الأحد 24 تشرين الثاني 2024

رئيسي بين "تنفيذ" المرشد ومظلومية روحانيr



في غالبية أنظمة الحكم الديمقراطية، فإن شرعية رئيس الجمهورية تبدأ مع أداء اليمين الدستورية أمام النواب بما أنهم ممثلون للشعب الذي انتخب الرئيس إما مباشرة وإما بشكل غير مباشر، ليكسب شرعية توليه السلطة والقيادة والحكم. وهناك حالات في انقلابات عسكرية لجأت إلى فترات انتقالية عُطِّل فيها البرلمان، أدى الرؤساء بعد إجراء انتخابات اليمين الدستورية أمام أعلى سلطة قضائية لإضفاء الشرعية القانونية على سلطاتهم.
أما في إيران، فإن شرعية رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب، وعلى الرغم من أن الشعب هو مصدر السلطة والشرعية، فإن الرئيس لا يكتسب شرعية مباشرة سلطته ومهماته من خلال أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان وممثلي الشعب.
فبناءً على الدستور الإيراني خصوصاً المادة 110 التي تتحدث عن صلاحيات الولي الفقيه، على رئيس الجمهورية أن يحصل على حكم "تنفيذ" لرئاسته من المرشد الأعلى للنظام، وهو حكم يسبق حفل أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، لأن الرئيس المنتخب لن يكون قادراً على المثول أمام النواب، ولا البرلمان باستطاعته استضافة الرئيس المنتخب، ما لم يحصل قبل ذلك على حكم التنفيذ من المرشد. بالتالي، فإن شرعية سلطته وممارسة مهامه لا تبدآن من البرلمان، بل من المرشد والولي الفقيه، الذي يملك السلطة في أن يرفض إصدار حكمه بالموافقة على نتائج الانتخابات، ما يعني رفضه إرادة الشعب ونتائج اقتراعه.
لم يحدث أن رفض المرشد الأعلى الحالي والسابق المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية، إلا أن الدستور يعطيه هذه الصلاحيات بصفته الولي الفقيه، خصوصاً أن الفقرة 9 من المادة 110 من الدستور التي تتحدث عن العلاقة بين المرشد وحكم التنفيذ والرئيس المنتخب، قد أعطت المرشد حق الموافقة المسبقة على الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية إذا كان المرشح يدخل السباق للمرة الأولى. في حين لا يحتاج الرئيس الموجود إذا ما كان قد أنهى دورته الأولى إلى موافقة المرشد للترشح لدورة ثانية، كونه قد حصل عليها في المرة الأولى.
وهذا الجزء من الفقرة 9 من المادة الدستورية يضع المرشد أمام خيار لا بد من القبول به، وهو إصدار حكم التنفيذ حتى وإن كان الرئيس المنتخب لا ينسجم مع تطلعاته ورؤيته، لأنه سبق أن وافق على دخوله السباق والانتخابات وإمكانية وصوله إلى هذا الموقع وتولي رئاسة السلطة التنفيذية. إلا أن هذه الفقرة تعيد طرح أسئلة جوهرية حول عمل مجلس صيانة الدستور في الانتخابات الأخيرة ورفضه أهلية العديد من المرشحين، خصوصاً السؤال الذي برز بعد عدم تعاطي هذا المجلس مع تلميحات المرشد بشأن المجزرة التي وقعت بحق مرشحين محسوبين على النظام، وتمنياته على "صيانة الدستور" بتعويض ما حصل بحق المرشحين الآخرين، وإمكانية أن يكون هذا المجلس قد تعامل مع هذه التوصية من منطلق عدم إلزاميتها، لأنه يعرف أن مهمته في دراسة أهلية المرشحين تبدأ بعد انتهاء دور المرشد في الموافقة على مرشحي المرة الأولى لهذا الموقع.
وفي الثالث من أغسطس (آب) 2021، أصدر المرشد الأعلى حكم التنفيذ بالموافقة على نتائج الانتخابات التي أوصلت إبراهيم رئيسي إلى موقع رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية. ومن المتوقع أن تصب التوصيات التي سيقدمها المرشد في حكمه إلى الرئيس الجديد في إطار ما سبق أن حدده كرؤية لمهمات الرئيس الجديد قبل أشهر، عندما تحدث عن رئيس ثوري يعمل على تنشيط السلطة التنفيذية ورفدها بدماء جديدة وشابة، فضلاً عن معالجة الأزمات المتراكمة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، إضافة إلى تقديم موقف صلب ومتماسك في مواجهة الأطماع الأميركية التي تحاول واشنطن فرضها على طهران من بوابة المفاوضات النووية.
هذه المواقف أو التوصيفات لمهمات الرئيس الجديد التي وضعها المرشد، شكلت المدخل لما قام به من "تقريع وتأنيب" للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني وحكومته، في ما يتعلق بسياساته الاقتصادية والتفاوضية النووية ومع المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والترويكا الأوروبية. واعتبر أن رهانات روحاني وثقته بالغرب وهذه الدول ووعودها كانت السبب في فشل إدارته ووضعت إيران في دائرة الخطر نتيجة عدم التزام هذه الدول تعهداتها أو وعودها، مؤكداً أن الثقة بهذه الوعود كانت بمثابة الخسارة الكبيرة لإيران. وحمّل حكومة روحاني مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع.

يخرج روحاني وفريقه من مبنى رئاسة الوزراء "نخست وزيري" ليفتح الطريق أمام رئيسي، في انتظار أن يعلن عن فريقه. خروج روحاني ودخول رئيسي لا سابق لهما، إذ لم يحدث أن لحق بالرئيس المنتهية ولايته هذا الكم من الظلم والاتهام وحتى الشماتة في الأيام الأخيرة من رئاسته ولحظة خروجه من السلطة. فعلى الرغم من حدة الخلاف الذي كان قائماً بين رئيس الوزراء مير حسين الموسوي عام 1988 مع رئيس الجمهورية علي خامنئي حينها، فإن الصراع بينهما بقي تحت سقف من الأخلاق والخلاف المضبوط، خصوصاً أن تلك المرحلة كانت مفصلية شهدت انتقال الرئيس إلى موقع المرشد الأعلى والقائد، وإلغاء موقع رئاسة الحكومة بعد التعديل الدستوري الذي جرى قبل وفاة المؤسس. وفي رئاسة هاشمي رفسنجاني التزم جميع الأطراف الآليات الدستورية، خصوصاً أن رفسنجاني كان يلعب دور الشريك في السلطة والقيادة إلى جانب المرشد. وعلى الرغم من تحميله مسؤولية تمهيد الطريق لوصول الإصلاحي محمد خاتمي إلى الرئاسة فإنه لم يتعرض لتهمة الخيانة، بغض النظر عما آلت إليه الأمور لاحقاً نتيجة الخلاف الحاد الذي برز بينه وبين المرشد على خلفية الأحداث التي حصلت خلال تولي محمود أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية. إلا أن ما تعرض له روحاني في الساعات الأخيرة لرئاسته، يمكن القول إنه غير مسبوق مع الرؤساء الذين سبقوه، على الرغم من كونه ابن مؤسسة النظام وفهم حساسياته السياسية والاستراتيجية، وقد تجرأ بعض الأطراف على اتهامه بالخيانة للنظام والتفريط بمصالحه الاستراتيجية بهدف تحقيق أو تسجيل إنجاز التفاوض ورفع العقوبات باسمه.
بعد أن يصدر المرشد الأعلى حكم التنفيذ لرئيسي، يصبح الأخير أمام تحدي التعامل مع الإرث و"الكنز الذهبي"، حسب تعبير وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي تركه روحاني له. وكيف سيتعامل مع المسار التفاوضي بشأن الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية والحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن المرجح أن يجد رئيسي كل التعاون من مؤسسة القيادة ومؤسسات النظام الأخرى التي لم تترك وسيلة لعرقلة جهود روحاني لحل هذه الأزمات وإخراج إيران من عزلتها وحصارها. أي أن رئيسي سيكون في مواجهة تحدي توظيف هذا الحد الأعلى من التعاون وتثميره لمصلحة إنجازات حقيقية داخلياً ودولياً. فهل سينجح في ذلك، وفي تخطي وتجاوز الألغام التي بدأ يزرعها المحافظون الجدد في الطريق، وليس آخرها قانون مراقبة الإنترنت وتداعيات استهداف ناقلة النفط الإسرائيلية في مياه خليج عمان، وتصاعد التهديد الأميركي والبريطاني والإسرائيلي بمعاقبة إيران على هذا العمل التخريبي؟