السبت 23 تشرين الثاني 2024

تنظيم “الدولة” لا يزال تهديدا وسخر من أعدائه الذين قالوا “لقد عاد مرة أخرى!”


النهار الاخباريه وكالات

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز” تقريرا لمدير مكتبها في بيروت بن هبارد أشار فيه إلى عودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش”. وقال فيه إن انتعاشه في المناطق غير المستقرة يعني أنه لا يزال يمثل تهديدا. فالتنظيم الجهادي وإن لم يكن قادرا على التمكن من أراض كما فعل في الماضي إلا أنه أثبت قدرة على انتهاز الفرص والقيام بعمليات عسكرية.
وأضاف أن التنظيم نشر روايته بعد أسبوع من سيطرته على سجن في شمال- شرق سوريا حيث صمد مقاتلوه لعدة أيام رغم محاولات القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة استعادة السجن والمناطق المحيطة به. ففي المجلة الرسمية له سخر من المرات التي أعلن فيها أعداؤه نهايته. وأدى هجوم السجن من الأعداء مرة ثانية على "الصراخ بإحباط”: "لقد عادوا مرة ثانية”.
ويعلق بن هبارد قائلا "لم يكن الوصف غير صحيح بالكامل”.

 فمعركة السجن في مدينة الحسكة والتي قتل فيها المئات من الأشخاص وجرت القوات الأمريكية إليها قدمت تذكيرا قاتما وبعد ثلاثة أعوام من انهيار التنظيم أنه لا يزال قادرا على بذر الفوضى والعنف. فحتى يوم السبت كان 60 مقاتلا يسيطرون على أجزاء من السجن.

وفي العراق، قتل مقاتلو التنظيم 10 جنود عراقيين ونشروا فيديو ذبح ضابط شرطة. وفي سوريا قاموا باغتيال عدد من القادة المحليين وابتزوا أصحاب الأعمال حتى يمولوا عملياتهم. وفي أفغانستان، أدى خروج القوات الأمريكية من هناك لتحويل مسار المعركة إلى حرب مع حركة طالبان التي سيطرت على البلاد وبنتائج كارثية على المواطنين الذين وجدوا أنفسهم بالوسط.
ولم يعد تنظيم الدولة الذي سيطر على منطقة بحجم بريطانيا وغطت مساحات في العراق وسوريا، بنفس القوة التي كان عليها، إلا أن الخبراء يعتقدون أنه ينتظر ويراقب حتى تحين الفرصة في المناطق  غير المستقرة والعودة. وقال كريغ وايتسايد، الأستاذ المشارك في كلية البحرية الأمريكية والذي تابع الجماعة "لا توجد نهاية للعبة الأمريكية في
 سوريا أو العراق، والسجن هو مثال واحد على فشل العمل باتجاه حل طويل الأمد” و”هي مسألة وقت قبل أن تحين الفرصة لتنظيم الدولة وكل ما عليهم عمله هو الانتظار لحين ذلك”.

ويعود تاريخ التنظيم إلى التمرد أثناء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ووصل ذروته في عام 2015 عندما سيطر على عدة مدن في العراق وسوريا وجذب آلافا من المقاتلين الذين جاءوا من الصين وأستراليا وفرنسا وأدار شبكة دعائية متقدمة وجه من خلالها هجمات في باريس وسان بيرناندينو وبرلين.

وقادت الولايات المتحدة تحالفا لهزيمة التنظيم ودعمت مقاتلين أكراد حتى تم دحرهم من معقلهم الأخير في باغوز عام 2019. ومنذ ذلك الوقت تحولت المنظمة إلى تنظيم غير مركزي حسب خبراء الإرهاب. فالهجوم على السجن الأسبوع الماضي يشير إلى أن القيادة العليا في التنظيم أعطت "الضوء الأخضر” حسبما يقول وايتسايد، فقدرة التنظيم على تعبئة عشرات المقاتلين واقتحام السجن والذي شك الأمريكيون وقوات سوريا الديمقراطية ولوقت طويل أنه هدف، كان إنجازا كبيرا وانقلابا في الدعاية له مهما كانت نتيجة المعركة

وقال مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن اسمه إن الهدف المحتمل للعملية كان تحرير قادة بارزين ومن صف الوسط ومقاتلين يتمتعون بمهارات معينة مثل صنع المتفجرات. وقدر المسؤولون هروب حوالي 200 سجين. ولم تؤكد قوات سوريا الديمقراطية   العدد وقالت إنها لا تزال تحاول تقييم الوضع.

وحاول التنظيم إعادة بناء نفسه، وحرمه مقتل أبو بكر البغدادي في عام 2019 من شخصية جامعة، ذلك أن خليفته أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، شخصية غير معروفة بشكل كبير. وحرم التنظيم من المقاتلين الأجانب بسبب القيود على الحدود وكذا من المدن الكبرى نتيجة للمداهمات التي يتعرض لها عناصره، وهو ما اضطره للانسحاب إلى الهوامش.

وفي العراق راكم التنظيم من هجماته في عامي 2019 و 2020 ولكن عملياته لم تكن ناجعة سواء من ناحية الكمية أو النوعية، وذلك حسب تحليل معمق قام بها مايكل نايتس وأليكس ألميديا نشر هذا الشهر. وجاء في التحليل "في الوقت الحالي، ومنذ بداية 2020 يعاني تنظيم الدولة الإسلامية في العراق من تراجع كبير وبعدد من الهجمات المسجلة ينافس أدنى عدد مسجل على الإطلاق”.

وأشارا إلى عدة عوامل لهذا التراجع، منها الوجود الأمني الواسع في المناطق الريفية والكاميرات الحرارية التي تكتشف حركة المتشددين في الليل والحملات الأمنية المتكررة والغارات الجوية المتكررة لاغتيال القادة. ولم يتحدث الكاتبان عن مستقبل التنظيم لكنهما اقترحا أنه قد وفر مصادره للفرصة التي تحين له ويتحرك.

وقبل هجوم الحسكة الأسبوع الماضي، هرب المقاتلون إلى المناطق الصحراوية في الشرق وغير المأهولة بشكل واسع من أجل التخطيط لهجمات ضد الأكراد والحكومة السورية. وفي الفترة ما بين 2018- 2021 زاد من عمليات اغتيال القادة المحليين

والرموز العشائرية وقتل أكثر من 200 شخص، حسب دراسة "دير الزور24” وهي شبكة للناشطين.

وقام في الفترة الأخيرة بابتزاز رجال الأعمال المحليين من أجل المال ووزع المنشورات ضد قوات سوريا الديمقراطية والأمريكيين وقام بسلسلة من الهجمات ضد نقاط تفتيش معزولة والتي تخلى عنها لاحقا، حسب دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية. وقالت "الواقع هو أن الأمر ساء في 2021، ليس بسبب الهجمات المتكررة ضد نقاط التفتيش ولكن للهجمات التي أدت لتخويف قوات الأمن وأبعدتها عن نقاط التفتيش”.

وأضافت عوامل أخرى منها فشل قوات سوريا الديمقراطية ببناء علاقة قوية مع السكان المحليين في المناطق التي يسكنها العرب وكذا الحدود المفتوحة والفقر الذي يسهل من عمل الجهاديين وتهريب الأسلحة والناس في المناطق التي تعاني من فوضى أمنية. وتابعت أن المشاكل المالية التي واجهت قوات سوريا المالية والإدارة التابعة لها والتوغل التركي عام 2019 والحديث عن سحب 700 جندي أمريكي أعطت الجهاديين مساحة للتحرك.

وقالت إن "تنظيم الدولة هو حركة تمرد محلي وربما لم تكن تهديدا عابرا للدول” و”لكن لو كان هناك فراغ من نوع ما في سوريا، فهو المكان الذي تنتعش به هذه الحركات، وعند هذه النقطة تتحول لتهديد خارجي”.
والشيء الوحيد الذي لم يكن تنظيم الدولة قادرا على عمله منذ 2019 هو السيطرة على المناطق، وعملية سجن الحسكة لا تغير من هذا الواقع.
ويرى وايتسايد "خلافا للرأي السائد، هذا لا يحرك الإبرة ولو قيد أنملة ولا يعطيهم القوة على تحقيق السيطرة على السكان”. وفي الأحياء القريبة من السجن قامت القوات الأمريكية بمساعدة الأكراد على تمشيط البيوت عن مقاتلي التنظيم. ويقول السكان إنهم قفزوا من فوق بيوتهم. ومع ذلك يظل هجوم السجن أكبر عملية للتنظيم منذ 2018 وهذا أمر ليس مفاجئا.

فالسجن هو في الحقيقة معهد تدريب تم تعزيزه بأسلاك شائكة وليس المبنى الصالح لاحتجاز مقاتلين اعتمدوا على اقتحام السجون لزيادة صفوفهم وكان هدفا للتنظيم.