الأحد 24 تشرين الثاني 2024

ماذا يمكن لجنوب إفريقيا أن تعلم القادة عن المرونة؟

ماذا يمكن لجنوب إفريقيا أن تعلم القادة عن المرونة؟
جون لويز
وجدت دراسة أجرتها مؤسسة "التحالف العالمي للتعليم الإداري” -الذي تشارك كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة كيب تاون في عضويته- أنه لم يعد كافياً لقادة الأعمال في العالم التركيز على النتائج النهائية فحسب، أو الاعتماد على المهارات التقنية؛ حيث تعتبر المهارات البشرية في المرونة والتعاطف والذكاء المعرفي والقدرة على التواصل عوامل أساسية للبقاء والاستمرارية في الوضع "الطبيعي” الجديد الذي يعيشه العالم.
ومن بين هذه المهارات، تضاعفت أهمية المرونة كثيراً منذ بداية الجائحة. والمرونة هي مهارة ليس من السهل تعلمها وتطويرها؛ وهي في الأساس القدرة على التعافي السريع من الاضطرابات، والقدرة على إعادة ابتكار نفسك وعملك وحتى جوهر نموذجك في الأوقات الصعبة، وأن تفعل ذلك مراراً إذا اقتضى الأمر.
ويمكن لقادة العالم أن يتبعوا مثال جنوب إفريقيا من أجل تطوير مرونتهم.
غالباً ما تظهر مفارقات جنوب إفريقيا بشكلٍ أوضح في العاصمة كيب تاون؛ بسببِ جمالها الاستثنائي الذي يبدو أنه يضخم في الوقت ظاهرة انعدام المساواة في البلاد، فالرحلة من المطار إلى موقع جامعة كيب تاون المذهل تكشف عن تشابه واقع ممارسة الأعمال في جنوب إفريقيا مع معظم دول العالم، وهذه المفارقات موجودة في العديد، إن لم تكن في معظم، الأسواق النامية والناشئة.
تتمتع مدينة كيب تاون بجمال استثنائي- "ذا تيليغراف”
يعيش ما يزيد قليلاً على مليار شخص في اقتصاداتٍ متقدمة، بينما يعيش أكثر من ستة مليارات في اقتصادات نامية. وحدود الأسواق الجديدة تقع في مناطق المليارات الستة. قبل بضع سنوات كتب كومباتور برالاد (مختص في استراتيجيات الشركات والمجتمعات وأستاذ استراتيجيات الشركات في جامعة ميتشيغان- المترجم) عن الثروة في قاعدة الهرم. وعلى الرغم من صعوبة إدراك هذا الأمر؛ فإنه قد أطلق العنان للاعتراف بالقدرات الهائلة على المغامرة وبالقوة الشرائية الكبيرة لهذه المليارات من البشر وأحدث ثورة في كيفية ممارسة الأعمال في هذه البيئات.

غالباً ما تكون هذه الأسواق الناشئة أقل تشبعاً ومنافسة؛ ولكنها بحاجة إلى فهمٍ أعمق للتحديات التي يواجهها المستهلكون وللقيود المؤسساتية التي تتطلب حلولاً مبتكرة. إن فرصة الدراسة أو العيش أو العمل في هذه البيئات هي تجربة لا مثيل لها للقادة؛ حيث يتمكنون من بناء مستوى عالٍ من المرونة في عالم أصبح التنبؤ بمستقبله أكثر صعوبة بسبب الجائحة الأخيرة.
تغيير القواعد في منتصف اللعبة
ويرجع ذلك إلى أن ممارسة الأعمال في الأسواق الناشئة مثل جنوب إفريقيا يستلزم العمل في بيئاتٍ تتغير قواعدها باستمرار. ويجب على قادة الأعمال أن يتحلوا بالرشاقة والمرونة الكافية للتأقلم. وقادة الأعمال في جنوب إفريقيا يعرفون جيداً كيف يفعلون ذلك؛ لأنهم اضطروا إلى فعله مراراً وتكراراً.
إذا سألت طلاب إدارة الأعمال ممن يعيشون في اقتصاداتٍ متقدمة في ما إذا كانوا يرغبون في ضوابط حكومية أكثر أو أقل، فالجواب بالتأكيد سيكون أنهم يرغبون في الأقل. بينما لو سألت مَن يعيشون في اقتصادات ناشئة فسيكون جوابهم "حسناً إن الأمر يتوقف على أمور عديدة”، وسيقولون إنهم يريدون المزيد من الضوابط في بعض النواحي، والقليل منها في نواحٍ أخرى. وسبب ذلك هو أن الأنظمة والبيئات المؤسساتية في هذه الدول غالباً ما تكون غير شفافة ويصعب توقعها.

قادة الأعمال في جنوب إفريقيا يفكرون بشأن التعافي في مرحلة ما بعد الجائحة- "بلومبيرغ”
الآن أصبحت فكرة التقلبات جزءاً من الوضع "الطبيعي” الجديد. وقد عملت الشركات في الاقتصادات الناشئة، مثل جنوب إفريقيا، في مثل هذه الأوساط على مدى سنوات طويلة. خذ مثلاً مسألة تعتبر مفروغاً منها في الأسواق المتقدمة، سعر الصرف الذي يعتبر أمراً واضحاً ويمكن التنبؤ به إلى حدٍّ كبير. بينما في الأسواق الناشئة يمكن لسعر الصرف أن ينخفض بنسبة 50% ويجب على الأعمال أن تتأقلم. ولذلك، فإن قيادة الأعمال في هذه الأسواق تتطلب مستوى من المرونة لا يوجد في أي مكان آخر.
ترابط الأعمال والحكومة والمجتمع
في بيئةٍ مثل بيئة جنوب إفريقيا التي تتميز بدرجةٍ عالية من عدم المساواة والازدواجية الاقتصادية، يوجد اعتراف بأن مفهوم "الوضع الطبيعي” هو أمر غير ممكن أو غير مرغوب فيه. يعتبر الترابط بين قطاع الأعمال والحكومة والمجتمع أمراً في غاية الأهمية بالنسبة إلى الاقتصاد السياسي واسع النطاق. فعلى سبيل المثال، فإن قطاع الأعمال في جنوب إفريقيا متقدم جداً من ناحية الاعتراف بأن المساهمين ليسوا سوى جزء من مجموعة أوسع من أصحاب العلاقة الذين تكون الأعمال مسؤولة أمامهم.
علاوة على ذلك، فعندما تغيب قدرة الدولة في منطقةٍ معينة يتقدم قطاع الأعمال ليملأ الفراغ. وفي المناطق المحرومة اقتصادياً؛ حيث تكون الشركات هي رب العمل الوحيد (كما هي الحال في شركات التعدين والمناجم في المناطق النائية)، وحيث قد لا تكون الدولة قادرة على توفير السكن والمدارس والعناية الصحية اللائقة، يجب على الشكات أن تتحمل مسؤوليات قد لا تكون موجودة في مناطق أخرى.
تستفيد العديد من المجتمعات المحلية في جنوب إفريقيا من تحمل الشركات مسؤولياتها الاجتماعية- أرشيف

في ذروة انتشار وباء الإيدز في جنوب إفريقيا على سبيل المثال، حيث كانت الحكومة مترددة في تقديم العلاجات المضادة للفيروسات العكوسة، قامت العديد من الشركات الكبرى بالمبادرة لتقديم العلاج لموظفيها. كما أن المجتمعات المحلية، ومؤسسات المجتمع المدني، لديها توقعات كبيرة من الشركات العاملة في أوساطها، ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن تنخرط الشركات بشكل كبير في النسيج الاجتماعي. وقد قال العديد من طلاب إدارة الأعمال الدارسين في جامعة كيب تاون ممن جاؤوا من اقتصادات متقدمة إنهم لا يريدون أبداً القيام "بالعمل كالمعتاد” حتى عندما يكون ذلك ممكناً.
نموذج للأعمال في المستقبل
هنالك قول مأثور عن نيويورك مفاده أنك إذا نجحت في نيويورك فبإمكانك أن تنجح في أي مكان آخر. ومع احترامي لأصحاب هذا الرأي فأنا أقول: "إذا نجحت في جنوب إفريقيا، فبإمكانك أن تنجح في أي مكان آخر”؛ لأنك ستكون قد تعرضت إلى كل ما يمكن أن يعترض سبيلك.
ويمكن أن تساعد دراسة تجارب جنوب إفريقيا قادة قطاع الأعمال في مختلف أنحاء العالم على زيادة وتطوير مرونتهم حتى لو لم يكن بإمكانهم العمل أو الدراسة هنا في الوقت الراهن. يمكنهم فهم الأسواق الناشئة وتعقيداتها، وأن يعكسوا ذلك على نماذج الأعمال المستقبلية، ويمكنهم تخيل الشكل الذي يجب أن تتبناه الأنظمة الرأسمالية التقليدية في عالم ما بعد "كوفيد-19″؛ كي تكون أكثر ارتباطاً بالمجتمع وتحملاً لمسؤولياتها تجاهه.
جون لويز: أستاذ إدارة الأعمال في جامعة كيب تاون، كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال، متخصص في استراتيجيات الأعمال الدولية.
المصدر: التحالف العالمي للتعليم الإداري