الأحد 6 تشرين الأول 2024

موسكو لن تقبل بتحكم طهران بدرعا لموقعها الجيوسياسي



كتب الصحافى وليد شقير عن الوضع الاقليمى  فى سوريا  بعد ان اعلنت موسكو صراحة بانها لن تقبل بتحكم طهران فى بعض المحافظات السوريه وخاصة انه هناك شخشية لدى الروس من تمرد فى بعض المحافظات  الاخري 
أعاد الوضع الأمني والعسكري في محافظة درعا السورية تسليط الأضواء على التطورات السورية التي احتفظت بقدر من الاستقرار في السنوات الثلاث الماضية، نتيجة عوامل عدة بينها رعاية روسيا بعد نجاحها في تثبيت نظام بشار الأسد، للمصالحات بين فضائل معارضة وبين قوات النظام والتي شملت محافظات عدة بينها محافظة درعا.
إلا أن الاستقرار في منطقة درعا بقي مشوباً بالكثير من الحوادث على الرغم من أن الجانب الروسي استطاع وقف المعارك العسكرية منذ العام 2018 بعد اتفاق خفض التصعيد الذي أرسته صيغة "أستانا" بين روسيا وإيران وتركيا في يوليو (تموز) عام 2017. فالمحافظة خضعت لخطط التمدد الإيراني فيها استكمالاً لتعزيز طهران نفوذها في بلاد الشام من جهة، ومن أجل التواجد على تماس مع الحدود السورية الجنوبية والمناطق المحتلة من قبل إسرائيل في الجولان، من جهة ثانية، ولا سيما في محافظة القنيطرة المتاخمة لدرعا من الغرب. ويحد درعا من الشمال محافظة ريف دمشق، ومن الشرق محافظة السويداء.
تأثير التمدد الإيراني في الجغرافيا السياسية
والعامل الآخر الذي يجعل من التطورات في درعا ذات أهمية في الجغرافيا السياسية الإقليمية أيضاً هو تعزيز الولايات المتحدة الأميركية وجودها في الأردن بحيث تصبح على مقربة من منطقة تواجد إيراني في بلاد المشرق.
كما أن تعزيز التواجد الإيراني في الجنوب السوري، أثار ردة فعل الفصائل التي انخرطت في المصالحات برعاية روسية، نظراً إلى أن درعا مهد الثورة على النظام في 15 مارس (آذار) 2011، وشكل منافساً للدور الروسي الذي سعى إلى استيعاب جزء من المعارضة وضم بعض مسلحيها إلى اللواء الثامن في الفيلق الخامس (في الجيش السوري في إطار إعادة هيكلته) الذي نشأ بقرار ودعم من موسكو.
والتمدد الإيراني وميليشيات تابعة في مقدمها "حزب الله" اللبناني، نحو درعا والمنطقة الجنوبية يثير حفيظة دولتين محاذيتين: إسرائيل التي تراقب عن كثب ما يجري فيها، وتولت قصف قواعد وتحركات للحزب والحرس الثوري الإيراني هناك عشرات المرات، والأردن الذي يرصد مدى اقتراب إيران من حدوده ويتبع سياسة حذرة حيال ذلك منذ سنوات، إضافة إلى قلقه من احتمالات مواجهة إيرانية إسرائيلية قد يتأثر بها. والقلق من التطورات في درعا كان دفع عمّان إلى إقفال معبر جابر نصيب الحدودي مع سوريا في 31 يوليو الماضي بسبب توتر الوضع الأمني في منطقة درعا بين الفرقة الرابعة (بقيادة ماهر الأسد) والميليشيات الإيرانية من جهة وفصائل معارضة من جهة ثانية، للاتفاق على ترتيبات أمنية جديدة حول التنقل بين البلدين، ثم إعادة فتحه في الخامس من أغسطس (آب) أمام الشاحنات المحملة بالخضار والفاكهة وغيرها فقط، مع الإبقاء على حركة الأفراد والسيارات العادية مجمدة حتى إشعار آخر.
التوتر والعصابات المسلحة وخرق المصالحة
منذ اتفاق المصالحة الذي رعته موسكو في 2018 في درعا، عاشت المحافظة الكثير من التوترات الأمنية ذات الطابع الاجتماعي بفعل خليط من العوامل منها نشوء عصابات المخدرات والخوات التي رعت بعضها مخابرات النظام، وبسبب التدهور التدريجي للأوضاع المعيشية نتيجة عجز النظام عن تأمين المواد الأساسية من محروقات ومواد غذائية وكهرباء بسبب حصر المنافع واحتكارها بيد المحظيين في دمشق وبسبب العقوبات الأميركية والأوروبية.
لكن التوترات الناشئة من إخلال أجهزة الأمن الرسمية باتفاق المصالحة ومواصلتها الاعتقالات لآلاف الشبان الذي كانوا قاتلوا مع فصائل معارضة، وبفعل تغلغل الحرس الثوري و"حزب الله" في المنطقة عن طريق إنفاق المال لاستمالة مجموعات متعددة جراء العوز والفقر، والتركيز على بعض القرى والبلدات الشيعية في المحافظة، كانا سبباً لاغتيالات واشتباكات متقطعة على مدى سنتين بحيث لم تنعم المحافظة بالهدوء.
تسليح وتمويل إيرانيين وبرميل بارود
وفي جردة للمجموعات المسلحة التابعة لإيران في درعا، يشير موقع "زمان الوصل" السوري إلى أن "الحرس الثوري" الإيراني استطاع التمركز في مدينة "الصنمين" تحت ظلال الفرقة التاسعة في الجيش السوري، "حزب الله" اللبناني الذي افتتح مراكز تجنيد وسط مدينة درعا، وفي العديد من القرى المحيطة تحت ظلال تشكيلات عسكرية سورية نظامية سواء المخابرات الجوية أو "لواء اليرموك"، "عصائب أهل الحق" العراقية التي تنتشر مع الفرقة الخامسة السورية، "لواء العرين" الذي ينتشر في أراضٍ زراعية خصبة وعمل على ترغيب أصحابها على بيع عقاراتهم بأسعار مغرية، لواء "الحسين"، "اللواء 313" وإمرته لـ "حزب الله"، قوات "الرضوان"، قوات "الغيث" التي تستظل الفرقة الرابعة السورية.
وفي وقت يتنكر الكثير من هذه الميليشيات بلباس الجيش السوري فإن معظمها يتلقى تمويلاً مباشراً من الحرس الثوري ومن مكتب المرشد علي خامنئي. ولا تبلغ رواتب العناصر قيمة عالية (بعضها 100 دولار) لأن سبب الانتماء إليها هو تجنب الملاحقات من النظام، كما أن بعض المجموعات التابعة لإيران ينتشر في تلال تتحكم بطرقات رئيسة، بعضها جرى تسليحه بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.
كما أن بعض التقارير أشار إلى امتلاك "الحرس الثوري"، وبعض هذه المجموعات، طائرات مسيرة إيرانية الصنع. وكان الملك الأردني عبد الله الثاني أشار في مقابلة تلفزيونية أثناء زيارته إلى واشنطن قبل أسبوعين إلى تعرض الحدود الأردنية لهجوم بهذا النوع من الطائرات من المنطقة الجنوبية.
كل ذلك حوّل درعا إلى برميل بارود إقليمي، لاسيما مع تنامي تظاهرات الاحتجاج ضد النظام على الوضع المعيشي المزري الذي يتحكم بحياة السوريين، وجعلها عملياً خارجة عن السيطرة الكاملة على المحافظة. ولطالما شهدت المحافظة اشتباكات بين الموالين للنظام والميليشيات الموالية لإيران وبين المجموعات المسلحة المعارضة التي احتفظت بالسلاح، وبعضها انضوى في اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس الذي توالي قيادته روسيا.
حصار النظام والوساطة الروسية
عادت درعا إلى واجهة الأحداث في الأيام الماضية نتيجة تجدد عمليات القصف من الجيش السوري على بعض المناطق وحصول اشتباكات بالأسلحة المتوسطة بينه وبين فصائل معارضة، ما دفع مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشال باشليت، إلى القول إن الجنوب السوري يعيش "أسوأ أعمال عنف منذ سيطرة النظام عليه عام 2018". وأكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "تجدد القتال في درعا يثير الشكوك حول قدرة موسكو على لعب دور الوسيط بشكل فعال، حيث يحاول نظام الأسد إخضاع جنوب سوريا بالكامل لسيطرته، بدعم من إيران والمليشيات الموالية لها"، أما المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون فدعا إلى "التمسك بمبدأ حماية المدنيين والقانون الإنساني الدولي"، وحث الجميع على "التهدئة".
فقوات النظام السوري، وتحديداً الفرقة الرابعة، بمساندة ميليشيات موالية لطهران، تحكم حصاراً منذ أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي على أحياء درعا البلد في المحافظة، تتخلله صدامات وقصف عشوائي، سقط جراءه مدنيون قتلى، ما سبّب فرار زهاء 20 ألف من المدنيين إلى مناطق أكثر أماناً، بينما تعيش أكثر من سبعة آلاف عائلة في ظروف صعبة، بسبب انقطاع المواد التموينية التي تحتاجها بشكل يومي، من خبز وماء وكهرباء وخدمات طبية.
وبدأ التدهور الأمني عقب انتخاب بشار الأسد لولاية رابعة حين اندفعت قواته لمحاولة السيطرة على المحافظة بدعم من التشكيلات العسكرية الإيرانية، وبحجة إيواء إرهابيين تارة ينتمون إلى تنظيم "داعش" وأخرى إلى "حراس الدين"، وطالب النظام بتسليم الفصائل المسلحة السلاح وترحيل مسلحين إلى إدلب أو الشمال السوري حيث السيطرة التركية. وتحركت الوساطة الروسية مجدداً وصاغت اتفاقاً جديداً بين "اللجنة الأمنية" التابعة للنظام ولجنة التفاوض بالنيابة عن فصائل درعا، قضى بوقف النار وبتسليم بعض المسلحين في منطقة درعا البلد (وهي غير درعا عاصمة المحافظة) الأسلحة الخفيفة وبعض الأسلحة المتوسطة، استناداً لاتفاق المصالحة عام 2018 على أن يتولى اللواء الثامن في الفيلق الخامس الذي يقوده المعارض السابق أحمد العودة استيعاب بعض المسلحين في عداده، وعلى الرغم من ذلك فشل تنفيذ هذا الاتفاق.
توظيف تجديد الولاية ورفض موسكو اجتياح درعا
الجانب الروسي اعتبر أن الأسد يسعى لتوظيف التجديد له بالسيطرة بالقوة المفرطة على درعا، بمساندة إيرانية، خصوصاً أن المحافظة قاطعت الانتخابات الرئاسية ورفضت الاقتراع له وينوي معاقبة أهلها. أرسلت روسيا وفدين، الأول عسكري برئاسة نائب مركز المصالحة في قاعدة "حميميم" الأدميرال فاديم كوليت، ثم مندوب المخابرات العسكرية ألكسندر زورين الذي ينسق مباشرة مع الكرملين بخصوص سوريا في اتصالاته مع المعارضين للنظام، واقترحت موسكو نقل بعض المسلحين إلى خارج درعا البلد، لكن من دون ترحيلهم إلى الشمال أو إدلب، وتولي  الفيلق الخامس الروسي الهوى السيطرة على الطريق بين دمشق والأردن الذي كان النظام يشكو من وجود المسلحين عليها، وبالفعل، أعلن بعض رموز الفصائل المعارضة الخروج من درعا البلد، لكنها رفضت تهجيرها إلى الشمال السوري.
وفي التقييم الروسي، وفق معطيات من يزورون موسكو، أن الأسد فهم تأييد موسكو لإعادة انتخابه، وبعض إشارات الانفتاح العربية عليه، على أنها تسوّغ له العودة إلى خيارات الحسم العسكري التي لوّح بها في خطاب تنصيبه في 17 يوليو الماضي، وهو خطاب أثار انتقادات حادة في أروقة القرار في موسكو في حينها، ظهرت في وسائل الإعلام، متهمة إياه بأنه لا يريد الحل السياسي وفق القرار الدولي الرقم 2254 وأنه لا يتصرف على أنه أدرك الحاجة إلى تغيير طريقة حكم سوريا عما كان الأمر في 2011، وحفلت وسائل الإعلام الروسية في الأيام القليلة الماضية بالحديث عن جموح الأسد العسكري في درعا، بدعم إيراني، وعكست هذه الكتابات إرادة الكرملين بعدم السماح باجتياح بلدات وقرى في المحافظة، وهو ما دفع رموزاً في فصائل معارضة إلى التصريح عبر وسائل إعلام وفضائيات عربية وسورية معارضة بأنه لولا الضغط  الروسي على دمشق لكانت درعا شهدت أنهراً من الدماء.
وترى موسكو أن انتفاض درعا على النظام قد يتكرر في محافظات أخرى تتواجد فيها قواته، جراء التردي المستمر في الأوضاع الحياتية، وبالفعل، فإن بعض رموز محافظة السويداء ولا سيما "شيوخ الكرامة" بدأوا تحركاً في هذا الصدد.
الشاعر: مسؤولية النظام
وفي وقت ركز معظم المراقبين على أن جانباً مما تشهده المحافظة يختصر التنافس والتناحر الروسي الإيراني في بلاد الشام، فإن موسكو جاهرت برفضها الخيارات العسكرية عبر مقالات وإطلالات تلفزيونية للمستشار في وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين رامي الشاعر. ويفترض المتابعون للتعقيدات الإقليمية أن موسكو لن تسمح بتحكم طهران بهذه المساحة الجغرافية المهمة التي تشكلها درعا على الصعيد الإقليمي
وقال الشاعر في مقابلة، الأربعاء في 11 أغسطس، مع "تلفزيون سوريا" القريب من المعارضة، إن "التجديد للأسد لولاية رئاسية جديدة هو تجديد استمرار النظام بكامله لولاية جديدة من دون أي تغييرات جذرية في بنيته وبخاصة العسكرية والأمنية، في ظل انهيار اقتصادي كارثي على الشعب السوري".
وذهب الشاعر، الذي يعبر عن رسائل سياسية يريد المسؤولون الروس أن يبعثوها، إلى أبعد من انتقادات المعارضة للنظام حين قال، "النظام في دمشق يعي أن أي تنازل ولو بسيط يعني نهايته ومحاسبته على ما وصلت إليه الأوضاع في سوريا اليوم، وهو يتحمل المسؤولية الأولى، (عن) كل العوامل الأخرى من تدخلات خارجية ومؤامرات على سوريا عقوبات وحصار اقتصادي، ودور التنظيمات الإرهابية لا يبرر مسؤولية النظام الأولى في تحمله مسؤولية مأساة الشعب السوري".
اختلاف وجهات النظر مع إيران
وإذ اتهم النظام بإفشال "اللجنة الدستورية" عن قصد "لدفن القرار 2254"، رأى أن "المقصود إفشال جهود موسكو وسعيها لتنفيذ هذا القرار، حسب ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني السوري في "سوتشي" عام 2018". وكشف عن أن موسكو قدمت لسوريا مطلع العام الحالي مليار ونصف مليار دولار للنظام على شكل قرض بلا فوائد وغير محدد زمنياً استرجاعه، على شكل قمح ومحروقات ومواد أخرى من احتياجات يومية لمقومات الحياة الإنسانية".
ورداً على سؤال حول استدارة النظام نحو الصين قال إن هناك تطابقاً كاملاً بين سياسة روسيا والصين بخصوص الأزمة السورية، وإذ نفى وجود تناقض روسي إيراني أكد أن "هناك وجهات نظر مختلفة بخصوص الخروج من أزمة سوريا"، ومع إشارته إلى دور روسيا في التوصل لاتفاق على النووي ومن أجل رفع العقوبات، ردّ على سؤال حول وجود ميليشيات إيران في سوريا بالقول إنه "وضع مؤقت يقرره السوريون في المستقبل، وأتمنى أن يكون قريباً جداً".