الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تدهور الاقتصاد أذكى غضب التونسيين على الطبقة السياسية


في إحدى أسواق الخضار والغلال في منطقة حي ابن خلدون الشعبية بالعاصمة تونس، تتنقل زينب (45 سنة) وهي أم لثلاثة أطفال من بائع إلى آخر، تقلب البضاعة وتستفسر عن الأسعار، ثم تتذمر وتذهب في حال سبيلها، ثم تعود مرة أخرى إلى البائع الذي يعرض بضاعته بأرخص الأثمان، وعلى الرغم من أنها ليست طازجة، فإن زينب ليس لديها أي خيار آخر حتى تتمكن من ملء سلتها من أجل أطفالها، فتبدأ باختيار بعض الحبات من الطماطم والفلفل والبطاطس والبصل وقليل من لحم الدجاج، أي أنها اقتنت الضروري لتحضير طبق الفطور. 
تقول زينب التي يظهر على وجهها التعب والحيرة، "خلال السنوات الأخيرة لم أعد أستطيع شراء كل ما أشتهيه وكل ما يطلبه أطفالي"، وتضيف بأسف شديد، "على الرغم من أنني أعمل موظفة وزوجي أيضاً، فإننا لم نعد نستطيع توفير كل حاجاتنا الأساسية". وتستدرك زينب قائلة "قبل سنوات كنا في أفضل حال، لم نكن نشعر بهذا الاحتياج، لكن اليوم أصبحنا فقراء بسبب السياسيين الفاشلين الذين اهتموا بصراعاتهم السياسية ومصالحهم الضيقة وتجاهلوا هموم الشعب"، لكن هناك بريقاً من الأمل تراه زينب، فلم تخف استبشارها من قرارات الرئيس التونسي الذي رأت أنه، أخيراً، سمع صوت الشعب بعد أن فقد الأمل.
صباح جديد 
في جهة أخرى من السوق، يدفع العم صالح، جامع قوارير بلاستيكية، عربته المحملة بالمئات منها، وهو يوازي عربته ليحافظ على توازنها، ومن حين لآخر يقف ليتفقد نعله القديم في توازن بين العربة وثبات الخطوات حتى لا يتهاوى.
يقول العم صالح، الذي يواصل جمع القوارير من مكان إلى آخر من أجل توفير قوت يومه وتوفير ثمن دواء قلبه العليل، "اليوم ننتظر صباحاً جديداً في تونس، لعلنا نرجع إلى سالف عهدنا، ونعيش في هذا البلد بكرامة بعد رحيل تجار الدين".
ويبدو أن القلق الأكبر للتونسيين في 2021 هو تراجع قدرتهم الشرائية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد ما جعلهم يثورون على طبقة سياسية يعتقدون أنها السبب فيما وصلت إليه الأمور.
وقد انخفضت هذه القدرة الشرائية بشكل عام بنحو 4 في المئة بين عامي 2011 و2018 وانكمشت الطبقة الوسطى وفقدت 40 في المئة من قدرتها الشرائية، ومن الجدير ذكره، أن الطبقة الوسطى التي تميز المجتمع التونسي تلاشت وأصبحت تقترب إلى الفقر بسبب التراجع الاقتصادي الذي عرف ذروته بعد أزمة كورونا وتدهور الوضع السياسي.
يذكر أن احتجاجات كبرى اجتاحت تونس يوم عيد الجمهورية وسبقت قرارات وصفت بالتاريخية، جمد على أثرها رئيس الجمهورية قيس سعيد أعمال مجلس نواب الشعب وعزل الحكومة الموالية لحركة "النهضة" وحلفاءها في البرلمان. 
أزمة البطالة تتفاقم في تونس
الرئيس التونسي: لا مجال للتلاعب بالدولة ونستمد ثقتنا من التوكيل الشعبي
الرئيس التونسي: 460 شخصا بالأسماء نهبوا المال العام

وفي أول قراراته، سمع قيس سعيد صوت الشارع، ودعا التجار إلى خفض الأسعار، ونبه المضاربين والمحتكرين لإخراج السلع المخزنة وتوزيعها في السوق للضغط على الأسعار.
لهيب الاحتجاجات 
ولمزيد من التعرف على الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي سرّع بإسقاط المنظومة الحاكمة، يقول الصحافي المتخصص في الاقتصاد صلاح الدين كريمي، "مما لا شك فيه أن لكل من الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي الدور الكبير في دعم عدد كبير من التونسيين لإجراءات رئيس الجمهورية الأخيرة بسبب ما يعيشونه من أزمات اقتصادية متتالية، كالغلاء في الأسعار، وارتفاع نسب البطالة، وتراجع القدرة الشرائية مع تسجيل اقتصاد البلاد تراجعاً قياسياً بنسبة 8.8 في المئة في 2020 بسبب تداعيات جائحة كورونا، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.1 في المئة خلال الربع الرابع من العام الماضي على أساس سنوي. ولم تتجاوز نسبة النمو المسجلة للاقتصاد التونسي في كامل عام 2019 أي قبل الجائحة 0.9 في المئة، وهو ما يؤكد عدم قدرة الحكومات المتعاقبة منذ 2011 للنهوض بالاقتصاد التونسي".
يضيف كريمي، "هذه الأحداث تأتي في تونس بعد انكماش في الناتج المحلي الإجمالي التونسي بنسبة 3 في المئة في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بالعام الماضي، ما يظهر تأثير جائحة فيروس كورونا بخاصة على القطاع السياحي الذي يمثل نحو 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، ويعد مصدراً رئيساً للعملة الأجنبية".
معدلات البطالة
كما ارتفعت معدلات البطالة ووصلت إلى 17.8 في المئة مع توقعات ببلوغها نسبة 18.5 في المئة نهاية العام، إلى جانب العجز المالي البالغ 11.4 في المئة وعدم تقديم مشروع ميزانية تكميلي من قبل وزارة المالية التونسية للبرلمان إلى حدود تجميد أعماله قبل أيام، تزامناً مع سعي الحكومة التونسية للحصول على موافقة صندوق النقد الدولي على قرض تبلغ قيمته 10.9 مليار دينار (4 مليارات دولار) لفترة 3 سنوات، مقابل تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي يقرها الصندوق تقوم أساساً على إصلاح منظومة الدعم وخفض كتلة الأجور للعاملين في الدولة إلى 15 في المئة من جملة الناتج المحلي الإجمالي في 2022 مقابل 17.4 في المئة في 2020، إلا أن تطبيق هذه الشروط سيساهم في دعم الدخول لتقليص بنحو 25 في المئة من نسب الفقر في البلاد التي يتوقع أن ترتفع إلى 19.2 في المئة بسبب أزمة جائحة كوفيد-19 مقابل 15.2 في المئة حالياً.
ويرى كريمي أن لهيب الاحتجاجات لم يخمد على الرغم من الجائحة لتسجل تونس في النصف الأول من هذا العام 6800 تحرك احتجاجي، وفقاً لما كشف عنه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل أيام.
كما سجلت نسبة التضخم عند الاستهلاك ارتفاعاً مهماً بلغ نسبة 5.7 في المئة الشهر الماضي ليرتفع بنسبة 0.7 في المئة دفعة واحدة مقارنة بالشهر الذي سبقه بسبب الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية، ونسق أسعار مجموعة النقل، وأسعار مجموعة المطاعم والمقاهي والفنادق، وفق إحصاءات المعهد الوطني للاستهلاك. مع تراجع نسبة الادخار لدى الشعب التونسي نحو 4 في المئة في 2020 مقابل 20 في المئة في 2010.