النهار الاخباريه. وكالات
على مدار ما يقرب من عقدٍ من الزمان، كان بشَّار الأسد يكافح من أجل الحصول على اجتماعٍ في الخارج أو حتى تأكيد مكانته أمام زوَّاره.
ترأس الأسد، الذي يقبع وحده إلى حدٍّ كبير في قصره، باستثناء المساعدين الموثوقين، دولةً سوريا الحديثه وطالب أصدقاءها القلائل بمساعدة سوريا للخروج من أزمتها
خلال الرحلات المنتظمة إلى سوريا، رتَّبَ فلاديمير بوتين اجتماعاتٍ في القواعد الروسية، مِمَّا أجبر الأسد على اللحاق خلفه في هذه الزيارات. وفرضت إيران إرادتها بسهولة، فغالباً ما تملي شروطاً عسكرية، أو تهمِّش الرئيس السوري في قراراتٍ شكَّلَت مسار بلاده.
ولكن مع انحسار ضجيج الحرب والتمرُّد بعد 10 سنوات، تظهر ديناميةٌ جديدة غير مُحتَمَلة: الأسد أصبح مرغوباً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
خصوم الأسد أصبحوا أكثر تقبلاً لوجوده
فالخصوم الذين عارضوا الأسد بينما تتفكَّك سوريا صاروا بشكلٍ متزايد ينظرون إلى دمشق باعتبارها مفتاحاً لإعادة تجميع المنطقة المُمَزَّقة، حسب تعبير الصحيفة البريطانية.
ويبدو أن الوحشية التي أودت بحياة نصف مليون شخص، في الوقت الذي توقَّف فيه المسؤولون عن الإحصاء في 2015، لم تعد العقبة كما كانت من قبل. وكأن دور الأسد ليس محورياً في الكارثة التي اقتلعت نصف سكَّان البلاد من وطنهم وأصابت الجسم السياسي لأوروبا وخارجها.
فعلى مدار الأشهر الـ12 الماضية، أرسلت الإمارات والمملكة السعودية مسؤولين إلى العاصمة السورية للقاء رؤساء الاستخبارات. وفي غضون ذلك، ناشد الأردن الولايات المتحدة للمساعدة في إعادة اندماج سوريا في المنطقة، واقترح أنها في وضعٍ أفضل لتقديم المساعدة.
امتنع عن رفع علم لبنان.. فهل تسلِّم له واشنطن بيروت مجدداً؟
وفي وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، سبتمبر/أيلول، قدَّمَت واشنطن عرضاً خاصاً سيضيف إلى عودة الأسد زخماً. في محاولةٍ لحلِّ أزمة الطاقة في لبنان، أعلنت السفارة الأمريكية في بيروت خطةً لإرسال الغاز الطبيعي من مصر عبر الأردن وسوريا.
ومنح الاقتراح الأسد مصلحةً مباشرةً في إيجاد حلٍّ للبنان- وهو تحوُّلٌ في الأحداث يقول الكثيرون في العاصمة اللبنانية إنه سيجرُّ البلاد مرةً أخرى إلى الوصاية السورية.
وقال دبلوماسي أوروبي: "على الأقل دُمِجَت الأزمتان الاقتصاديتان (لبنان وسوريا). هناك الكثير من الحلول السيادية. لكن هل تفهم الولايات المتحدة ما فعلته حقاً؟
كلُّ هذه السنوات من الحديث عن بناء الدولة، وبعد ذلك في النهاية تعيد لبنان إلى بشَّار، الأسد
كان الأسد سريعاً بشكلٍ غير معهود في الموافقة على الصفقة، لأن من شأنها أن تجعل سوريا تأخذ جزءاً من الغاز المصري لاحتياجاتها الخاصة، كما فعلت عندما فُرِّغَت ناقلة نفط إيرانية متَّجِهة إلى لبنان في منتصف سبتمبر/أيلول في مرفأها بانياس.
وللاحتفال بهذه المناسبة، دعا الأسد الوزراء اللبنانيين إلى الحدود حيث رفع المسؤولون العلم السوري فقط، (وقد يكون تفسير ذلك مرده إلى تلميح إلى عدم اعتراف بلبنان ككيان مستقل عن سوريا كما يرى حزب البعث والنظام السوري).
قالت ميرنا خليفة، الباحثة المقيمة في بيروت: "كان ينبغي للوزراء اللبنانيين أن ينهضوا ويغادروا. لكن المتسوِّلين لا يمكن أن يكون لهم اختيار. والآن، اضطررنا للذهاب للتسوُّل من بشَّار الأسد مرةً أخرى".
أثناء زيارته لواشنطن في أغسطس/آب، حثَّ الملك عبد الله، ملك الأردن، أعضاء الكونغرس على ضرورة إعادة إشراك الأسد. ويبدو أن الخطة تهدف إلى استعادة دور الأردن كوسيطٍ في ظلِّ إدارة بايدن- والتخلُّص من العبء المالي لأعدادٍ ضخمة من السوريين الذين لا يزالون على الأراضي الأردنية، وكثيرٌ منهم لاجئون.
وقالت مذكِّرةٌ إعلامية أعدَّها عبد الله: "يمكن للأردن أن يقود مشاركةً أوَّلية مع النظام لضمان الالتزام قبل بدء اتصالاتٍ أوسع".
وقال مالك العبدة، المراقب السوري المُقرَّب من المعارضة السورية: "ما يسعى النظام جاهداً إليه هو إنهاء العقوبات الأمريكية والأوروبية واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والغربية. ويبدو أن الملك عبد الله يضع هذه المساعي على الطاولة ويقول: دعونا نعطِ الأسد فرصة مقابل تغيير محدود".
من المُرجَّح أن يستغل الأسد القنوات الممتدة إليه لتقويض أيِّ نفوذٍ يمتلكه الغرب والدول العربية، حسب صحيفة The Guardian.
وهناك ديناميةٌ أخرى ساعدت في إغراء الأسد بالعودة إلى الحظيرة، ألا وهي صعود وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والتجديد الذي يحاول القيام به في المملكة السعودية، بعيداً عن النظام الديني الصارم حيث كان رجال الدين لهم بعض النفوذ إلى جانب الحكَّام، وهو نموذج كان بعيداً عن الدولة البوليسية على غرار دولتيّ صدام حسين ومعمر القذافي.
علاقة متنامية مع الأمير محمد بن سلمان
يقول مساعدٌ مؤثِّرٌ لزعيمٍ إقليمي إن الأسد يشعر بالجرأة بسبب الاهتمام الجديد. أرسل السعوديون رئيس الاستخبارات لديهم، ويريد الإماراتيون التعامل معه، والآن الأمريكيون والأردنيون، بعد أن كان من المستحيل التعامل معه.
كان الأسد يصرُّ على أنه لن يتنازل عن سوريا على الإطلاق، وأن على جميع الأمريكيين مغادرة دير الزور، حتى إنه كان يطالب بأن يكون له رأيٌ في المكان الذي ينسحبون إليه.
وفي مدينة القامشلي، شماليّ شرق سوريا، حيث يهيمن الأكراد في البلاد على الشؤون المحلية، لم يمر نهوض الأسد المتواصل دون أن يلاحظه أحد. في هذه المنطقة يُنظَر إليه باعتباره منتصراً انتصاراً باهظ الثمن في حربٍ استنزافية أكثر من كونه استراتيجياً ماهراً، وكانت نجاته نتيجةً لدور سوريا التاريخي في المنطقة وطريقة بناء الدولة الحديثة على يد والده حافظ الأسد.
قال أبو عبد الله، فني اتصالات في القامشلي: "ظلَّ حافظ الأسد يضمن أنه إذا سقط ذراعٌ من نظامه، فسوف تحدث زلازل في مكانٍ آخر. أصبحت العواقب وخيمة للغاية بالنسبة للجميع، وفقد الناس صبرهم".
وقال سوريٌّ آخر في القامشلي، وهو تاجرٌ مناهضٌ للأسد أشار إلى نفسه باسم أبو ليث، إن العالم بدأ ينسى عقداً من الدمار في سوريا. وأضاف: "لقد أغفلوا أفغانستان، والآن ينسوننا. قريباً سيعود بشَّار إلى الأمم المتحدة وسوف تُرفَع العقوبات. سوف يسيطر على لبنان مرةً أخرى".
أمل كاذب بإمكانية ابتعاده عن إيران
تستند معظم الدول العربية التي تريد إعادة علاقاتها مع سوريا إلى افتراض غير واقعي بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية بسوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار، والأهم أن هذا التقارب سوف يبعده عن إيران.
وعلى الرغم من عدم توافر معطيات عن إمكانية تفكيك التحالف بين النظام السوري وإيران، وعدم وجود إرادة سياسية أو رغبة لدى النظام، فإن الإمارات والبحرين ودولاً أخرى تعتقد أن التطبيع مع النظام واستعادة الدور السوري في محيطيه العربي والإقليمي سيتكفلان بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
ولكن التجربة أثبتت أن علاقة النظام السوري مع إيران تتجاوز أي ضغوط، لأنها تستند إلى عوامل طائفية، جعلت نظام الأسد يؤيد إيران في حربه ضد العراق في عهد صدام حسين رغم أن دمشق وبغداد كانتا محكومتين من حزب البعث، كما أن الروس بدعمهم القوي للأسد، ونفوذهم الهائل في سوريا، لم يستطيعوا تقليل النفوذ الإيراني المتغلغل في كل مكان بسوريا، وفي كل مؤسسات نظام الأسد.
الأهم أن التطبيع العربي أو الغربي مع سوريا دون تغيير النظام لسلوكياته من شأنه تضييع فرصة لإجباره على تقديم بعض التحسينات في الأوضاع الإنسانية بالبلاد، بل العكس سيؤدي إلى تشجيعه على مزيد من العنف ضد المدنيين ومناطق المعارضة.
ماذا عن اللاجئين السوريين؟
القضية التي قد تكون أهم بالنسبة للغرب ودول الجوار أن هذا التطبيع العربي مع الأسد وإنهاء عزلته الدولية من شأنه تضييع فرص الضغط عليه لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي المسألة التي يقاومها النظام بشدة؛ لرغبته في تغيير هوية سوريا الديموغرافية وجعل العرب السُّنة أقلية.
علماً بأن الأسد قاوم ضغوطاً روسية لإعادة اللاجئين مقابل رفع أو تخفيف العقوبات الغربية، رغم ما في ذلك من فائدة للطرفين: ينهي قادة الدول الأوروبية أزمة اللجوء التي تحفز اليمين المتطرف، فيما يكسب الأسد بعض الأموال، لحكومته المفلسة.
ولكن طبيعة نظام الأسد تجعل الغنائم الديموغرافية للحرب وفرار اللاجئين للخارج سيحلان له مشكلة أبدية وهي: سوريا بلد ذو أغلبية عربية سنية تحكمه أقلية علوية، أهم من إنهاء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها بمزيد من القمع أو تشجيع تهريب المخدرات، إلى حين ييأس العالم، ويضطر للتعامل معه.
والمفارقة هنا أنه بينما يكاد يسقط قادة غربيون كبار بسبب أزمة اللاجئين السوريين مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي فقدت شعبيتها بسبب توسعها في استقبالهم، فإن الأسد باقٍ في منصبه رغم جرائمه بحق هؤلاء اللاجئين.