الأحد 24 تشرين الثاني 2024

حروب السدود.. هل يقترب النزاع المسلح حول المياه في الشرق الأوسط؟

 أصبح الوصول إلى المياه قضية ملحة بشكل متزايد في الشرق الأوسط. وشهدت المنطقة ظروف الجفاف لمدة 15 عاما خلال الـ20 عاما الماضية. وتمثل الدول العربية 10.8% من مساحة اليابسة في العالم، لكنها لا تمتلك سوى 0.7% من المياه السطحية على ظهر الكوكب. علاوة على ذلك، فإن 2.1% فقط من الأمطار السنوية في العالم تحدث في هذه الأراضي.

وفي المتوسط، يمتلك كل فرد في المنطقة العربية 565 مترا مكعبا من المياه سنويا، بينما يبلغ المعدل العالمي لاستهلاك المياه 1385 مترا مكعبا للفرد سنويا. وبالرغم من وجود نحو 295 مليار متر مكعب من المياه العذبة في العالم العربي، فمن المتوقع أن ينخفض هذا إلى 261 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2030.
علاوة على ذلك، بعد أفريقيا، تمثل المنطقة العربية أعلى معدل نمو سكاني في العالم. لذلك، هناك احتمال قوي أن يؤدي هذا المزيج من معدل المواليد المرتفع وتزايد ندرة المياه إلى حدوث صراع.
وتوقع العديد من المراقبين أن أزمة المياه في العالم العربي سوف تتفاقم حتما، حيث يأتي ثلثا موارد الإمداد من الدول التي يمكنها التحكم في تدفق ومستوى الأنهار إلى الدول المجاورة عن طريق بناء السدود. وهذا هو الحال بالنسبة لنهر النيل والفرات ودجلة والأردن، وكذلك نهر السنغال في موريتانيا.

على سبيل المثال، تستخدم إسرائيل وتركيا وإيران وإثيوبيا المياه لتحقيق أهدافها الجيوسياسية وممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الدول المنخفضة في المنطقة. وللموارد المائية تأثير استراتيجي، بالنظر إلى النزاعات الدينية والأيديولوجية والجغرافية المختلفة التي تحدث بالفعل في هذه المنطقة.
ولطالما كانت إسرائيل جشعة للمياه، ما يجعله جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتها للتوسع الاستيطاني. وبالرغم من أنها حاولت في البداية تقاسم المياه مع الدول العربية المجاورة، إلا أن أعمالها العدوانية في عام 1967، ومعاهدة السلام لعام 1978 مع مصر، واحتلال جنوب لبنان في عام 1982، وضم مرتفعات الجولان في عام 2019، تظهر جميعها أن إسرائيل تميل إلى الاستيلاء على موارد المياه.

وتمارس تركيا، التي تسعى إلى استعادة إمبراطوريتها العثمانية، سلطتها على نهري دجلة والفرات. وبالرغم من طموحاتها السياسية، إلا أنها أنشأت العديد من السدود لإنشاء مراكز زراعية يمكن أن تلبي احتياجات دول المنطقة. علاوة على ذلك، لإرضاء الولايات المتحدة وإسرائيل، اقترحت تركيا تنفيذ مشروع "خطوط أنابيب السلام". ويتضمن ذلك بناء خطي أنابيب لنقل المياه من تركيا إلى دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.

ومن ناحية أخرى، طورت إيران عددا من السدود ومشاريع النقل والزراعة على أحواض الأنهار المشتركة مع العراق، ما أثر بشكل خطير على كل من نوعية وكمية الموارد المائية في العراق. وفي الأعوام الـ 10 الماضية، قطعت إيران نحو 35 رافدا رئيسيا يمر عبر العراق، حيث استولت على 80% من هذه المياه. ولم تقم إيران بسد روافد المياه العذبة فحسب، بل دفعت أيضا بالمياه المالحة إلى الأراضي العراقية، ما أدى إلى إغراق جزء كبير من الحدود بين العراق وإيران في البصرة.

ثم هناك الصراع المحتمل الذي يختمر بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، الذي كشف عن تناقضات حادة في السياسة الخارجية لكل دولة. وتحيط القضية بسد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي بدأت إثيوبيا ببنائه في عام 2011 على طول نهر النيل، وتهديده المحتمل لإمدادات المياه في مصر والسودان. ومنذ ذلك الحين، أُجريت العديد من المفاوضات بين الطرفين، كان آخرها في "كينشاسا" في أبريل/نيسان من هذا العام، وثبت فشل كل منها.

ولطالما عكست معالجة الأطراف لقضايا المياه علاقتها السياسية مع بعضها البعض. ورغم أن الإدارة الإثيوبية قد تغيرت منذ أن بدأت في بناء السد، إلا أن الدولة لم تتخل عن مشروعها بعد، بالرغم من الاحتمال القوي لحرمان مصر والسودان من حصتهما من مياه النيل الأزرق. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن الخبراء الإسرائيليين يساعدون إثيوبيا في إنشاء السد. وتعمل إثيوبيا بلا هوادة في خططها لبدء المرحلة الثانية من ملء السد في يوليو/تموز.

وفي حالة اكتمال مشروع سد إثيوبيا، سيكون التأثير على مصر هائلا. وسيتم تدمير مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة، ما يؤدي إلى بطالة هائلة وزيادة الحاجة للواردات الغذائية. وهكذا، أصبح خطر نشوب نزاع مسلح وشيك واقعيا للغاية الآن.
وتوضح هذه الحالة كيف أن أزمة المياه قضية إقليمية ودولية لا يمكن حلها إلا من خلال التعاون في تنمية الموارد المائية وترشيد استخدامها.
ويجب أن يأخذ القانون والمنظمات الدولية دورا رائدا في حل نزاعات المياه في وقت مبكر، باتباع المبدأ القائل بأن جميع البلدان المشاطئة لها الحق في الاستخدام العادل للحوض المشترك، وضمان تبادل المعلومات فيما يتعلق بجميع خطط إدارة المياه.
وعلى المستوى الوطني، يجب تطوير استراتيجية مائية شاملة ذات طابع علمي واستشرافي، بهدف ترشيد استهلاك المياه بشكل عادل. على وجه التحديد، بالنسبة للشرق الأوسط، يجب إنشاء هيئة دولية مماثلة لمنظمة "أوبك" لحل قضايا المياه.
وفي هذه المنطقة، يبدو أن السبيل الوحيد للخروج من معضلة نقص المياه هو تطبيق تقنيات المياه المتقدمة لتوليد مياه إضافية واستخدام المياه بكفاءة أكبر. وتعتبر التطورات الحديثة في تكنولوجيا المياه واعدة للغاية ويمكن أن تكون ميسورة التكلفة تقنيا واقتصاديا واجتماعيا. ويمكن لتطبيق هذه التقنيات في الوقت المناسب أن يعزز التنمية والتقدم الاقتصادي، ما يؤدي إلى الاستقرار السياسي والرفاهية الاجتماعية.
وفي نهاية المطاف، تدور الخلافات الإقليمية حول المياه حول التحكم في الموارد المائية وتوزيعها مع العديد من الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي قد تلعب جميعها دورا في إثارة صراعات إقليمية جديدة.
ونتيجة للنمو السكاني وزيادة استهلاك المياه للفرد، زاد استخدام المياه العالمي على مدى الـ100 عام الماضية. ونظرا لأن معظم موارد المياه العذبة تأتي من المياه السطحية التي توفرها الأنهار والبحيرات، فمن المرجح أن تظل قضية المياه مهمة على مدى العقود العديدة القادمة.
ومع ذلك، بالرغم من أن نقص المياه يمكن أن يؤدي إلى نشوب صراعات، إلا أنه قد يكون أيضا مفتاح التنمية والازدهار والرفاهية. ويمكن أن يكون الماء مصدر تعاون وشراكة في المنطقة، وأساس للاستقرار، إذا تم التعامل معه بحكمة وعقلانية، دون أطماع بالهيمنة والسيطرة.
لكن للأسف، نحن نعيش في عصر يسوده منطق القوة. وكما قال الشاعر العربي: "السيف أصدق إنباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب".
المصدر | محمد بني سلامة - إنسايد أرابيا