النهارالاخباريه- وكالات
شعرت شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل باقي العالم، بالذهول والرعب أمام تطور أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، التي تابعتها ذاك عبر شاشات التلفزة، لكن فيما تصاعد الدخان من حطام البرجين التوأمين في نيويورك، واجهت دون غيرها رعباً فريداً من نوعه.
استنكرت الصحف الأميركية الهجوم، معتبرةً إياه "يوم عارٍ أبدي"، في تكرار لدعوة الرئيس الأميركي فرانكلين دي روزفلت إلى إعلان الحرب بعد الهجمات اليابانية على بيرل هاربر في 7 ديسمبر (كانون الأول) عام 1941. فوراً، تصاعد الخوف من أن يؤدي هجوم "القاعدة" إلى رد فعل عسكري هائل ومدمر للجيش الأميركي في الشرق الأوسط.
ومع انتشار أنباء الهجوم في بغداد، بدأ السكان بإخلاء المحال والطرقات، وملازمة بيوتهم. ويذكر أحد المواطنين العراقيين، الذي يسكن في العاصمة، "كنت في طريقي إلى المنزل، ولم يكن أي أحد يتحرك على الأرض. لم يكن في المكان سوى الدوريات الأمنية. كان الجميع يتوقع هجوماً في ثوانٍ".
كانت دواعي الخوف وجيهة. في غضون ساعات من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفي أثناء مساعدته الناجين من حطام البنتاغون، بدأ وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت، دونالد رمسفيلد، يحث معاونيه على إيجاد طرق لربط الهجمات التي خططها أسامة بن لادن، بالعراق، وآخرين، وفقاً للملاحظات التي دوّنها أحد مساعديه، وحصلت عليها شبكة "سي بي إس نيوز".
وتقتبس الملاحظات عنه قوله، "اعملوا على نطاق هائل. افتحوا كل الملفات. سواء أكانت لها علاقة بهذا الموضوع أم لا".
كان لقمان الفيلي، سفير العراق لدى ألمانيا في الوقت الحاضر، يعيش حينئذٍ في المنفى بالمملكة المتحدة، وشعر فوراً بأن يوم الحساب قد جاء. ويقول في إحدى المقابلات، "أعرف الأميركيين، وأعرف كيف تعمل أميركا، وما الذي يحدث إن عاكستموهم. رأيت بوضوح منذ البداية أن هذه اللحظة أشبه بلحظة بيرل هاربر. كانت لحظة الشرق الأوسط".
كان الأميركيون والمملكة المتحدة يقصفان العراق بانتظام أساساً منذ حرب الخليج الثانية في عام 1991، التي هدفت لمعاكسة ضم الرئيس صدام حسين للكويت. وشنت في عام 1998 حملة قصف استمرت أربعة أيام، وسميت "ثعلب الصحراء"، وقضت على معظم الدفاعات الجوية لصدام.
وجلب بوش المنتخب حديثاً معه مجموعة من الصقور الطموحين والمتجذرين في السياسة الخارجية في واشنطن والمهووسين بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وقد وجدوا في العراق المكان المناسب لتطبيق رؤيتهم. وكما قال المؤرخ المرموق لشؤون وثقافة الحرب، جون دبليو داور، أثناء محاضرة له في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، "أصبحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بيرل هاربر التي كانت تلك المجموعة تبحث عنها، التي تسمح لنا بالتحرك ضد العراق".
وخلال الأشهر الثمانية عشر التي فصلت بين الحادي عشر من سبتمبر والغزو والاحتلال الأميركي الكارثي في عام 2003، ازداد الخوف، فيما قدم صانعو السياسة الأميركيون حججهم الصعبة والمضطربة أمام العالم في محاولة لربط صدام بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وبتخزين أسلحة الدمار الشامل في السر.
حث الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي شغل منصب ضابط أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، الرئيس جورج دبليو بوش، على الابتعاد عن هذا المسار. وتوقع الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أن "يشرع (الغزو الأميركي) أبواب الجحيم". ومن جهته، حذر المستشار الألماني، غيرهارد شرودر، من أن الحرب "ستؤدي إلى وفاة آلاف الأطفال والنساء والرجال البريئين".
تضاعفت آثار الغزو السريع والعنيف الاسم "الصدمة والترويع" بفعل النتائج الكارثية التي تبعته. حاول الأميركيون أن يحتلوا ويديروا أمة يجهلون كل شيء عنها تقريباً، وبأرخص الأثمان. استمرت عمليات النهب أسابيع طويلة. واشتعلت النيران. وتفككت الدولة العراقية بأكملها، قبل أن تنهار كلياً بعد أن حل الحاكم الأميركي في العراق بول بريمر الجيش العراقي، تلك المؤسسة ذات العيوب الكثيرة التي كانت مع ذلك تحافظ على تماسك الأمة.
ويقول الفيلي الذي شغل كذلك منصب مبعوث بغداد إلى واشنطن والتقى كبار المسؤولين الأميركيين والعراقيين على امتداد الأعوام العشرين الماضية، "هناك إدراك راسخ بأن الموضوع أدير بشكل سيئ. قد لا تكون عبارة "متهور" مناسبة، ولكنه لم يكن محسوباً جيداً. لم يدرس الأميركيون الموضوع جيداً ودفع العراقيون ثمن ذلك".
لم يعثر على أي أسلحة دمار شامل. اعترف بوش في النهاية في عام 2006 بأن صدام لم تكن له أي علاقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولم يقدم مساعدوه أي حجة مقنعة بوجود علاقات عملية تربطه بـ"القاعدة"، لكن بحلول ذلك الوقت، كان العراق قد أصبح نقطة جذب لـ"القاعدة"، مع نمو حركة التمرد فيه، بالإضافة إلى الحرب الأهلية الطائفية.
ألهم غزو الغرب لأرض عربية "الجهاديين" من كل أصقاع العالم، كما العراقيين الغاضبين، أن يحملوا السلاح بوجه محتل يحتمي وراء حصون من الجدران المضادة للشظايا والأسلاك الشائكة. وبسبب عدم الكفاءة وسوء الإدارة، أصبحت بعض المناطق متفلتة من السلطة، مما أتاح المجال أمام ازدهار المجموعات المتطرفة، ولا سيما بعد أن أدى انهيار سيطرة الحكومة في مناطق الشمال السوري المجاورة إلى ظهور مجموعة متفرعة عن "القاعدة" هي "داعش"، مما حفز نشوب حرب جديدة في العراق.
كلفت الحرب غير الشرعية وسيئة التنظيم التي شنت رداً على هجوم "القاعدة" عشرات آلاف الأرواح، وزادت للمفارقة المأساوية، نسبة المجندين المحتملين الذين قد ينضمون إلى تنظيم "القاعدة" وأشباهه، كما المساحات التي قد يكبر فيها.
قلة من العراقيين تهتم الآن بذكرى الحادي عشر من سبتمبر، وهذا يعكس لا مبالاة تصل إلى حد الحقد في شأن إحياء الذكرى في الشرق الأوسط والعالم العربي. فالهموم الكبيرة في بغداد هي تأمين ما يكفي من الطاقة الكهربائية والمياه، إلى جانب زيادة العمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة بما فيها هجوم خلف 13 قتيلاً على مقربة من مدينة كركوك الشمالية يشتبه بأن "داعش" يقف وراءه.
وتقول هبة فهد (34 عاماً)، الوالدة لأربعة أطفال "كل ما يمكنني قوله هو أنه في 11 سبتمبر 2001، كنا نعيش بأمان وسلام أكثر بكثير من اليوم".