السبت 23 تشرين الثاني 2024

محللون يقرأون مستقبل تونس في ظل غموض سياسات الرئيس سعيّد


النهار الاخباريه وكالات

تشهد الحالة التونسية في الثلث الأخير من العام الجاري، عدم استقرار سياسي ناتج عن إجراءات استثنائية أقدم عليها الرئيس قيس سعيد، تصفها غالبية القوى السياسية والبرلمانية بالانقلاب.

وبمرور الوقت، تتزايد المخاوف في تونس من شبح تردي الوضع الاقتصادي الذي يطارده الإفلاس ما قد يسبب شللا في أغلب المؤسسات، فقد شهدت بعض القطاعات إضرابات بسبب تأخر صرف الرواتب، في حادثة وصفت بأنها تاريخية كونها تحدث لأول مرة في تاريخ الدولة التونسية المعاصرة.

ويواجه الرئيس قيس سعيد، في الآونة الأخيرة، اتهامات بـ"السلطوية و التفرد بالرأي"، كما أنه ينفرط عقد جمع السياسيين والحزبيين واحدا تلو الآخر، كما حدث أخيرا مع حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب اللذين ساندا سعيد منذ الوهلة الأولى، لكنهما تراجعا بعد أشهر لأسباب مختلفة.

ويرى مراقبون للشأن العام التونسي أن ضبابية المشهد تزيد من قتامة الحالة العامة في البلاد شيئا فشيئا، فالرئيس يمارس صلاحيات واسعة عبر إصدار المراسيم، ومنها تسيير الحكومة، بينما توصف نجلاء بودن بأنها باتت تشغل منصب "وزير أول" لا رئيس حكومة.

مشهد غريب وحالة تونسية فريدة
 
من جهته يصف الوزير السابق والقيادي السابق في حزب حركة نداء تونس، خالد شوكات في تصريح خاص لـ"عربي21"، الوضع السياسي التونسي بأنه "غريب و فريد و معزول، فنحن في وضع عجيب وأستطيع القول بأنه وضع لم تعرف تونس مثله عبر تاريخها السياسي المديد.. وأهم مظاهر العجب والاستغراب قيام الرئيس سعيّد بعزل نفسه داخليا وخارجيا.. فداخليا هو مقاطع للنخب السياسية والمدنية، ويرفض الاعتراف بالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، ولا يتحدث مع أحد من قادة الأحزاب والمنظمات، أو المجتمع المدني".

وأضاف الوزير السابق: "لا أحد بمقدوره أن يعرف تكلفة هذه القطيعة التي لا تنسجم مع طبيعة العمل السياسي التي تتطلب الحوار والتوافق والبحث عن مشتركات ومخارج للأزمات".

 وعن عزلة سعيد الدولية، أضاف شوكات: "لا يحضر قمما إقليمية أو دولية ولا يذهب كما يفعل الرؤساء وزعماء الدول في زيارات خارجية لتمتين العلاقات والبحث عن آفاق للشراكات، خصوصا في ظل أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، نحن أمام حالة فريدة من نوعها في قيادة الدول، لا نظير لها في التاريخ أو الجغرافيا".

خارطة القوى وصراع النفوذ
 
من جهته، يقول القيادي السابق بحركة النهضة، و رئيس منتدى "آفاق جديدة" عبد الحميد الجلاصي لـ"عربي21" إن "الصراع في تونس اليوم هو صراع السياسة التي لا تملك وسائلها، فكل طرف من الأطراف الرئيسية يمتلك أوراقا لإرباك منافسيه و لكن لا أحد قادرا على الحسم".

ويستعرض رئيس منتدى "آفاق جديدة"، رؤيته للمشهد العام من خلال تصنيف لخارطة القوى المؤثرة وموارد قوتها وطبيعة رهاناتها.

 ويبدأ الجلاصي بتشخيص مكامن قوة الرئيس أولا، حيث يرى أن نقاط قوته نابعة من منصبه وبالتالي انصياع أجهزة الدولة له ودعم نسبة كبيرة من الرأي العام له، لكنه يراهن على المسك بكل السلطات دون امتلاك القدرة على حل مشكلات البلاد و رفضه القيام بخطوة إلى الوراء للتشارك مع من يعرضون خدماتهم للمساعدة، على حد تعبيره.

ويرى الجلاصي أن المرتبة الثانية في خارطة القوى المؤثرة تتصدرها حركة النهضة حيث قال: "مورد قوة النهضة من قاعدتها الصلبة التنظيمية و الانتخابية وهي الأفضل من غيرها بالمقارنة كما أنها تستمد قوتها من اعتبارها أحد عناصر الاستقرار في حسابات عدد من القوى المؤثرة، وبسبب دفاعها عن الشرعية الانتخابية، فقد حشرت في الزاوية في الأسابيع الأولى للانقلاب ثم استردت أنفاسها".

 وأضاف: "قيادة الحركة لا يبدو أنها تعلمت التواضع والبحث عن المشتركات، بل واصلت خطاب المغالبة و الهروب إلى الأمام و المساهمة في خدمة سعيد".

الجلاصي تناول رؤيته لمسار وسياسة الاتحاد العام التونسي للشغل، موضحا أنه "رغم قدرته على التعبئة و استثمار الصعوبات الاجتماعية والتقاطع مع أجندات خارجية، إلا أنه تورط في مساندة الانقلاب.. وخسر دوره كقوة مجمعة وهو يضغط لا من أن أجل تجاوز الانقلاب بل من أجل التخلص من نتائج انتخابات 2019".

وتحدث عبد الحميد الجلاصي عن "القوى الديمقراطية المبدئية" حيث يرى أن "قوتها في موقفها الأخلاقي، لكنها لا تملك تأثيرا كبيرا في موازين القوى، فهناك قوى أخرى صلبة في الدولة محكومة بالولاء للدولة وغير مستعدة للتدخل في العملية السياسية في السياقات الحالية".

 واعتبر الجلاصي أن القوى المؤثرة المتمثلة في  الأطراف الدولية "تراقب الأوضاع بانشغال وهي منزعجة من استدامة و تعقد الوضع التونسي و تعبر عن استغرابها من غياب الحد الأدنى من العقلانية بين الأطراف السياسية والاجتماعية".

الشارع و"شتاء النار"

ويتميز التاريخ السياسي التونسي المعاصر، بما بات يعرف محليا بـ"شتاء النار" أو "الشتاء الساخن" حيث باتت الفترة الفاصلة بين كانون الأول/ ديسمبر و كانون الثاني/ يناير، فترة يقرأ لها السياسيون والمسؤولون كثير حساب، حيث تكثر خلالها التحركات الشعبية و التظاهرات و الاحتجاجات المطالبة بالحقوق الاقتصادية والعمالية والاجتماعية.

وفي السياق ذاته، نبه الوزير السابق خالد شوكات من "اتساع دائرة الغاضبين والمعارضين التي ستقود إلى نهاية مؤسفة للرئيس سعيّد الذي ما زال يعتقد أنه يحظى بشعبية عريضة، لكن الشعبية العريضة ستتآكل كلما استفحلت الأزمة وتعددت جبهات الاحتجاج مناطقيا وشعبيا".

ومن جانبه يقول السياسي عبد الحميد الجلاصي إن "الشارع لا يزال مسكونا بالنفور من أوضاع ما قبل 24 تموز/ يوليو.. لكن حيرته من تدهور الأوضاع في تزايد، وقد يكون الشارع الاجتماعي هو العامل المحرك لمعادلة توازن القوى، ولكني أستبعد أن يفضي حراكه إلى توافق بين القوى السياسية و الاجتماعية و أرجح أن يفضي إلى حالة متقدمة من المواجهات و عدم الاستقرار و إلى محفز لحل من خارج الصندوق".