بعد حكم "بنيامين نتنياهو" لمدة 12 عاما، استيقظت إسرائيل، يوم الإثنين الماضي، على رئيس وزراء جديد هو الزعيم اليميني المتطرف "نفتالي بينيت"، ما طرح تساؤلات جديدة لدى مراقبي الشأن الإسرائيلي حول ملامح سياسات حكومة تضم هذا الطيف الواسع من التيارات، وفرص استمرارها.
فولادة الحكومة الجديدة أثار آمالا في بعض الأوساط السياسية إزاء احتمال أن يؤدي ذلك إلى تحرك ما على الجبهة الإسرائيلية-الفلسطينية، من شأنه أن يحيي حل الدولتين مجددا، غير أن تركيبة حكومة "بينيت" لا تؤشر إلى أي جديد بشأن التعاطي الإسرائيلي مع الفلسطينيين.
وتذهب غالبية آراء الخبراء إلى أن حكومة يقودها "بينيت" لن تختلف كثيرا عن سابقتها في قضايا مثل اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة وصفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية، لأنها قضايا مرتبطة برأي المؤسسة الأمنية، ولأن تركيبة الحكومة غير متجانسة، إذ تضم اليمين والوسط واليسار فضلا عن حزب عربي إسلامي.
ويصف المحلل السياسي الإسرائيلي "موردخاي كيدار" هذا الوضع بأنه أشبه بـ"سيارة لها 4 عجلات كل منها لها اتجاه مختلف ومحرك مختلف وقائد مختلف"، وفقا لما أوردته قناة "الحرة" الأمريكية.
وبحسب الاستطلاع الذي نشرته القناة (12) الإسرائيلية، فإن 43% من الإسرائيليين يعتقدون أن الحكومة لن تدوم إلا لفترة قصيرة فقط، و30% يرون أنها ستبقى لفترة، ولكن ليس لنهاية مدتها البالغة 4 سنوات، مقابل 11% فقط قالوا إن الحكومة ستبقى حتى نهاية مدتها.
ويعزز من هكذا ترجيح أن كل شخص داخل حكومة "بينيت" يمكن أن يسقطها، حيث يكفي لسقوطها انسحاب عضو واحد فقط من الستين عضواً الذين منحوها الثقة، مقابل 59 في معارضا، ولذا ستبقى على شفا الانهيار في أي لحظة.
بل إن الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية بجامعة ولاية ميشجان "محمد أيوب" يرجح أن تكون سياسات حكومة "بينيت" أكثر تشددا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على الأقل، إذ احتفظ "نتنياهو" بوهم حل الدولتين عندما كان يتحدث مع الغرب، فيما يعارض "بينيت" تماما فكرة إقامة دولة فلسطينية، وأكد ذلك مرات لا تحصى، وفقا لما نقلته مجلة "ناشونال إنترست".\
فلسطين والاستيطان
وتمثل أول لغم سياسي واجه "بينيت" في مسيرة الأعلام للمستوطنين اليهود في القدس، أمس الثلاثاء، إذ هددت بعودة التصعيد مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى قلب الأوراق ودخول الحكومة في صراع عسكري مبكر.
وإزاء ذلك، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي "عمر جعارة" أن "نتنياهو" أجل القرار بشأن المسيرة لجعلها أولى أزمات الحكومة الجديدة، وفقا لما أورده موقع "إرم نيوز".
فـ"نتنياهو"، الذي أعلن الحرب على حكومة "بينيت"، يتمتع بجيش من الداعمين بمعسكر اليمين، إضافة إلى عضو الكنيست "إيتمار بن غفير"، القنبلة الموقوتة بالقدس، وهذا التحدي الأكبر لحكومة التغيير التي تتعرض لتحريض ممنهج من قبل نتنياهو"، ولا يمكنها مواجهة ذلك سوى بمهادنة المتطرفين.
ولذا غابت القضية الفلسطينية عن خطاب "بينيت"، الذي استذكر الفلسطينيين فقط ليتهمهم ويلقي الكرة في ملعبهم لرفضهم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وللتأكيد أنه يستعد لتوسيع الاستيطان في القدس المحتلة ومراقبة البناء الفلسطيني في المنطقة "ج" داخل الضفة الغربية المحتلة.
كما أكد "بينيت"، في خطابه، أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي وسيعمل على توسيع اتفاقات السلام مع الدول العربية ومواجهة حركة "حماس" بقوة، وهو ما أثار التساؤل عما إذا كان يحمل نفس أجندة "نتنياهو".
لكن حتى تبني ذات السياسات المتطرفة لـ"نتنياهو" لا يبدو كافيا لحماية حكومة "بينيت" من شبح السقوط، في ظل تركيبتها غير المتجانسة، وغطائها البرلماني بفارق صوت واحد.
وهنا يتساءل المحلل الإسرائيلي "يوني بن مناحيم": "إذا ما قرر بينيت تعزيز الاستيطان، فماذا سيكون موقف حزب ميرتس (اليساري المعارض للاستيطان)؟ وإذا ما قرر تنفيذ عملية عسكرية ضد قطاع غزة، فماذا سيكون موقف القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس؟"، في إشارة إلى أن أيا من القضايا الأمنية سيمثل عامل إسقاط لحكومة تفتقر إلى الاستقرار، وفقا لما أوردته وكالة "الأناضول".
وفي هذا الإطار يمكن قراءة تأكيد "بينيت"، في خطابه بالكنيست، أنه يعتزم توسيع الاستيطان في جميع المناطق، وتوجيهه "الشكر" لـ"نتنياهو" على سنوات خدمته، مؤكداً أن حكومته الجديدة ستعمل على تزويد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة.
مستقبل التطبيع
لكن تأثير تركيبة حكومة "بينيت" لا يتعلق بقضايا الشأن الأمني والاستيطان فقط، بل أيضا بالعلاقات الخارجية، بما فيها تلك التي خطتها حكومة "نتنياهو" عبر اتفاقات التطبيع مع 4 دول عربية، على رأسها الإمارات.
ولاح هذا التأثير في الأفق، الأربعاء، بعدما أشارت صحيفة "إسرائيل اليوم" إلى أزمة دبلوماسية محتملة بين أبوظبي وتل أبيب على خلفية مطالبة وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية الجديدة "تامار زاندبرج"، التي تنتمي لحزب "ميرتس" اليساري، بالإلغاء الفوري للاتفاقية الموقعة بين شركة خط أنابيب النفط عسقلان- إيلات مع حكومة الإمارات لنقل النفط عبر إسرائيل إلى أنحاء العالم.
ونقلت الصحيفة، المعروفة بدعمها لرئيس الوزراء السابق "بنيامين نتنياهو"، عن مسؤولين في أبوظبي قولهم: "إذا ألغت الحكومة الاتفاق، قد تحدث أزمة في العلاقات مع إسرائيل وستهدد استقرار اتفاقيات إبراهيم".
ويحذر حذر ناشطون إسرائيليون من أضرار بيئية جراء رسو ناقلات النفط الإماراتية بميناء إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر، ما يهدد الشعب المرجانية التي تميز المنطقة، وهو التحذير الذي يؤيده اليسار، فيما يتجاهله اليمين، الذي يعطي الأولوية لتطوير التطبيع مع الإمارات.
بالسياق ذاته، يرى الخبير في الشؤون الحزبية الإسرائيلية "وديع أبونصار" أن "حكومة بينيت تسير على حقل ألغام، وستواصل السير، حتى ينفجر أحد الألغام فيها"، وفقا لما أورده موقع "عربي بوست".
تبدو الألغام أمام حكومة "بينيت" كثيرة، فهي حكومة إزاحة لـ"نتنياهو" أكثر من كونها إدارة قابلة للاستمرار الطويل، وحتى يحين وقت انفجارها ستظل سياسات إبقاء الوضع كما هو عليه أسلم الخيارات المتاحة لسيارة الدفع الرباعي متعددة القيادة، حسب توصيف "موردخاي كيدار".