الأحد 24 تشرين الثاني 2024

ملف التجارب النووية الفرنسية في الجزائر يعود إلى الضوء



النهار الاخباريه- وكالات 

عاد ملف التجارب النووية الفرنسية في الجزائر إلى الضوء بعد إقرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء 27 يوليو (تموز)، خلال زيارته بابيتي أن بلاده "مَدينة" لبولينيزيا الفرنسية بسبب التجارب النووية التي أُجريت بين 1966 و1996 في المحيط الهادئ.
ولا تزال مواقع دفن النفايات النووية وتطهيرها من المواد المشعة من المواضيع الرئيسية العالقة في قضايا الذاكرة بين الجزائر وباريس.
وفي مناسبة عيد الاستقلال، في الخامس من يوليو، اتهم وزير المحاربين القدامى (المجاهدون) السابق الطيب زيتوني فرنسا "برفض تسليم خرائط تحديد مناطق دفن النفايات المشعة ولا تطهيرها ولا حتى القيام بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين على الرغم من كون تلك التفجيرات أدلة دامغة على جرائم مقترفة ما زالت إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".
وقال زيتوني إن ملف تلك التفجيرات يبقى من "أكثر الملفات حساسية بين ملفات الذاكرة التي هي محل مشاورات ضمن اللجان المختصة وهو ما يتطلب إجراءات عملية مستعجلة وتسويته ومناقشته بكل موضوعية"، بحسب ما جاء في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الجزائرية.
ونُفذ أحد عشر تفجيراً، وجميعها تحت الأرض، بعد التوقيع اتفاقية إيفيان لعام 1962، التي أكدت استقلال الجزائر، لكن مادة منها سمحت لفرنسا باستخدام مواقع الصحراء حتى عام 1967.
الخطر مستمر
وكشفت وثائق رفعت عنها السرية في العام 2013 عن تداعيات إشعاعية أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه في البداية، والتي امتدت من غرب أفريقيا إلى جنوب أوروبا.
وأشار رئيس جمعية "الغيث القادم" عبد الرحمن تومي إلى أن "الأمراض المرتبطة بالنشاط الإشعاعي تنتقل كالميراث جيلاً بعد جيل".
وتابع رئيس الجمعية المهتمة بمساعدة ضحايا الإشعاعات النووية، "ما دامت المنطقة ملوثة، فإن الخطر سيستمر" في منطقة رقان.
وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن الإشعاعات تسببت بسرطانات وتشوهات خلقية وحالات إجهاض وعقم ضمن قائمة أمراض أخرى، فضلاً عن التأثير الكارثي على البيئة.
وفي أبريل (نيسان)، طرح رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، على نطيره الفرنسي رئيس أركان الجيوش السابق فرانسوا لوكوانتر،"إشكالية إعادة تأهيل موقعي رقان وإن إكر".
وكذلك المساعدة "بموافاتنا بالخرائط الطبوغرافية، لتمكيننا من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية، غير المكتشفة حتى اليوم".
وأكد العميد بوزيد بوفريوة أنه "بعد مرور أكثر من ستين سنة على هذه التفجيرات، تصر فرنسا على إخفاء الخرائط التي من شأنها كشف أماكن مخلفاتها النووية، باعتبارها حقاً من حقوق الدولة الجزائرية إلى جانب المماطلة في مناقشة قضية التعويضات التي تخص المتضررين الجزائريين"، كما نقلت مجلة "الجيش" الصادرة عن وزارة الدفاع.
واستبعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أي مفاوضات من أجل التعويض المالي. وقال "نحن نحترم موتانا كثيراً إلى درجة أن التعويض المالي سيكون بمثابة إهانة. فنحن لسنا شعباً متسولاً، نحن شعب فخور يُبجّل شهداءه" كما جاء في حوار للمجلة الفرنسية "لوبوان".
وفي باريس، فإن الملف من اختصاص وزارة الجيوش.
المؤرخ ستورا وقانون مورين
وفي تقريره عن الاستعمار وحرب الجزائر (1954- 1962)، أوصى المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا "بمواصلة العمل المشترك بخصوص مواقع التجارب النووية في الجزائر وتداعياتها إضافة إلى مسألة زرع الألغام على الحدود".
وفي يناير (كانون الثاني) 2010، سنّت فرنسا قانوناً يعرف بـ"قانون مورين"، الذي ينص على تعويض "للأشخاص الذين يعانون من أمراض ناتجة من التعرض للإشعاع من التجارب النووية التي أجريت في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا بين عامي 1960 و1998".
لكن، من بين 50 جزائرياً تمكنوا من إعداد ملفات في غضون عشر سنوات، لم يتمكن سوى شخص واحد "من الحصول على التعويض"، وهو جندي جزائري عمل في المواقع بعدما تم إغلاقها، وهو ما أعربت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان) عن أسفها عليه.
وبذلك لم يتم تعويض أي ضحية من سكان المنطقة.
مسؤولية تاريخية
وفي دراسة صدرت قبل عام بعنوان "تحت الرمال، النشاط الإشعاعي!"، حثت منظمات حملة "آيكان"، القوة الاستعمارية السابقة على تسليم القائمة الكاملة لمواقع دفن النفايات النووية إلى السلطات الجزائرية وتسهيل تنظيفها.
وكانت الفرصة سانحة عندما صادقت 122 دولة من الأمم المتحدة على معاهدة جديدة لحظر الأسلحة النووية في يوليو 2017. وتم اعتماد مبدأ "الملوث يدفع" والاعتراف به رسمياً.
لكن فرنسا ليست من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية "التي تتعارض مع النهج الواقعي والتقدمي لنزع السلاح النووي"، على حد تعبيرها.
وقال العميد بوفريوة "يجب على فرنسا أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية".
وذكر خبراء "آيكان فرنسا" بأن "الناس ينتظرون منذ أكثر من 50 عاماً" و"هناك حاجة إلى العمل بشكل أسرع. نحن نواجه مشكلة صحية وبيئية كبيرة يجب السيطرة عليها في أسرع وقت ممكن".
وأنشأت الجزائر في يونيو (حزيران) الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتجارب والتفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري، لكن عملها مرهون بالحصول على الخرائط.
مواعيد التجارب وأماكنها
وأجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين 13 فبراير (شباط) 1960 و16 فبراير 1966 في موقعين هما رقان وإن كر.
وأجريت التجارب الأربع الأولى فوق الأرض، إذ كانت الشحنة التفجيرية إما مثبتة على دعامة معدنية وإما موضوعة على الأرض.
وأُطلقت على السلسلة الأولى من التجارب التي أجريت في أوج حرب الاستقلال في الجزائر (1954- 1962) تسمية "اليربوع"، وهي نفّذت على بعد نحو 50 كيلومتراً من مدينة رقان الجزائرية التي كانت حينها أراضي فرنسية.
ورقان الواقعة على بعد نحو 1400 كلم من الجزائر العاصمة اختيرت في يوليو من العام 1957 لتكون مقراً لإقامة الموظفين المدنيين والعسكريين المشاركين في البرنامج النووي.
وتم بناء مدينة تحت الأرض عمل فيها ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف شخص، في محاذاة واد وعلى بعد نحو 40 كيلومتراً من منطقة حمودية التي ضمّت الحاسوب الذري الذي تم التحكّم بواسطته بالتجارب النووية، على بعد نحو 15 كيلومتراً من القنبلة الذرية.
وأطلق على التجربة التي أجريت في 13 فبراير 1960 تسمية "اليربوع الأزرق"، وكانت أول قنبلة ذرية فرنسية من البلوتونيوم بقوة تتراوح ما بين 60 و70 كيلوطن (نحو أربعة أضعاف قوة قنبلة هيروشيما)، وهي جعلت من فرنسا القوة النووية الرابعة في العالم.
واقتصرت قوة التجربتين التاليتين "اليربوع الأبيض" و"اليربوع الأحمر" على 5 كيلوطن، وقد أجريتا في العام نفسه في الأول من أبريل والسابع والعشرين منه.
ما التجربة الرابعة التي أطلقت عليها تسمية "اليربوع الأخضر" وكانت بقوة 5 كيلوطن، فقد أجريت بشكل طارئ في 25 أبريل 1961 في أجواء سياسية متوترة إثر "انقلاب الجنرالات"، وهي محاولة انقلابية قادها عسكريون فرنسيون في الجزائر ضد الرئيس الفرنسي شارل ديغول.
وأجريت التجارب الـ13 اللاحقة تحت الأرض داخل أنفاق حفرت في جبل في إن كر في منطقة الهقار في أقصى جنوب الجزائر، وذلك للحد من تبعثر الجزيئات الإشعاعية في الغلاف الجوي.
وبعد استقلال الجزائر في العام 1962، تواصلت التجارب الفرنسية في الصحراء بموجب اتفاق سري.
وأجريت التجربة النووية الأخيرة وقد سمّيت "العقيق"، وكانت بقوة 20 كيلوطن، في 16 فبراير 1966.
وفي الأول من مايو 1962، خلال التجربة "بيريل"، تسرّبت جزيئات إشعاعية من موقع التفجير الذي لم يكن عزله محكماً.
وفي العام 2012 أوردت وكالة الأنباء الجزائرية أن عدد الضحايا الجزائريين لهذه التجارب بلغ 30 ألفاً على الأقل أصيبوا بأمراض ناجمة عن التعرّض لنشاط إشعاعي.
ويقول خبراء نوويون إن التجارب الـ17 التي أجريت في الصحراء مكّنت التقنيين في مفوضية الطاقة الذرية والعسكريين من التوصل إلى قنبلة البلوتونيوم المجهّز بها الجيل الأول من مقاتلات "ميراج 4" التابعة لقوة الردع الفرنسية.
تسليم الخرائط
وحالياً، تطالب السلطات الجزائرية فرنسا بتزويدها بقائمة شاملة لكل المواقع التي طمرت فيها المواد الإشعاعية وبتنظيف مواقع التجارب.
والأربعاء كشفت وزارة الجيوش الفرنسية لوكالة الصحافة االفرنسية أنه "خلال بعض التجارب التي أجريت فوق الأرض تم اختبار مدى مقاومة التجهيزات العسكرية (شاحنات وغيرها). بعد التجارب، طمرت الهياكل في الأرض".
وتابعت الوزارة أن "فرنسا سلّمت السلطات الجزائرية ما بحوزتها من خرائط"، موضحة أن "تشخيصاً إشعاعياً لمختلف مناطق التجارب في هذه المواقع أجري وأبلغت به السلطات الجزائرية".
وفي العام 2008، تم تشكيل فريق عمل فرنسي- جزائري يضم خبراء مكلفين دراسة مسألة إعادة تأهيل مواقع التجارب القديمة في الصحراء "أولى أولوياتهم حماية الأشخاص والبيئة"، وفق المصدر نفسه.