الأحد 6 تشرين الأول 2024

من هو البنك الدولي وكيف يعمل، وما الدول الأعضاء به؟

النهارالاخباريه – وكالات 

كان رفض البنك الدولي منح دولة عربية قرضاً في يوم من الأيام، سبباً لاندلاع حرب ساهمت في تغيير خريطة العالم، واليوم يُنظر إلى البنك الدولي على أنه المانح الأكبر للدول الفقيرة في العالم، فما قصة البنك الدولي وكيف يعمل، ومن هم مؤسسوه وأعضاؤه، وما صحة الاتهامات الموجهة له بأنه أداة غربية أو أمريكية تحديداً؟
وأصدر البنك الدولي الذي يتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقراً له، تقريراً مؤخراً يتوقع حدوث ركود عالمي في العام الحالي (2023)، سيضرب اقتصادات الدول الفقيرة بالأساس، ويتوقع أن يتزايد دور البنك الدولي في إنقاذ العالم الثالث من هذه الأزمة المحتملة، إضافة إلى دوره المتزايد في مكافحة التغييرات المناخية.
ولكن خلف هذا الدور العظيم، يتهم منتقدون البنك الدولي بأنه كان وسيظل أداة سيطرة غربية على بقية العالم، بالشراكة مع صندوق النقد الدولي.
في هذا التقرير نرصد تاريخ البنك الدولي ودوره وكيفية تمويله، ومن المتحكم فيه، وأبرز الانتقادات الموجهة إليه ومدى استجابته لها، وكيف يحاول تطوير عمله.
إليك حجم القروض التي يقدمها والفرق بينه وبين صندوق النقد الدولي
ويشترك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في هدف مشترك يتمثل في رفع مستويات المعيشة بالبلدان الأعضاء، حسبما ورد في موقع صندوق النقد الدولي "IMF".
ولكن صندوق النقد الدولي المتحكم في النظام النقدي العالمي وتتركز أنشطته على الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي والسياسات النقدية، بينما يركز البنك الدولي على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل والحد من الفقر.
وحجم البنك الدولي أكبر بثلاث مرات من حجم صندوق النقد الدولي.
في السنة المالية 2021، قدمت مجموعة البنك الدولي مجتمعةً 98.8 مليار دولار في شكل قروض ومنح واستثمارات في رأس المال وضمانات للبلدان الشريكة والشركات الخاصة على مستوى العالم، بما في ذلك المشاريع الإقليمية والعالمية ذات الطابع المتعدد.
تاريخ البنك الدولي.. أولى متلقي لقروضه كانت فرنسا
أنشأت اتفاقية بريتون وودز التي أبرمت في الولايات المتحدة عام 1944، وشاركت بها 44 دولة قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، نظاماً نقدياً دولياً جديداً، وقيام الدول بربط عملاتها بالدولار الأمريكي واستبدال معيار الذهب بالدولار الأمريكي كعملة عالمية لتترسخ الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الاقتصاد العالمي، لأنها الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على طباعة الدولارات.
كما أنشأت الاتفاقية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF)، وهما منظمتان مدعومتان من الولايات المتحدة لمراقبة النظام الجديد.
وقررت دول "بريتون وودز" عدم منح صندوق النقد الدولي سلطة بنك مركزي عالمي. وبدلاً من ذلك، وافقت على المساهمة في مجمع ثابت من العملات الوطنية والذهب يحتفظ به صندوق النقد الدولي. بعد ذلك، كان يحق لكل دولةٍ عضو في نظام "بريتون وودز" اقتراض ما تحتاجه، في حدود مساهماتها. كان صندوق النقد الدولي مسؤولاً أيضاً عن تطبيق اتفاقية بريتون وودز. 
ساعدت قروض البنك الدولي الدول الأوروبية على إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية، مما جعله أول بنك تنمية متعدد الأطراف في العالم.
تم تمويل البنك الدولي من خلال بيع السندات، كان أول قروضه لفرنسا ودول أوروبية أخرى، ومنذ ذلك الحين عمل البنك مع دول نامية مثل الهند والصين، في مشروعات تشمل السكك الحديدية.
دور البنك الدولي في اندلاع العدوان الثلاثي على مصر
ارتبط اسم البنك الدولي بحرب وقعت على أرض عربية، غيرت تاريخ العالم كله.
ففي عام 1955، عقدت مصر بعد تولي الرئيس جمال عبد الناصر السلطة، اتفاقاً مع تشيكوسلوفاكيا لشراء أسلحة لكبح الاعتداءات الإسرائيلية على غزة وسيناء، وكان ذلك كسراً للاحتكار الغربي لتصدير السلاح والشأن الدفاعي برمته بمنطقة الشرق الأوسط، وأول تطبيع عسكري بين مصر والاتحاد السوفييتي، حيث نُظر إلى إبرام الصفقة مع تشيكوسلوفاكيا التي كانت تابعة لموسكو وعضواً بحلف وارسو، على أنه بديل لعقدها مباشرة مع الاتحاد السوفييتي؛ لعدم استفزاز الغرب، في وقت كانت السياسة الأمريكية تركز على ألا تملأ موسكو الفراغ الناجم عن تراجع الاستعمارين الفرنسي والبريطاني للمنطقة.
وبعد أن أعلن البنك الدولي عن استعداده لتمويل السد، وبسبب صفقة الأسلحة التشيكية أوعزت واشنطن إلى البنك برفض طلب مصر تمويل بناء السد العالي الذي كان مشروعاً قومياً ذا أهمية كبيرة لنظام الضباط الأحرار، خاصة بعد سيطرة عبد الناصر على مقاليد السلطة، وتركيزه على تحسين أحوال الفلاحين، واعتبر أن المشروع مُهم لزيادة الإنتاج الزارعي وتقليل آثار تقلُّب النيل بين الفيضان والجفاف.
ردَّ عبد الناصر بإصدار قراره الشهير بتأميم هيئة قناة السويس التي كانت شركة فرنسية، تمتلك أغلب أسهمها بريطانيا. ورداً على القرار تواطأت لندن ومعها باريس (التي كانت غاضبة أيضاً من دعم مصر للثورة الجزائرية) مع إسرائيل لشنِّ العدوان الثلاثي عبر تنفيذ هجوم إسرائيلي على القوات المصرية في سيناء؛ لإعطاء ذريعة للبريطانيين والفرنسيين بالتدخل ومطالبة الطرفين بالانسحاب بعيداً عن محيط القناة وإرسال قوات لها بدعوى حماية حرية الملاحة بها.
قوبل العدوان بإدانة شديدة من أغلب دول العالم، وضمنها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، حتى إن الزعيم السوفييتي نيكيتا خورتشوف، هدد بضرب لندن وباريس بالأسلحة النووية، فيما ضغطت واشنطن عليهما للانسحاب، وهذا ما حدث. ورغم عدم انتصار الجيش المصري عسكرياً، كانت النتيجة مُذلة لبريطانيا وفرنسا ونكسة كبيرة لدورهما الاستعماري، وشكَّل الضربة شبه النهائية لإمبراطوريتهما، وتأكيد الدورين الأمريكي والسوفييتي، كما تحوَّل عبد الناصر إلى زعيم للقومية العربية وبطل للاستقلال ومقاومة الاستعمار في العالم الثالث.
 ليس بنكاً بالمعنى التقليدي وهدفه الأول القضاء على الفقر المدقع
البنك الدولي منظمة دولية تقدم المساعدة الفنية والمالية للعديد من البلدان النامية في العالم، كما أنها تساعد على تقدمها في الاقتصاد، ويمتلك البنك الدولي أكبر قدر من المعرفة في البلدان النامية، كما أنه أكبر مصدر عندما يتعلق الأمر بالتمويل.
هدف البنك الدولي الأول هو القضاء على الفقر المدقع، فهو لا يريد أن يعيش أكثر من 3% من الناس على 1.90 دولار في اليوم أو أقل بحلول عام 2030. وهدفه الثاني هو تعزيز الرخاء المشترك، إنه يريد تحسين دخول 40% من السكان الأدنى في كل بلد.
والبنك الدولي ليس بنكاً بالمعنى التقليدي للكلمة. بدلاً من ذلك، يتكون من منظمتين. الأولى هي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي يقدم القروض والائتمان والمنح. والثانية هي المؤسسة الدولية للتنمية، التي تقدم قروضاً منخفضة الفائدة أو بدون فائدة ومنحاً للبلدان منخفضة الدخل.
وتشترك الدول الأعضاء في البنك الدولي والبالغ عددها 189 دولة في الملكية، ولكن لدى الولايات المتحدة حصة تصويت مسيطرة.
الدول الخمس الأعضاء في الأمم المتحدة، التي ليست أعضاء بالبنك الدولي هي أندورا وكوبا وليختنشتاين وموناكو وكوريا الشمالية.
ومن أبرز الأهداف المعلنة للبنك هو "سد الفجوة الاقتصادية بين البلدان الغنية والفقيرة". وهو يقوم بذلك عن طريق تحويل "موارد الدول الغنية إلى الدول الفقيرة"، وله رؤية طويلة الأجل "لتحقيق خفض مستدام للفقر".
ويقدم البنك الدولي قروضاً منخفضة الفائدة وائتماناً بدون فوائد ومنحاً، ويركز على تحسين التعليم والصحة والبنية التحتية. كما تُستخدم أمواله لتحديث القطاع المالي في الدول المقترضة، إضافة إلى الزراعة، وإدارة الموارد الطبيعية.
أبرز المجالات التي يركز عليها البنك الدولي
لتحقيق هذا الهدف، يركز البنك على عدة مجالات:
التغلب على الفقر من خلال تحفيز النمو، خاصة في إفريقيا.
المساعدة في إعادة بناء البلدان الخارجة من الحرب، التي هي أكبر سبب للفقر المدقع.
تقديم حل مخصص لمساعدة البلدان المتوسطة الدخل على البقاء خارج دائرة الفقر.
حث الحكومات على مكافحة تغير المناخ. 
العمل مع الشركاء لوضع حد لمرض الإيدز.
إدارة الأزمات المالية الدولية وتعزيز التجارة المفتوحة.
يعمل البنك الدولي مع جامعة الدول العربية على ثلاثة أهداف: تحسين التعليم، وبناء البنية التحتية، وتقديم قروض صغيرة للشركات الصغيرة.
منذ عام 1947، قام البنك الدولي بتمويل أكثر من 12000 مشروع إنمائي، من خلال قروض تقليدية وائتمانات بدون فوائد ومنح، حسبما ورد في موقع البنك الدولي (The World Bank).
كيف يتم اختيار رئيس البنك الدولي ولماذا يجب أن يكون أمريكياً؟
تتمتع الولايات المتحدة بتأثير استثنائي على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من خلال المساهمات المالية الأمريكية والممارسات والاتفاقيات غير الرسمية التي تطورت بمرور الوقت، إضافة إلى التحالف مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج، وغالباً ما تكون الآليات غير الرسمية للتأثير أكثر أهمية من الآليات الرسمية، حسبما ما ورد في كتاب "الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية: القوة والنفوذ داخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي" لمؤلفته نجير وودز.
جزء من أعراف البنك أن يكون رئيسه أمريكياً ضمن توافق أمريكي أوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، على أن يكون رئيس صندوق النقد الدولي أوروبياً ورئيس البنك الدولي أمريكياً.
كل رؤساء البنك منذ تأسيسه يتم ترشيحهم من قبل الولايات المتحدة، ولم يرفض أي شخص رشحته الولايات المتحدة للمنصب.
وتبلغ قوة التصويت في الولايات المتحدة 15.62%، مما يجعلها أكبر مساهم.
ورئيس البنك الدولي الحالي هو ديفيد مالباس الذي رشحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمنصب، وكان وكيل وزارة الخزانة الأمريكية للشؤون الدولية، وعُيّن رئيساً للبنك في أبريل/نيسان 2019.
وانتقد مالباس الإقراض المصرفي للصين، لكنه يحتاج إلى دعم الصين واليابان، وهما أكبر مساهمَين في البنك الدولي بعد الولايات المتحدة. 
إليك أبرز الدول المهيمنة على القرارات
يقدم رئيس البنك الدولي تقاريره إلى مجلس المديرين التنفيذيين المؤلف من 25 عضواً، وتتمتع الولايات المتحدة واليابان والصين وألمانيا والمملكة المتحدة بأكبر قدر من التصويت.
وتعتمد قوة التصويت في هذا المجلس لكل دولة عضو على عدد الأسهم التي تمتلكها. يتم تخصيص الأسهم بشكل مختلف في كل منظمة ، مما يؤدي إلى قوى تصويت مختلفة.
في عام 2010، تم تعديل صلاحيات التصويت في البنك الدولي لزيادة قوة تصويت البلدان النامية، ولا سيما الصين، بحيث تكون قوة التصويت للدولة أكثر تمثيلاً للحجم الاقتصادي بالإضافة إلى مساهماتها في مؤسسات التنمية الدولية.
ومنحت الإصلاحات مكاسب في التصويت لدول أخرى مثل كوريا الجنوبية وتركيا والمكسيك وسنغافورة واليونان والتشيك والمجر والبرازيل والهند وإسبانيا، مقابل تخفيض القوة التصويتية لمعظم البلدان المتقدمة، إلى جانب عدد قليل من البلدان النامية مثل نيجيريا، ولم تتغير قوى التصويت للولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية.
الدول التي تتمتع بأعلى قوة تصويت هي الآن، الولايات المتحدة (15.85٪) اليابان (6.84٪)، الصين (4.42٪)، ألمانيا (4.00٪)، المملكة المتحدة (3.75٪)، فرنسا (3.75٪)، الهند (2.91٪)، روسيا (2.77٪)، السعودية (2.77٪) وإيطاليا (2.64٪).
أبرز الانتقادات الموجهة للبنك الدولي.. مصرف الأغنياء الذي يورط الفقراء
يشكو العديد من الأعضاء من أن البنك يمثل مصالح العالم المتقدم وليس الدول الفقيرة التي يساعدها.
ويدَّعي البنك الدولي أن هدفه الرئيسي هو تعزيز التنمية العالمية من خلال الحد من الفقر، ولكن هناك العديد من النقاد الذين يجادلون بأن هذه مجرد شعارات، وأن الهدف الحقيقي للبنك الدولي هو استخدام القروض المشروطة في مقابل البلدان التي تنشئ ليبرالية جديدة، وأن هذه السياسات الاقتصادية تفيد الشركات والمؤسسات المالية الغربية في نهاية المطاف.
كما أصبح إقراض البنك الدولي مثيراً للجدل، حيث استخدمت العديد من البلدان قروضها لمنع التخلف عن سداد الديون السيادية. 
كان هذا الدين في كثير من الأحيان نتيجة الإنفاق المفرط والاقتراض الواسع النطاق. بمساعدة البنك الدولي أحياناً، خفضت العديد من الدول قيمة عملاتها، مما تسبب في تضخم مفرط.
ولمكافحة ذلك، طالب البنك بإجراءات تقشفية. كان على الدول المقترضة أن توافق على تقليص الإنفاق ودعم عملتها. لسوء الحظ، تسبب هذا عادة في ركود، جعل من الصعب سداد قروض البنك.
أين أموال مكافحة التغير المناخي؟
انتُقد البنك الدولي بسبب طريقته لمعالجة أزمة جائجة كورونا، كما تعرض لانتقاد حاد بشأن الإنفاق على أزمة المناخ، حيث تشير أبحاث منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية إلى أن ما يصل إلى 40% من إنفاق البنك المرتبط بالمناخ لا يمكن حسابه، حسبما نقلت صحيفة the Guardian  البريطانية.
فمن بين 17.2 مليار دولار أفاد البنك الدولي بأنه أنفقها على تمويل المناخ في عام 2020، لا يمكن التحقق مما يصل إلى 7 مليارات دولار بشكل مستقل، وفقاً لبحث منظمة أوكسفام.
كما قاد نائب الرئيس الأمريكي السابق، آل غور، دعوات تطالب رئيس البنك، ديفيد مالباس، بالاستقالة؛ بعد أن تجنب أسئلة أحد الصحفيين حول علوم المناخ، ومن المعروف أنه هناك اتهامات لليمين الأمريكي الذي يرتبط به رئيس البنك الدولي عبر عمله السابق في إدارة ترامب بأنه ينكر الثوابت العلمية في قضايا المناخ.
يحاول تعزيز دوره في إقراض الدول الفقيرة ولكن ينتظر موافقة الغرب
وحالياً يسير البنك الدولي على حبل مشدود وهو يدرس زيادة الإقراض لأشد الناس فقراً، حسب تقرير آخر لصحيفة the Guardian.
فواحدة من أكبر الرياح العكسية التي تواجهها حكومات الدول النامية هي زيادة تكاليف الديون، لأن معظم الديون مقومة بالدولار أو اليورو، ولذا فإن الرفع الحاد لأسعار الفائد من قِبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي يزيد الأعباء على هذه الدول، الامر الذي يهدد بأزمة ديون في العالم الثالث.
ويأمل البنك الذي يوصف بممول التنمية، إقناع كبار المانحين، خاصةً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، بتوسيع قدرته على الإقراض.
كما يأمل رئيس البنك، ديفيد مالباس، منع البلدان التي خطت خطوات كبيرة في الأعوام الثلاثين الماضية، نحو الأمن الغذائي والديون العامة المستقرة، من التراجع.