النهار الاخباريه- وكالات
فيما كانت أنطونيا أناستاسوبولو، البالغة من العمر 60 سنة، تحدق من منزلها إلى الأشجار المشتعلة عبر الشارع، أخذت تتحدث عن الأطفال الذين لن يعود بإمكانهم المجيء لزيارة غابة بارنيثا خلال عطلات نهاية الأسبوع، كما درجت العادة لدى كثيرين من سكان العاصمة اليونانية أثينا.
وأضافت أنطونيا "كانت هذه الغابة بمثابة رئة أوكسجين أثينا. لكن بعد الانتشار السريع للحريق، تحول كل شيء إلى رماد".
ولا تزال عشرات الحرائق بعد أربعة أيام من اندلاع أول حريقٍ في أثينا، مستعرة في أنحاء مختلفة من البلاد، وما زالت تهدد القرى وآلاف الفدادين من الأراضي الزراعية والمناطق السياحية مثل إيفيا وجيثيو، إضافة إلى مجموعة من المواقع الأثرية مثل أولمبيا القديمة.
وتقول أناستاسوبولو بحسرة بعدما أجهشت بالبكاء وهي تتوسط حديقتها، إن الوضع بات يبدو و"كأننا نحن أيضاً على شفير الموت". لقد أتينا إلى هذه المنطقة كي نكون على مسافة قريبة من الغابة. والآن لا أدري كيف سيمكننا مواصلة العيش هنا؟".
هذه المرأة وآلاف من اليونانيين وأبناء دول جنوب أوروبا، باتوا يدركون شيئاً فشيئاً أنهم أصبحوا لاجئين بيئيين. فأزمة حرائق منفلتة العقال اندلعت في الغابات الأسبوع الماضي، واجتاحت دول المنطقة، بما فيها تركيا ومقدونيا الشمالية وبلغاريا وإيطاليا وألبانيا. واحترقت إلى الآن آلاف المنازل والشركات في المنطقة.
الحكومة اليونانية من جانبها، تلقي باللوم على مفتعلي الحرائق، وعلى موجة الحر الطويلة التي سادت في البلاد، بحيث بلغت درجات الحرارة 46 درجة مئوية، واستمرت على هذا النحو أكثر من 10 أيام. وقد توقع رئيس الوزراء اليوناني يوم الخميس الفائت، خلال مكالمة تلفزيونية، أن تتفاقم الأمور وتزداد سوءاً.
وعملت العبارات ما بين ليل الجمعة حتى يوم السبت، على إجلاء 1153 شخصاً من إحدى القرى الساحلية ومن شواطئ جزيرة إيفيا، وذلك بعدما أحاطت بها ألسنة اللهب وقطعت عن سكانها أي طريق للنجاة.
منتقدو الحكومة يأخذون عليها أنها لم تقم بما يلزم على مستوى الاستعداد والجهوزية لمواجهة حرائق الغابات، التي أصبحت ظاهرةً متكررة خلال فصل الصيف في المنطقة. فمنذ وقوع الأزمة الاقتصادية في عام 2008 اعتمدت أثينا سياسات تقشف، الأمر الذي انعكس سلباً على إدارة الإطفاء في البلاد التي عانت من نقص في عدد الموظفين، كما في المعدات. وفي الوقت نفسه، كانت مستويات الصيانة المعتمدة في مناطق الحماية من الحرائق سيئة للغاية.
ويرى علماء أنه يتعين على السلطات الرسمية المسؤولة ليس فقط في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، بل على مستوى العالم بأكمله، الاستعداد لظواهر مناخية قاسية وحادة. فمع ارتفاع متوسط معدلات الحرارة بنحو درجة مئوية واحدة فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، تزداد احتمالات حدوث مثل هذه الاضطرابات المناخية الشديدة.
ويوضح ديميتريس لالاس الأستاذ الفخري في علم الأرصاد الجوية في "جامعة أثينا" الذي مثل اليونان في المفاوضات الدولية لتغير المناخ، على مدى أكثر من 25 عاماً، أن "جميع النماذج تشير إلى أنها ستكون هناك زيادة أخرى (إضافية) بمقدار درجة مئوية واحدة في متوسط معدلات الحرارة بحلول السنة 2040 إلى السنة 2042 (إذا لم نقم بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري)".
ويوضح لالاس أن "منطقة جنوب أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط كانت دائماً عرضة لحرائق الغابات"، مشيراً إلى أن "الغابات لديها القدرة على التعافي لو كانت هذه الحرائق تحدث كل 20 إلى 25 عاماً. لكن توازن النظام البيئي (في الفترة الراهنة، ومع تزايد وتيرة الحرائق التي تلتهم الغابات) اختل، وربما لن يكون ممكناً إصلاح الضرر".
وإضافةً إلى ارتفاع درجات الحرارة، يتوقع العلماء أيضاً حدوث تراجع في معدلات هطول الأمطار في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.
ويرى البروفيسور لالاس أن "من المستبعد جداً أن نصل إلى أهدافنا (في ما يتعلق بخفض الانبعاثات الحرارية) المحددة للسنة 2030، لكن لا يمكننا الاستسلام. ولا يزال بإمكاننا حتى اليوم القيام بكثير من الأمور لتحقيق ذلك. فينبغي أن نواصل العمل على تخفيض نسبة انبعاثات الغازات الناجمة من الاحتباس الحراري، وعلى تطوير خطط الوقاية في الوقت نفسه. وعلى الحكومات المحلية أن تكون في أعلى درجات جهوزيتها واستعداداتها لمواجهة الظواهر المناخية الحادة، وأن توظف أيضاً أشخاصاً تهتم برعاية الغابات وحمايتها، من خلال إزالة الأغصان الجافة. ولم يُبادر حتى الساعة القيام إلى أي من هذا القبيل".
وتسود حالة من الغضب في اليونان، مع تواصل اشتعال الحرائق في مناطق عدة لليوم الخامس على التوالي.
أنطونيا أناستاسوبولو تعتبر أن "الحكومة هي المسؤولة، لأنها لم تقم بتوظيف رجال إطفاء في العامين الماضيين. فقد اكتفت بالاستعانة بعناصر الشرطة فقط". وتضيف، "في منطقتي، شاهدتُ أفراداً من الشرطة ولم أرَ رجال إطفاء. لم أبصر أي عربة إطفاء في الجوار".
كوستاس كارتاليس أستاذ مادة الفيزياء البيئية في "جامعة أثينا"، دعا السكان المقيمين في مناطق حرائق الغابات إلى توقع حدوث مزيد منها في المستقبل.
ويقول كارتاليس، إن "منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هي أكثر عرضةً لتبدل المناخ، شأنها شأن مناطق أخرى كأميركا الشمالية. أما السبب في ذلك فيعود أساساً إلى وجود اختلاف في أنظمة دوران الغلاف الجوي، ولأن سطح البحر يتعرض للسخونة هو الآخر، فيتسبب في مشكلات على صعيد توازن المناخ. ومن شأن الظواهر المناخية الشديدة (في مثل هذه الحال، موجات الحر الصيفية) أن تحدث ضغطاً قوياً للغاية على بيئة الغابات بمجملها".
ويرى البروفيسور كارتاليس أن أزمة المناخ هي مشكلة عالمية. بالتالي، على الدول في جميع أنحاء العالم، أن تتعاون من أجل إبطاء وتيرة الاحتباس الحراري. ويقول في هذا الإطار، "إن مواجهة أزمة المناخ إنما تشبه طريقة التعامل مع أزمة جائحة "كوفيد – 19"، إذ ما زالت عمليةً بطيئة الخطى".
وخلص إلى القول "إن الأزمتين عالميتان، على الرغم من تباينهما بالطبع، لكن كلاهما يلزمان العالم المتقدم بأن يعي خطورتهما ويتنبه لهما. ويقتضي الأمر نوعاً مختلفاً من
ألتعاون الجيو سياسي والتضامن بين الدول. وإلا فلن يتم التوصل إلى حل