السبت 23 تشرين الثاني 2024

ثلاث سيناريوهات للغزو الروسي لأوكرانيا وخيارات أمريكا ضده



النهار الاخباريه وكالات


ثلاثة سيناريوهات مرجحة وقاتمة للهجوم أو الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أصبحت الولايات المتحدة تتعامل معه على أنه محتمل بشكل كبير.
تقرير لمجلة Foreign Affairs الأمريكية عرض للتوقعات بشأن كيفية سيتم الغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف يمكن للولايات المتحدة الرد على كل منها. 
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من سلسلة الاجتماعات على مدار الأسابيع الأخيرة، لا تزال الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وأوكرانيا وروسيا بعيدين كل البعد عن الوصول إلى حل دبلوماسي أو تسوية تحد من التوترات على الحدود الأوكرانية الروسية. في الوقت نفسه، انكشفت الهوة بين التوقعات الروسية والغربية. أوضح المسؤولون الروس أنَّهم غير مهتمين بالمقترحات التي تركز فقط على الاستقرار الاستراتيجي أو التدريبات العسكرية أو حتى تعليق عضوية أوكرانيا في الناتو. 

هدف بوتين لم يعد يقتصر على أوكرانيا بل الناتو برمته

يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التفكيك الكامل للهيكل الأمني ​​لأوروبا ما بعد الحرب الباردة والتراجع عن اتفاقات دولية أساسية ترعى حقوق الدول في تقرير المصير -وهي نتيجة لن تقبلها أبداً الولايات المتحدة وشركاؤها وحلفاؤها.
في هذه الأثناء، على الرغم من التأكيدات بأنَّ روسيا ليس لديها خطط لغزو أوكرانيا، استمر الحشد العسكري على طول الحدود الأوكرانية-الروسية دون هوادة. في الآونة الأخيرة، أمرت روسيا تشكيلات عسكرية من المنطقة العسكرية الشرقية بالتحرّك غرباً بينما كانت مروحيات هجومية وأخرى للنقل وأيضاً وحدات دعم تستعد في مكانها لشن هجوم واسع النطاق. أعلنت روسيا أيضاً أنَّها سَتُنفّذ تدريبات عسكرية مشتركة مع بيلاروسيا حتى 20 فبراير/شباط لتبرير حشدها قوات عسكرية شمالي أوكرانيا. تتركز القوات الروسية بالفعل بالقرب من الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية مع أوكرانيا. لا تزال هناك خطوات إضافية يتعيّن على روسيا اتّخاذها قبل شن عملية عسكرية ضد جارتها الشرقية، أوكرانيا، لكن المناورات بالذخيرة الحية والتدريبات الجارية حالياً ووصول وحدات لوجستية تشير إلى وجود قوة تستعد لبدء عمل عسكري.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، توقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن أنَّ يقرر بوتين في نهاية المطاف شكلاً من أشكال الغزو أو التوغل. قال بايدن في مؤتمر صحفي عند سؤاله عن آرائه بشأن نوايا بوتين: "هل أعتقد أنَّه سيختبر الغرب؟ يختبر الولايات المتحدة والناتو بقدر ما يستطيع؟ نعم، أعتقد أنَّه سيفعل ذلك".
ورغم أنَّ نشوب نزاع عسكري كبير في أوكرانيا هو خطوة نتائجها كارثية لا ينبغي لأحد أن يتوق إليها، لكنه بات الآن احتمالاً يتعيّن على الولايات المتحدة الاستعداد له.

كيف يفكر بوتين في تنفيذ الغزو الروسي لأوكرانيا؟

ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة الحدوث في حال فشل الدبلوماسية، حسبما ورد في تقرير مجلة Foreign Affairs.
 يعتمد أي واحد من هذه السيناريوهات سيحدث على الكيفية التي يقرر بها بوتين أفضل السبل لتحقيق أهدافه النهائية المتمثّلة في شل القدرات العسكرية الأوكرانية وزرع الفتنة داخل الحكومة الأوكرانية وتحويل أوكرانيا في نهاية المطاف إلى دولة فاشلة- وهي نتيجة يسعى بوتين إلى الوصول إليها لأنَّها ستضع حداً لتهديد كييف باعتبارها خصماً مستعصياً على التغيير وتحدٍّ أمني متزايد الخطورة. يكره بوتين احتمالية وجود نموذج ديمقراطي ناجح ومزدهر في أوكرانيا مهد الحضارة السلافية الشرقية، وهو تطور يمكن أن يوفر للمواطنين الروس إطاراً مستساغاً وملهماً على نحو متزايد للانتقال الديمقراطي في بلدهم. 

السيناريو الأول: ضم إقليم الدونباس، ومهاجمة كييف إذا حاولت عرقلة القرار

ينطوي السيناريو الأول على حل دبلوماسي قسري للأزمة الحالية. قد تتحرّك روسيا للاعتراف رسمياً بمنطقة دونباس المحتلة في شرق أوكرانيا أو ضمها. كان الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية قد اتّخذ بالفعل خطوة لتقديم مشروع قانون إلى مجلس الدوما الروسي من شأنه الاعتراف بمناطق انفصالية في دونباس بطريقة مشابهة للطريقة التي اعترفت بها روسيا بمنطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان انفصاليتان انتزعتهما موسكو من جورجيا. سيسمح هذا للكرملين بتجنّب المزيد من التصعيد العسكري مع تحقيق نوع من "الانتصار". قد تأمل القيادة الروسية أيضاً في دفع أوكرانيا إلى سوء تقدير للموقف على غرار ما وقع فيه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في عام 2008، حيث اختار محاربة الانفصاليين المدعومين من روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وبذلك منح الكرملين ذريعة لتنفيذ عمل عسكري إضافي بحجة تبدو مبررة.
إذا اختار بوتين هذا المسار، فقد تستمر الولايات المتحدة وحلف الناتو في الاستجابة بعمليات نشر إضافية للقوات الأمريكية على طول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، وهو ما قد يؤدي إلى نوع من المعضلة الأمنية التي يريد الكرملين تجنّبها.

السيناريو الثاني: الاستيلاء على المناطق الساحلية وتحويل أوكرانيا لدولة حبيسة

قد ينطوي السيناريو الثاني على هجوم روسي محدود للاستيلاء على أراضٍ إضافية في شرق أوكرانيا وفي دونباس. تستولي روسيا، في هذا السيناريو، على ميناء ماريوبول- وهو أكبر ميناء أوكراني على بحر أزوف- وكذلك مدينة خاركيف- وهي مدينة أوكرانية رئيسية ذات أهمية رمزية باعتبارها عاصمة لجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية خلال فترة ما بين الحربين. قد تحاول روسيا أيضاً تنفيذ نسخة أكثر طموحاً وتمدداً من هذا السيناريو من خلال الهجوم بحركة كماشة من الشرق والجنوب في آنٍ واحد باستخدام القوة البرية والجوية والبحرية. من الجنوب، يمكن لروسيا إنشاء "جسر بري" يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي الروسي وتستطيع أيضاً بدء تنفيذ عملية عسكرية برمائية للاستيلاء على الميناء الأهم في أوكرانيا "ميناء أوديسا"، ثم التّقدّم باتجاه القوات الروسية المتمركزة بالفعل في ترانسنيستريا، وهي منطقة انفصالية في جمهورية مولدوفا المجاورة لأوكرانيا.
وشبه جزيرة القرم التي لا يوجد بينها وبين الأراضي الروسية رابط من الأرض الخاضعة لموسكو، ويفصل مضيق كيرش الذي يطلق عليه بوسفور القرم بين شبه جزيرة القرم وبين الأراضي الروسية، ويتراوح عرضه بين 3 إلى 13 كيلومتراً، ولقد أقامت روسيا جسراً ضخماً عليه بعد ضمها القرم

والأمر الذي يعزز هذا السيناريو أن تقارير عن مشكلات يواجهها سكان القرم في توفير المياه، وقد يعني هذا الضم تمكين بوتين من حل هذه المشكلات التي يشكو منها سكان الإقليم الاستراتيجي 

ستحرم مثل هذه الخطوة أوكرانيا من الموانئ الاقتصادية الحيوية على طول ساحلها الجنوبي وتحوّلها إلى دولة
 حبيسة (أي غير ساحلية) وتحل المشاكل اللوجستية الروسية القائمة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بتوفير الإمدادات إلى شبه جزيرة القرم. سيتطلب تنفيذ مثل هذه العملية الضخمة حشد كل القوات التي جمعتها روسيا في شبه جزيرة القرم وعلى طول الحدود الشمالية والشرقية لأوكرانيا. 
ستضطر روسيا أيضاً إلى الانخراط في جهد مُكلّف لاحتلال مدن أوكرانية كبرى، الأمر الذي يُعرّض قواتها لخوض حرب حضرية صعبة وحملة عسكرية مطوّلة. علاوة على ذلك، فإنَّ الاستيلاء على مزيد من الأراضي بهدف فرض احتلال عسكري روسي طويل الأمد من شأنه أن يضعف أوكرانيا، لكنه لن يُحوّلها إلى

دولة فاشلة.

السيناريو الثالث: تحويلها لدولة فاشلة عبر غزو شامل

السيناريو الثالث والأكثر ترجيحاً من وجهة نظر المجلة الأمريكية، هو شن هجوم روسي واسع النطاق تشترك فيه القوة البرية والجوية والبحرية على جميع محاور الهجوم. تحقّق روسيا، في هذا السيناريو، تفوقاً جوياً وبحرياً في أسرع وقت ممكن. بعد ذلك، ستتقدم بعض القوات البرية الروسية نحو مدينتي خاركيف وسومي في الشمال الشرقي لأوكرانيا بينما ستتقدم قوات روسية أخرى متمركزة الآن في شبه جزيرة القرم ودونباس من الجنوب والشرق على التوالي. 
في غضون ذلك، تستطيع القوات الروسية في بيلاروسيا تهديد كييف مباشرةً، ومن ثمَّ، تضغط على القوات الأوكرانية التي قد تتحرك لتعزيز الشرق والجنوب. تستطيع حينها هذه القوات الروسية التقدّم نحو كييف لتسريع استسلام الحكومة الأوكرانية.

بوتين لن يحاول إقامة احتلال طويل الأمد في أوكرانيا

من غير المرجح وجود خطة احتلال طويل الأمد في هذا السيناريو. قد يؤدي غزو مدن كبرى إلى مستوى من الحرب الحضرية وخسائر إضافية يريد الجيش الروسي على الأرجح تجنّبها. يُرجّح أن تسيطر القوات الروسية على أراضٍ من أجل إنشاء خطوط إمداد وحمايتها، ثم الانسحاب بعد الحصول على تسوية دبلوماسية مواتية أو إلحاق أضرار كافية. بعد ذلك، تُترك أوكرانيا والغرب لتنظيف الفوضى التي خلّفتها روسيا. 
ستركز روسيا في هذه العملية على توجيه ضربات عقابية ضد الحكومة الأوكرانية والجيش والبنية التحتية الحيوية والأماكن المهمة للهوية الوطنية للأوكرانيين. ستوجّه روسيا قنابلها وصواريخها ومدفعيتها نحو أهداف مثل القصر الرئاسي والمباني الحكومية الأوكرانية ومقرات الأجهزة الأمنية. 
ستلحق الهجمات السيبرانية أضراراً بالبنى التحتية الحيوية في أوكرانيا، مثل شبكة الكهرباء. ستعطي روسيا أيضاً الأولوية لتدمير مصانع الأسلحة في أوكرانيا حتى تقضي على قدرتها الدفاعية، ومن ثمَّ، يمكن لروسيا إزالة التهديد المحتمل للردع التقليدي من قبل أوكرانيا في المستقبل المنظور.
ستؤدي هذه الضربات إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا ووقوع كارثة إنسانية وإحداث فوضى داخل سلاسل القيادة المدنية والعسكرية وربما الإطاحة بالقيادة الأوكرانية. وإذا سارت الأمور وفقاً لخطة روسيا، فإنَّ هذه الهجمات ستحدث شللاً للحكومة والجيش والبنية التحتية الاقتصادية في البلاد -وكلها خطوات مهمة نحو تحقيق هدف تحويل أوكرانيا إلى دولة فاشلة. 

ما هي خيارات أمريكا المضادة؟

فصل موسكو عن نظام سويفت المالي

بغض النظر عمّا إذا كانت روسيا تختار توغلاً محدوداً أو هجوماً أوسع نطاقاً، فإنَّ استجابة  الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها لهذا العدوان الروسي المحتمل يجب أن تكون غير مسبوقة- تماماً كما حذرت إدارة بايدن في وقتٍ سابق. قدَّم السناتور الديمقراطي، روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بالفعل مشروع قانون يشبه قائمة أمنيات لمناصري السيادة الأوكرانية. يتضمن مشروع القانون "الدفاع عن سيادة أوكرانيا لعام 2022" بنوداً لدعم الجيش الأوكراني وتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية وزيادة الدعم لبرامج التبادل العسكري بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وتقديم مساعدة إضافية لمكافحة المعلومات المضللة في أوكرانيا والكشف العلني عن الأصول غير المشروعة التي يمتلكها بوتين وأعضاء دائرته الداخلية وفرض عقوبات على المسؤولين الروس الذين يشاركون أو يساعدون في شن هجوم على أوكرانيا وفرض عقوبات على المؤسسات المالية الروسية وقطاعي الطاقة والتعدين وفصل روسيا عن نظام "سويفت" الدولي للتعاملات المصرفية الذي يعني توقف قدرتها على التحويلات المصرفية لا سيما بالدولار. 

وعلى الرغم من أنَّ مشروع القانون يوفر تنازلات محتملة في عدة حالات واستثناء لاستيراد البضائع، لا يزال النجاح في تمريره يُمثّل خطوة جريئة نحو الدفاع عن سيادة أوكرانيا. كانت إدارة بايدن قد أشارت بالفعل إلى دعمها لمشروع قانون مينينديز. 
لذا، ينبغي لبايدن أن يخطو خطوة أخرى إلى الأمام ويرعى مشروع القانون عبر مجلس الشيوخ ومجلس النواب ويناور بعناية لضمان ألا تصبح هذه الإجراءات الحاسمة ضحية أخرى للمشاحنات الحزبية. بدأ بايدن بداية جيدة باجتماع عقده مؤخراً مع أعضاء في مجلس الشيوخ من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن أوكرانيا في محاولة لتخفيف الانقسامات الحزبية.
تقليدياً، كان هناك دعم قوي من الحزبين المهيمنين على السياسة الأمريكية لأوكرانيا. لكن الكرملين يعتقد أنَّ الافتقار إلى الاتساق الداخلي سيقوّض قدرة واشنطن على الرد القوي. لذا، يجب ألا يضفي الكونغرس مصداقية على هذا الاعتقاد. لا تأتي فاعلية مشروع قانون السيناتور الديمقراطي الأمريكي من جوهره فحسب، بل تأتي أيضاً من الإشارة التي يرسلها حول الدعم الساحق من الحزبين لأوكرانيا.

حظر الصادرات المهمة للأسلحة الروسية

يجب على إدارة بايدن أيضاً متابعة العقوبات التي تستهدف صادرات الولايات المتحدة في مجال التقنية المتقدّمة (مثل أشباه الموصلات والرقائق الدقيقة) إلى روسيا، وهو إجراء من شأنه أن يؤثر سلباً على صناعتي الفضاء والأسلحة الروسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الكونغرس أو إدارة بايدن تجاوز مجرد الكشف عن الأصول التي تحتفظ بها الدائرة المقربة لبوتين إلى الاستهداف المباشر لتلك الأصول والكيانات والشخصيات، لأنَّ الضغط على الأوليغارشية الروسية المحيطة ببوتين سيكون بنفس أهمية- إن لم يكن أكثر- معاقبة المسؤولين الذين سيتورطون مباشرةً في تنفيذ أعمال عسكرية ضد أوكرانيا.
قد يُشكّك البعض في فاعلية استخدام العقوبات أداة للردع أو لتغيير السلوك، مشيرين إلى أنَّ روسيا قد تكون قادرة على الصمود في وجه هذه العاصفة مع وجود 630 مليار دولار من الاحتياطيات الدولية والتوطين المتزايد للصناعات الحيوية وسوق طاقة موات لها في ظل أزمة الغاز الأوروبية، فضلاً عن قدرة روسيا على استخدام بدائل لنظام "سويفت" في شكل نظام روسي محلي جديد لنقل الرسائل المالية ونظام الدفع الصيني بين البنوك عبر الحدود. ومع ذلك، فإنَّ مثل هذه المخاوف تتجاهل حقيقة أنَّ العقوبات تستمر في فرض تكاليف مرهقة على روسيا وتضعف شبكات النفوذ التابعة للكرملين. أثَّر تهديد العقوبات– بصيغتها الحالية- تأثيراً سلبياً بالفعل على سوق الأسهم الروسية.

بايدن يحتاج لموقف أوروبي موحد، ولكن تصريحات ألمانيا وفرنسا تُقلقه

ومع ذلك، ستقل كثيراً جدوى العقوبات وفاعليتها بدون الوحدة عبر الأطلسي والتعاون من الاتحاد الأوروبي- حيث يشعر حلفاء واشنطن الأوروبيون بالقلق من احتمالية أن تضر العقوبات باقتصاداتهم.
في ضوء تصريحات بايدن خلال مؤتمره الصحفي الأخير، يبدو أنَّ واشنطن ستكافح من أجل حشد رد موحد على العدوان الروسي، لا سيما في حالة الهجمات السيبرانية أو الإجراءات غير العسكرية أو شبه العسكرية. لقد قوّض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالفعل صورة الجبهة الموحدة من خلال دعوة الاتحاد الأوروبي لإجراء حوار مع روسيا. 
في غضون ذلك، رفضت ألمانيا تصدير الأسلحة إلى أوكرانيا وفشلت في إصدار قرار نهائي بشأن الموافقة على مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي سيجلب الغاز الروسي إلى أوروبا أو إلغاؤه تماماً.

فهم يخشون قطع الغاز

قد تقطع روسيا إمداداتها من الطاقة عن أوروبا، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة الأوروبية الحالية وتهديد الوحدة عبر الأطلسي. كانت أزمة الطاقة قد قادت الولايات المتحدة بالفعل إلى اتخاذ قرار إرسال غاز طبيعي مسال إضافي إلى دول الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي. 
قد تضطر أوروبا للبحث عن مصادر طاقة بديلة في جدول زمني قصير من أجل تجنّب التداعيات الحادة المحلية الناجمة عن نقص الطاقة. لذا، يتعيَّن على واشنطن مساعدة شركائها وحلفائها الأوروبيين– قدر الإمكان- في سد فجوة عجز الطاقة بالاحتياطيات الاستراتيجية الأمريكية من النفط والغاز.

والأضرار الاقتصادية الناجمة عن معاقبة روسيا

وتشعر دول أخرى بالقلق من أنَّ فصل المؤسسات المالية الروسية عن نظام "سويفت" الدولي للتعاملات المصرفية قد يرتد بانعكاسات سلبية على الاقتصاد الأوروبي. 
ومع حقيقة أنَّ نظام "سويفت" يخضع للقانون البلجيكي والأوروبي، يجب على واشنطن ضمان القبول الأوروبي في حال أرادت فصل روسيا عن هذا النظام المالي الدولي. قد تحاول الولايات المتحدة إجبار الدول الأوروبية على التعاون، كما فعلت في عام 2012، عندما ضغطت على أوروبا لفصل إيران عن نظام "سويفت". 
ومع ذلك، قد تكون واشنطن غير مستعدة لإجبار حلفائها على فعل نفس الشيء مع روسيا في ظل مخاطر تفكّك الوحدة عبر الأطلسي.

هل يكون الدعم العسكري لكييف فعالاً في هذا الوقت؟ 

على الصعيد العسكري، تستطيع الولايات المتحدة مساعدة الحكومة الأوكرانية في ردها على العمليات الهجومية الروسية- إذا لم تكن تفعل ذلك بالفعل- من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والتشغيلية وحتى التكتيكية. يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تحذو حذو المملكة المتحدة وتنظم جسراً عسكرياً جوياً  قبل الهجوم الروسي. ينبغي لواشنطن أيضاً تزويد أوكرانيا بالأسلحة الصغيرة والذخيرة والمعدات وكميات كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، بالإضافة إلى أنظمة دفاعية أكثر تقدّماً، من بينها صواريخ باتريوت المضادة للطائرات وصواريخ هاربون المضادة للسفن. قد يجادل منتقدو هذا النهج بأنَّ تسليم مثل هذه الأنظمة لأوكرانيا من شأنه توفير ذريعة للكرملين لشن هجوم استباقي. لكن إذا كان العمل العسكري الروسي أمراً معلوماً بالفعل، فلن يكون هناك سبب لعدم التحرّك.
على الرغم من أنَّ تسلم أوكرانيا لتلك الأنظمة الدفاعية الأمريكية الأكثر تقدّماً لن يساعد كثيراً لعدم توفر الوقت الكافي لضمان التدريب الجيد والتكامل لتحقيق القدرة التشغيلية الكاملة، لا يزال من الممكن نشر بعض الأنظمة بقدرة تشغيلية أولية. 
لن يغير هذا الإجراء ميزان القوة العسكرية بين أوكرانيا وروسيا، لكنه سيفرض خسائر إضافية على الغزاة الروس ويساهم في تحقيق نوع من الردع عند اقترانه بإجراءات أخرى. يجب على الولايات المتحدة أيضاً تسريع وتيرة الموافقة على عمليات نقل أسلحة أمريكية الصنع إلى أوكرانيا، كما فعلت مؤخراً في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. أما في حالة حدوث احتلال روسي طويل الأمد، وهو أمر مستبعد الحدوث، يجب على إدارة بايدن دعم حركات المقاومة والتمرد الأوكرانية. 

عدم استجابة أمريكا قد يدفع دول شرق أوروبا لتوريط الناتو في الأزمة

ينبغي لواشنطن أيضاً نشر قوات ومعدات عسكرية  إضافية لطمأنة حلفائها الأوروبيين ومساعدتهم. لا تزال ذكريات الهيمنة السوفييتية والروسية حاضرة في أذهان الدول الواقعة على الجانب الشرقي لحلف الناتو. لذا، تحتاج الولايات المتحدة إلى طمأنتهم بأنَّها تدعمهم، على النحو الوارد في المادة 5 من ميثاق الناتو، حتى لا يندفعونا بالمساعدات العسكرية والإنسانية إلى حدودهم مع أوكرانيا على الرغم من اعتراضات واشنطن وحكومات أوروبا الغربية. 
قد يزيد ذلك من مخاطر اندلاع صراع موسّع. على أقل تقدير، يُرجح أن تزيد دول مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا من دفاعاتها مع مناشدة الولايات المتحدة لتوسيع نطاق عملياتها.

وفي خطوة أخيرة، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الأوروبيين، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية، إنشاء ممرات إنسانية لاستقبال اللاجئين وحمايتهم. قد يفر عشرات الآلاف- إن لم يكن مئات الآلاف أو حتى ملايين- من الصراع، إما مشردين داخل أوكرانيا أو لاجئين في الدول المجاورة. يتعيَّن أيضاً على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي استيعاب هذا التدفق من طالبي اللجوء واللاجئين بتأشيرات هجرة خاصة طارئة من النوع الذي أُتيح للمواطنين الأفغان الفارين من سيطرة مقاتلي طالبان على بلادهم في الصيف الماضي. ثمة حاجة أن يتقاسم أعضاء الناتو العبء الذي يفرضه هذا التدفق. لا يمكن أن نتوقع من دول الجناح الشرقي لحلف الناتو العمل بمفردها.

المشكلة أن استبعاد واشنطن للرد العسكري أضعف موقفها

على الرغم من أنَّ إدارة بايدن قد تعاملت مع عملية المفاوضات الوهمية مع روسيا على نحو جدير بالإعجاب، حسب وصف التقرير، إلا أنه يقول ستظل المُحصّلة النهائية مجموعة من الفرص الضائعة. لقد وضعت واشنطن نفسها في موقف ربما يفشل فيه تحقيق الردع إذا لم تهدد بالتصعيد العسكري. 
ومع ذلك، تبدو خيارات الردع اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه العام الماضي أو الشهر الماضي أو حتى الأسبوع الماضي. كان التزام الولايات المتحدة بالسلام والقرارات الدبلوماسية خلال هذا الوقت جديراً بالثناء، لكن إدارة بايدن أضاعت فرصة لتجنّب أزمة على الجانب الشرقي من أوروبا بسبب التركيز على الدبلوماسية دون تركيز مماثل على أدوات القوة الصلبة. بعد فوات الأوان، كان من الممكن أن يؤدي رد أمريكي أقوى على التعزيزات العسكرية التي نشرتها روسيا على طول حدودها مع أوكرانيا في أبريل/نيسان الماضي إلى إحداث تغييرات استباقية في وضع القوة من خلال إدخال مساعدات عسكرية فتّاكة إلى أوكرانيا، والتي ربما كانت ستؤثر على حسابات الكرملين. 
تجد واشنطن نفسها الآن تواجه روسيا بقدرة محدودة على الردع وممارسة الضغوط بسبب الانتظار حتى اللحظة الأخيرة للجوء إلى نوع الردود الشاملة التي هي قيد الدراسة حالياً.

والرئيس الأوكراني في مأزق داخلي

أصبح العالم على شفا أكبر غزو عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. بالنظر إلى المصالح القائمة حالياً لأصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين، من غير المرجح أن تقرر الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا تغييراً كبيراً في نهجها الحالي تجاه الوضع القائم. لا ترغب واشنطن في استخدام القوة الصلبة لردع روسيا ولن تتراجع عن المبادئ أو القيم التي تتبناها منذ عقود. 
على الجانب الأوكراني، أصبح موقف الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، هشاً للغاية بالفعل نظراً لانخفاض معدلات تأييده وفشله في تنفيذ خطة ثنائية لخفض التصعيد مع روسيا وتركيزه على محاكمة الرئيس السابق بيترو بوروشنكو، بشبهة الخيانة وتقليله من التهديد الروسي الحالي لبلاده. لكن الاستسلام لروسيا سيكون بمثابة انتحار سياسي بالنسبة لزيلينسكي. وحتى إذا غيّرت واشنطن أو كييف موقفهما، فلا يوجد ضمان بأنَّ هذا التغيير سيرضي موسكو وتُخفّف من حدة التصعيد.
سيصبح المشهد الجيوسياسي أكثر تحدياً للأمن القومي الأمريكي في اللحظة التي تبدأ فيها الحرب. ينبغي لواشنطن افتراض الأسوأ والتخطيط وفقاً لذلك، مستفيدة من جميع عناصر قوتها لحماية المصالح الأمريكية. يجب أن تحافظ إدارة جو بايدن على توازن دقيق، بحيث تتجنّب مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا بينما تضمن معاقبتها على خلق هذا الواقع الجديد القاسي. لا يوجد في الوقت الحالي أهم من إنجاز هذه المهمة.