الأحد 24 تشرين الثاني 2024

ماذا وراء زيادة المساعدات الأميركية للجيش اللبناني؟

في الوقت الذي تركزت فيه أنظار العالم على اشتعال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أعلنت إدارة "بايدن" بهدوء زيادة بقيمة 15 مليون دولار في حزمة المساعدات السنوية للجيش اللبناني، وقد تساعد هذه الخطوة على الحفاظ على حد أدنى من الأمن في لبنان مع منع المزيد من التورط الأمريكي في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن تؤدي زيادة المساعدات للجيش اللبناني إلى الحفاظ على مستوى من النفوذ الأمريكي في لبنان في الوقت الذي تحاول دول متنافسة تكثيف دورها فيه.

ومع ذلك، فإن التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون ضد "حزب الله" اللبناني تطرح سؤالًا حول ما إذا كانت هذه المساعدات المتزايدة تأتي في إطار أجندة معادية لـ"حزب الله".
من المثير للاهتمام أن الإعلان عن زيادة المساعدات للجيش اللبناني تزامن مع خطاب من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس "جريجوري ميكس" وبعض المشرعين الديمقراطيين إلى وزير الخارجية "أنتوني بلينكين" للتأكيد على أن دعم لبنان أصبح ضرورة أمنية الآن.
وحذر الخطاب من أن المزيد من التدهور في البلاد يمكن أن يشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، كما حذر من تدهور الجيش اللبناني نتيجة للأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، وشدد على ضرورة زيادة المساعدة للجيش.
وجادل المشرعون الديمقراطيون بأن هذه الخطوة ضرورية لمنع الجماعات المسلحة غير الحكومية مثل "حزب الله" والميليشيات الأخرى من الاستفادة من الوضع. وفي الواقع، فإن هذه "الميليشيات الأخرى" التي أشار إليها الخطاب هي التي تشكل تهديدًا أمنيًا فعليًا للولايات المتحدة.
وبعد تعرض لبنان لأزمة اقتصادية غير مسبوقة شهدت تدهور العملة المحلية لمستويات قياسية وغياب شبه كامل للحكومة منذ ما يقرب من 10 أشهر، ناهيك عن آثار جائحة "كورونا" وانفجار مرفأ بيروت، أصبحت البلاد أرضًا مثالية لتكاثر "الميليشيات الأخرى"، مثل "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" التي تزدهر في مثل هذه الظروف.

وبالرغم أن لبنان لم يكن ضحية هجمات هذه الجماعات بنفس المستوى الذي شوهد في بلدان مثل سوريا والعراق، لكنه لم يسلم منها تمامًا. وخاض الجيش اللبناني نفسه معركة طويلة في عام 2007 امتدت لأشهر ضد تنظيم "فتح الإسلام" الذي يستلهم أفكاره من "القاعدة"، وتكبد الجيش خسائر كبيرة قبل هزيمة التنظيم.
كما أنشأ تنظيم "القاعدة" فرعا لنفسه في لبنان تحت اسم "كتائب عبد الله عزام" في عام 2009، وأعلنت هذه المجموعة مسؤوليتها عن تفجير انتحاري مزدوج استهدف السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وعن هجوم على المركز الثقافي الإيراني في بيروت في فبراير/شباط 2014.
وفي الوقت نفسه، انضم ما يقدر بنحو 900 مقاتل لبناني إلى صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" وغيره من التنظيمات المسلحة في سوريا.
وجاء اعتقال 18 من أعضاء "الدولة الإسلامية" في بلدة حدودية لبنانية مع سوريا من قبل الجيش اللبناني في فبراير/شباط الماضي كدلالة على أن هذه الجماعات ما زالت تشكل تهديدا للبلاد وقد تسعى إلى الاستفادة من وضعها المتدهور.
وبالتالي فإن إدراك هذه الخلفية، يجعل زيادة المساعدات للجيش اللبناني (الذي ينظر إليه كرمز للاستقرار في البلاد) خطوة حكيمة من إدارة "بايدن" ستساعد على منع إنزلاق لبنان إلى صراع معقد على غرار العراق أو أفغانستان.
ومع ذلك، فإن السؤال الكبير هو ما إذا كانت واشنطن تزيد من مساعداتها لمنع مثل هذا السيناريو أم إذا كان لديها هدف آخر يتمثل في استهداف "حزب الله".
وخلال لجنة استضافها معهد الشرق الأوسط بشأن العلاقات الأمنية والدفاعية اللبنانية الأمريكية، بدا أن مسؤولي البنتاجون يركزون على "حزب الله" باعتباره التهديد الأمني الرئيسي في لبنان. وذكرت نائبة مساعد وزير الدفاع للشرق الأوسط "دانا سترول" أن "الأنشطة الإرهابية وغير الشرعية لحزب الله تهدد الأمن والاستقرار والسيادة في لبنان".
وبالنظر إلى مثل هذه الآراء مع حقيقة أن واشنطن لديها تاريخ طويل من محاولة إضعاف "حزب الله"، فلا يمكن للمرء أن يستبعد احتمال أن زيادة المساعدات للجيش اللبناني جزء من خطة لاستخدام هذا الجيش ضد "حزب الله" (إن لم يكن هذا الآن فمستقبلًا).
(2))
وتتناقض خطوة زيادة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني مع نهج إدارة "ترامب" الذي تعامل مع لبنان كعدو متحالف مع إيران. وبما أن المؤسسة اللبنانية كانت معروفة تقليديا كحليف لأمريكا، فإن زيادة العلاقات مع الجيش تعمل على ضمان  حد أدنى من النفوذ الأمريكي في البلاد.
ومن المثير للاهتمام، أن إدارة "بايدن" اتخذت هذه الخطوة في وقت تحاول فيه القوى العظمى الأخرى مثل روسيا زيادة نفوذها في لبنان، فقد زار وفد من "حزب الله" موسكو في مارس/آذار الماضي وعقد اجتماعا معلنًا مع وزير الخارجية "سيرجي لافروف" ناقش فيه الجانبان الوضع في لبنان بما في ذلك الحاجة إلى تشكيل حكومة.
وفي الوقت نفسه، أجرى رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" محادثات مع كبار المسؤولين الروس في موسكو في أبريل/نيسان.
وأوصى خطاب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس بإنشاء مجموعة دولية لـ"أصدقاء لبنان"، وأن تشمل دولًا مثل فرنسا، حيث يساعد التنسيق مع فرنسا على الحفاظ على النفوذ الأمريكي في لبنان، خاصة أن الفرنسيين يحافظون على اتصالات مع "حزب الله"، الذي يعد أقوى لاعب في البلاد.
ولكن السياسة الأمريكية المستندة على شيطنة "حزب الله" لن تخدم هدف الولايات المتحدة بأن تصبح لاعبًا مؤثرًا في لبنان، فالحركة الشيعية هي أقوى لاعب في البلاد وقد ثبت أن استبعادها أو حتى تهميشها مستحيل.
وإذا كانت واشنطن تنوي بالفعل التنسيق مع فرنسا بخصوص الملف اللبناني، فسيكون من المهم لها أن تولي انتباهًا لنصيحة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" وتعتمد نهجًا أكثر واقعية في التعامل مع "حزب الله".
وفي حين أن زيادة المساعدات للجيش اللبناني لن تحل مشاكل لبنان، لكنها تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح شريطة ألا يكون هدفها الخفي هو تقويض "حزب الله"، فتركيز الاهتمام على الجماعة الشيعية لن يعمل إلا على تعزيز "الميليشيات الأخرى" التي تشكل خطرا أكبر بكثير على المصالح الأمريكية.
وربما يكون لدى واشنطن و"حزب الله" مصلحة مشتركة في منع صعود الجماعات الأخرى في البلاد.
وبالتالي سيكون من الحكمة أن تسعى واشنطن لمساعدة الجيش اللبناني لمنع صعود تهديد الجماعات الأخرى بأي طريقة ممكنة، بما في ذلك التعاون بين الجيش و"حزب الله".
ولا يعد مثل هذا السيناريو مستحيلا، بل إنه حدث في الواقع عندما كان تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" في ذروته في عام 2014.
وسيساعد تبني هذه السياسة الولايات المتحدة على تجنب الانجراف في أزمة أخرى في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه يسمح لها بأن تظل لاعبًا ذي صلة في واحدة من أكثر البلدان محورية في المنطقة.
المصدر | علي رزق | ريسبونسبل ستيتكرافت