قد لا يكون لدى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" رغبة كبيرة في صنع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن يبدو أنه مصمم على منع بعض الأطراف الخارجية من استغلال المأزق الإقليمي لصالحها. ويبدو ذلك واضحا في جعل العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني" أول زعيم عربي يزور البيت الأبيض منذ أن تولى "بايدن" منصبه.
وتكتسب هذه الخطوة أهمية إضافية مع بداية إجراءات المحاكمة ضد اثنين من كبار الأردنيين المتهمين بالتحريض على الفتنة والتآمر مع ولي العهد السابق الأمير "حمزة بن حسين"، الأخ غير الشقيق للملك "عبدالله الثاني"، لزعزعة استقرار النظام الملكي. وتتعزز أهمية هذه الخطوة في وقت تتنافس فيه العديد من الدول المسلمة على القوة الناعمة الدينية في العالم الإسلامي.
وأعادت المؤامرة المزعومة بالتعاون مع الأمير "حمزة" والجهود السعودية لحماية "باسم عوض الله" تركيز الانتباه على الجهد السعودي لإدخال المملكة في إدارة الحرم الشريف في القدس، الذي يعتبره المسلمون ثالث أقدس موقع في الإسلام.
وشغل "عوض الله"، وهو من المقربين من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، منصب رئيس ديوان الملك "عبدالله الثاني" ووزير المالية سابقا.
وتستند السعودية في مطالبتها بقيادة العالم الإسلامي إلى وصايتها على أقدس مدينتين في الإسلام، مكة والمدينة. وسوف يتعزز الادعاء السعودي بشكل كبير من خلال الحصول على حصة في إدارة الحرم الشريف في القدس خاصة مع مساعي المملكة لتحصيل أكبر قدر من القوة الناعمة الدينية.
وفي الواقع، تعد القدس جوهرة تاج المعركة من أجل الإسلام. ويدير الأماكن المقدسة الإسلامية فيها منذ القرن الماضي أوقاف تسيطر عليها الحكومة الأردنية.
ولا يزال النضال محتدما من أجل السيطرة على القدس. وبالنسبة لـ"آل سعود"، يتعلق الأمر بتعزيز مطالبتهم الدينية بقيادة العالم الإسلامي. وبالنسبة للأردن فإن الأمر لا يتعلق فقط بالسلطة الدينية. ونظرا لأن الفلسطينيين يمثلون أكثر من 40% من سكان الأردن، فإن الحفاظ على الوضع الراهن في القدس أمر أساسي لضمان بقاء النظام.
وبالرغم من عدم توجيه الاتهام إلى الأمير "حمزة"، فقد ظل قيد الإقامة الجبرية منذ أبريل/نيسان عندما تم اعتقال "عوض الله" والمتهم الثاني، الشريف "حسن بن زيد"، وهو رجل أعمال وابن عم الملك "عبدالله الثاني".
وثارت شكوك حول وجود علاقة سعودية بالمؤامرة بسبب الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة لإقناع الملك "عبدالله" بالسماح لـ"عوض الله"، وهو مواطن أردني أمريكي سعودي، بالذهاب إلى السعودية. وأرسلت المملكة وزير خارجيتها الأمير "فيصل بن فرحان آل سعود"، ورئيس المخابرات "خالد بن علي الحميدان"، ومسؤول كبير في مكتب ولي العهد لاستعادة "عوض الله".
وتعزز رفض الأردن للمطلب السعودي بدعم من "بايدن" وكذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية "وليام بيرنز".
ونفت السعودية رغبتها في سفر "عوض الله" إلى المملكة. وقال مسؤولون سعوديون إن زيارات كبار المسؤولين إلى الأردن كانت تهدف إلى التعبير عن دعمهم للعاهل الأردني.
وأصر وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" خلال زيارة لواشنطن في مايو/أيار على أن الجهود المبذولة لتوسيع إدارة الحرم الشريف تشكل خطا أحمر. وجدد ملك الأردن رفض بلاده لأي محاولة لإشراك أطراف ثالثة وذلك خلال زيارة لاحقة قام بها وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكن" إلى عمّان.
وتوترت العلاقات بين الأردن والسعودية مع غضب السعوديين من رفض الملك "عبدالله الثاني" لاعتراف الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" بالقدس عاصة لإسرائيل وما تبعه من رفض للخطة المعروفة بـ"صفقة القرن" والتي دعمت السياسات الإسرائيلية المتشددة.
وكان الملك "عبدالله الثاني" يعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" يؤيد دورا سعوديا في إدارة الحرم الشريف، وهو غير متأكد من نوايا خليفة "نتنياهو"، رئيس الوزراء "نفتالي بينيت" الذي يرفض فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل ويدعم النشاط الاستيطاني الإسرائيلي.
ونفى مسؤولون أردنيون تقارير صحف إسرائيلية مؤيدة لـ"نتنياهو"، نقلت عن دبلوماسيين سعوديين قولهم إن الأردن على استعداد لمنح السعودية صفة مراقب في الوقف الذي يدير الحرم الشريف.
ولم تعلن السعودية رسميا عن سعيها لانتزاع السيطرة على الحرم القدسي، لكن الاهتمام السعودي واضح في العديد من تحركات المملكة في الأعوام الأخيرة.
وفي استعراض لقوة المملكة المالية، قال العاهل السعودي الملك "سلمان" في قمة عربية في الظهران في أبريل/نيسان 2018؛ إن المملكة ستخصص 150 مليون دولار لدعم الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وتم تصميم هذا التبرع جزئيا لمواجهة التبرعات التي قدمتها تركيا للمنظمات الإسلامية في القدس وكذلك الجهود التركية للحصول على عقارات في المدينة.
ويمكن أن يتسبب توسيع إدارة مواقع القدس في تعزيز الحديث عن تدويل إدارة مكة والمدينة أيضا. وهو اقتراح غالبا ما تطرحه إيران، ويتسبب في غضب السعوديين.
وفي وقت سابق، كتب "مالك دحلان" وهو محام دولي سعودي المولد ويعتقد أنه مقرب من الأمير "حمزة"، مقالا في صحيفة "هآرتس" أشار فيه إلى أن خطة "ترامب" يمكن أن تنجح إذا تحقق في المرحلة الأولى "اتفاق على حكم القدس"، وأضاف: "نهج القدس أولا سيتضمن فكرة التدويل التكاملي الذي بالمناسبة أراه مطلوبا أيضا لمكة والمدينة".
ولكن لم يكن هناك ما يشير إلى أن الأمير "حمزة" يشارك "مالك" وجهات نظره بشأن الأماكن السعودية المقدسة.
المصدر | ريسبونسيبل ستيت كرافت