الأحد 24 تشرين الثاني 2024

مجموعة الأزمات الدولية: تحولات لافتة تغير خريطة الصراعات في الشرق الأوسط

يشعر أي شخص، كان يأمل في أن يجلب رحيل الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" ولقاحات "كوفيد-19" هدوءا عالميا، باليأس حين ينظر إلى ما مضى من العام حتى الآن.

وجاء الانقلاب والقمع الوحشي في ميانمار أولا فيما تستمر الحرب القاسية التي تشنها إثيوبيا في منطقة تيجراي الشمالية. ويلوح في الأفق ما يمكن أن يكون أسوأ قتال في أفغانستان منذ أعوام، مع تنامي مكاسب طالبان وانسحاب القوات الأمريكية.

كما اندلعت جولة جديدة من الصدام المسلح بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية؛ حيث أطلقت حماس آلاف الصواريخ باتجاه المدن المحتلة فيما انتشرت المشاهد المروعة من الدمار في غزة، فضلا عن مئات القتلى من الجانب الفلسطيني، من بينهم عشرات الأطفال، كما قفز إلى الواجهة نزاع عرقي في مدن الداخل الإسرائيلي.

وتعد الاحتجاجات الدموية في كولومبيا مقلقة في حد ذاتها، ويمكن اعتبارها نذيرا لما يمكن أن يحدث في أماكن أخرى إذا لم يتم طرح اللقاحات قريبا. ولا تتعلق الاضطرابات في المقام الأول بفيروس كورونا، ولكن الوباء ساعد على اشتعال الغضب الذي أخرج الناس إلى الشوارع.

ولا تبدو سياسات القوى العظمى أقل كآبة. وفي حين رأى الكثيرون في إدارة الرئيس الأمريكي الجديد "جو بايدن" تحولا مرحبا به في اللهجة وتحسين العلاقات الخارجية للولايات المتحدة لكن، حتى الآن على الأقل، لم يضع "بايدن" حدا لاستمرارية العلاقات المشحونة مع الصين وروسيا. ويهدد العداء بين أقوى دول العالم بالتأثير على الجهود متعددة الأطراف لإدارة الأزمات.


ومع ذلك، توجد نقاط مضيئة في أماكن ربما تكون غير متوقعة. وتشير موجة من الدبلوماسية الأخيرة إلى جهود جارية لإصلاح الخصومات التي أججت الحروب العربية على مدى العقد الماضي.

وأول هذه المنافسات بين السعودية والإمارات ومصر ضد قطر وتركيا. وأدت هذه الخصومة إلى الاستقطاب في السياسات العربية، وألقت بظلال واسعة على شمال أفريقيا، وقسمت المعارضة السورية لأعوام، وبرزت حتى في القرن الأفريقي، ما أدى بشكل خاص إلى تفاقم الانقسامات بين الفصائل الصومالية. وفي عام 2017، وصل الأمر ذروته حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر وحاصرتها.

أما العداء الثاني كان بين إيران والسعودية، وهو بالتأكيد ليس صراعا جديدا. فقد تنافست الرياض وطهران عبر العالم الإسلامي منذ عقود. لكن حرب العراق عام 2003 والثورات العربية عام 2011  فتحت ساحات صراع جديدة. 

واليوم، تظهر بوادر التقارب على عدة جبهات.

وجاءت الأولى عبر تراجع أزمة مجلس التعاون الخليجي في يناير/كانون الثاني. ويبدو أن الرياض قررت أن الوقت حان لإنهاء هذه الأزمة، بالرغم من تردد الإمارات، حيث لم يعد مثل هذا الانقسام الحاد يخدم مصالح الرياض، خاصة وأن قطر لم تظهر أي علامة على الرضوخ لمطالب دول الحصار في حين رحلت إدارة "ترامب" التي دعمت هذا الانقسام. وقد يكون الوباء وخسائره الاقتصادية، إلى جانب انخفاض أسعار النفط، عوامل أخرى كانت في أذهان السعودية أيضا حين اتخذوا القرار.

وبعد ذلك كانت هناك مبادرات بين المسؤولين الأتراك والمصريين. وكان الدافع وراء ذلك جزئيا هو اتفاق السلام في ليبيا التي كانت مكانا للصراع بالوكالة بين أنقرة والقاهرة. وأدى التدخل العسكري التركي خلال العام الماضي دعما للحكومة الليبية إلى قلب مجرى الحرب وطرد القوات الموالية لـ"خليفة حفتر" من مواقعها حول العاصمة طرابلس.

وقد أرسل ذلك برسالة إلى القاهرة، التي دعمت مع الإمارات "حفتر"، أن رجلها لا يمكن أن ينتصر عسكريا. واختارت تركيا عدم الضغط أكثر، خاصة مع تهديد مصر بالتدخل عسكريا إذا تقدمت القوات المدعومة من تركيا بسرعة كبيرة في الشرق. ومن قلب هذا المأزق، خرجت حكومة وحدة وطنية. وإذا تمكنت الفصائل الليبية الآن من الاتفاق على مسار الانتخابات، فيمكنها طي صفحة أعوام من الانقسام.

وربما لعبت عزلة أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط دورا أيضا، حيث أبرمت مصر وإسرائيل واليونان وقبرص، بدعم من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، صفقات للتنقيب عن الغاز، ما أدى إلى تهميش تركيا. وربما شعر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أنه كان يواجه الكثير من الأعداء في وقت واحد، ما دفع أنقرة إلى التواصل مع القاهرة.


وحتى الآن، كانت مصر أكثر برودة، على الأقل في العلن. ولطالما شكّلت خصومة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لجماعة "الإخوان المسلمون" في الداخل عمله في الخارج، بالرغم أن التحركات الأخيرة في ليبيا وغزة (حيث توسطت القاهرة في وقف إطلاق النار الأخير بين حماس وإسرائيل) قد تشير إلى براجماتية أكبر.

وبحسب ما ورد طلبت القاهرة من أنقرة ترحيل المعارضين المصريين من تركيا، وهو ما رفضته تركيا. وسيكون من الصعب أيضا تجاوز العلاقة الشخصية السيئة بين "أردوغان" و"السيسي". ومع ذلك، فإن تخفيض أنقرة للخطاب المناهض لـ"السيسي" في وسائل الإعلام المصرية المعارضة في تركيا يعد علامة على ما قد يأتي لاحقا.

كما أن علاقات أنقرة بالرياض آخذة في الذوبان. وتحدث "أردوغان" مع العاهل السعودي الملك "سلمان"، والتقى وزير الخارجية التركي مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في وقت سابق من هذا الشهر. ويصف المسؤولون الأتراك الحوار بأنه خطوة نحو إصلاح العلاقات التي كانت متوترة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية بإسطنبول.

وقد تكون آفاق أنقرة مع السعودية أفضل منها مع مصر. ولم تنظر الرياض أبدا إلى جماعة "الإخوان المسلمون" على أنها التهديد الذي يتصوره الإماراتيون والمصريون، ولم تخف كثيرا من دعم تركيا وقطر للجماعة. وتعتبر التجارة بين البلدين حافزا آخر لتنحية التوترات جانبا.

وفضلا عن ذلك، فقد بدأ حوار بين قطر والإمارات. وظهرت تقارير مؤخرا عن اجتماعات بين الجانبين ما يشير إلى تحول ملحوظ بالنظر إلى أن أبوظبي لعبت الدور الأكبر في مقاطعة دول مجلس التعاون الخليجي لقطر. وقال وزير الخارجية القطري إن هناك "رؤية إيجابية" للتغلب على الخلافات.

وأخيرا، وربما الأكثر لفتا للانتباه، التقى الدبلوماسيون السعوديون بنظرائهم الإيرانيين. ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" استضاف ممثلي البلدين أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة لإجراء مناقشات حول اليمن وغيرها من الملفات ذات الاهتمام المشترك. وتأتي خطوات بغداد بدافع المصلحة الذاتية حيث أن العراق سيخسر من أي تصعيد إضافي بين البلدين ذوي الثقل في المنطقة. وبحسب ما ورد، يجري العمل على المزيد من الاجتماعات.

ما الذي يحفز كل هذه الدبلوماسية؟

لا يقتصر السبب على تركيز واشنطن المعلن على آسيا والرسالة الضمنية التي مفادها أن الحلفاء من دول الخليج العربية يجب أن يلعبوا دورا أكبر في الدفاع عن أنفسهم. فبعد كل شيء، لم تؤد إشارات مماثلة من "أوباما" إلى إعادة التفكير في التكيف بل إلى تصعيد العنف، حيث تدخلت قوى الشرق الأوسط بقوة في الصراعات في جميع أنحاء المنطقة. وقد تتسبب التصورات بأن الولايات المتحدة تولي اهتماما أقل بالمنطقة في إشعال حرب بنفس سهولة صنع السلام.

ومن الواضح أن الرياض، وإلى حد ما أبوظبي، لن يحظيا بنفس المستوى من الاحترام من "بايدن" الذي بدا أنهما يستمتعان به من سلفه. وفي الوقت نفسه، تتطلع واشنطن إلى العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني وتقليل العلاقات العدائية مع طهران. ويأتي هذا التغيير في المسار جنبا إلى جنب مع التحولات الأخرى في المنطقة حيث بدأت علامات التعب تظهر على كافة الأطراف التي باتت تعترف بخطورة المنافسة الصفرية.

ويشعر السعوديون على وجه الخصوص بمأزق لإيجاد طريقة لحفظ ماء الوجه للخروج من المستنقع اليمني. ولا تعد الحرب ضد الحوثيين خاسرة فقط؛ بل تولد إلى جانب مقتل "خاشقجي" غضبا تجاه المملكة في واشنطن، التي تأثرت سمعتها بسبب دعمها للرياض في حرب اليمن.

وتدرك السعودية وحلفاؤها الآن أن حملة "أقصى ضغط" التي أطلقها "ترامب" ضد إيران أدت إلى نتائج عكسية. ففي الوقت الذي كانوا يصفقون له، كانت إيران تكتسب مزيدا من النفوذ في المنطقة.

وإذا عادت الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي، فإن الرياض تخشى من الإيرادات الإضافية التي ستحصل عليها طهران مما يؤدي إلى تعاظم نفوذها. وحتى إذا انهارت المحادثات النووية، فإن الرياض تتوقع رد فعل سلبي، هذه المرة بسبب الغضب الإيراني.

ويبدو أن الدبلوماسية مع طهران تهدف جزئيا إلى تحييد تلك الآثار السلبية. وفي ذات الوقت، مدت الرياض يدها إلى تركيا للتحوط ضد إيران. ومن جانبها، فإن أنقرة (التي كانت تقليديا أكثر ودية من الرياض تجاه طهران) قلقة أيضا من إلقاء إيران المزيد من ثقلها حولها، خاصة مع الأنباء عن مساعدة الميليشيات العراقية المدعومة من إيران لحزب العمال الكردستاني، العدو اللدود لأنقرة.

ولا نزال في الأيام الأولى من تلك المبادرات بالطبع، ومن المرجح أن تسوء أمور كثيرة. وتتجه حرب اليمن من سيء إلى أسوأ رغم اللقاءات الإيرانية السعودية. وحتى لو قبلت طهران باتفاق ما، فليس من الواضح على الإطلاق أنها قادرة على كبح جماح الحوثيين، الذين لهم اليد العليا عسكريا على الأرض. وربما يتحدث السعوديون مع إيران، لكنهم لا يقبلون علاقات طهران بالميليشيات الموالية لها في جميع أنحاء العالم العربي والتي تعتبرها إيران جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتها الدفاعية الأمامية.

وداخل مجلس التعاون الخليجي، لا تزال العلاقات الإماراتية مع قطر متوترة. أما بالنسبة لأنقرة، فقد تكون راغبة في إجراء محادثات اليوم، لكنه، (على عكس الرياض) ترى مبادراتها العسكرية الأخيرة في الخارج، في ليبيا وسوريا وناغورني قره باغ، على أنها نجاحات. وهذه ليست وصفة مناسبة للوصول إلى حلول وسط. بعبارة أخرى، يمكن أن تكون التحركات الدبلوماسية متنفسا أكثر من كونها بداية لنهاية الاضطرابات الإقليمية.

ومع ذلك، فإن الأمل الضعيف يعتبر أخبارا جيدة، نظرا للدمار الذي أحدثته تلك الخصومات على مدار العقد الماضي. وبينما سيتعين على القوى الإقليمية قيادة المزيد من الجهود لتحقيق المصالحة، يمكن للأطراف الخارجية المساعدة. ولأعوام، فكر الدبلوماسيون الأوروبيون، على سبيل المثال، في كيفية هيكلة شكل من أشكال الحوار الإقليمي في الخليج ولكن تم تعليق هذه الجهود إلى حد كبير خلال إدارة "ترامب". والآن قد يكون الوقت مناسبا لاستئناف تلك الجهود.
المصدر | ريتشارد أتوود - مجموعة الأزمات الدولية -