا حتى في أي مكان آخر".
ويقول المتخصصون، إن نقص البحوث يلقي بثقله على تطوير هذا التراث الذي يمكن أن يجتذب السياح ويدر مداخيل على الدول والمجتمعات، لكنهم يشيرون أيضاً إلى أن زيادة التركيز على هذه المواقع قد تحمل مخاطر على صعيد حفظ تراثها.
وفي أبورما، حيث يندر السياح، لا يوجد سياج أو حاجز أو مكتب تذاكر يعوق الدخول، لكن لا يطرح حفظ سلامة هذه النقوش الصخرية مشكلة، بحسب لوبك الذي يقول، "لا أحد يستطيع أن يأتي إلى هنا دون علمي