السبت 23 تشرين الثاني 2024

السودان: من سيسقط «شراكة الدم»

النهار الاخباريه وكالات

تقدم رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك وعدد من الوزراء التظاهرات المطالبة بحماية الثورة، وذلك في رد على مظاهرات أخرى بدأت قبل أيام (16 تشرين أول/ أكتوبر) تطالب بحل الحكومة، ورغم هذه الشعارات العامّة فالواقع الملموس يقول إن السبب الرئيسي الكامن وراء هذه التظاهرات المتواجهة هو منع تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، كما كان متفقا عليه في «الوثيقة الدستورية».
مظاهرات 16 تشرين أول/أكتوبر، بهذا المعنى، كانت إعلانا واضحا عن امتلاك العسكر السودانيين للمبادرة والقدرة على إظهار تفكك في معسكر المدنيين، وذلك عبر وضع بعض المنشقين على «قوى الحرية والتغيير» وبعض حركات المعارضة المسلّحة، في شكل الداعي للتظاهرات والاعتصامات، فيما تكفّل العسكر، من وراء الكواليس، (وأغلب الوقائع تشير إلى دور لـ«حميدتي» قائد «وحدات الدعم السريع») بتقديم «الدعم السريع» الماليّ لتلك الفعاليات، وتأمين عمليات نقل أعداد من مواطني الأقاليم إلى خيام الاعتصام، بحيث استدعى تقديم الموائد العامرة توصيفات إعلامية ساخرة من قبيل وصف ما يحصل بـ«اعتصام القصر الفاخر».
رغم المماحكات، والتنافس الغامض، بين القطبين العسكريين الأكبرين، عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، ومحمد حمدان دقلو «حميدتي» رئيس وحدات «الدعم السريع» فقد حافظ العسكر، مضطرين، على تماسك تساهم فيه عوامل عديدة، يقف على رأسها طبعا، الحفاظ على المصالح والامتيازات التي راكموها، إضافة إلى أن تسليم الرئاسة للمدنيين، يحمل في طيّاته إمكانية محاسبة العسكر على قضايا كثيرة منها مسؤوليتهم عن الجرائم التي حصلت خلال عملية فض اعتصام «القيادة العامة» عام 2019، كما أن وصول حكم مدنيّ فعلا إلى امتلاك السلطات العامّة، بما فيها التحكم بالجيش والشرطة والمخابرات، يمكن أن يؤدي إلى فتح أبواب أخرى كثيرة تبدأ بقضايا الاقتصاد والفساد والذهب وشركات الجيش وقد تصل إلى مسؤولية البرهان وحميدتي عن تجاوز المنظومة السياسية السودانية في قضايا كالاتصال المباشر والتنسيق مع إسرائيل.
يجب الحديث، في المقابل، عن أن الأحزاب السياسية المدنية، غير قادرة بطبيعتها، على الاتفاق التامّ، وجل ما يمكن أن تفعله هو أن تقوم بالتنسيق والتحالف الواسع فيما بينها، بحيث تعبّر عن القاسم المشترك الأعظم لمصالح الأحزاب والتجمعات المهنية والنقابات، ورغم ذلك فهي لا تستطيع توفير غطاء يشمل الجميع، كما أن طول المسار السياسي، والأزمات الاقتصادية والمعيشية ستترك أثرها على قطاعات بائسة أو مهمّشة تدفعها نقمتها للكفر بالعملية السياسية والأحزاب حتى لو عنى ذلك تأييد حاكم دكتاتوري.
لا يخفى على السودانيين، ولا الدول الراعية للعملية الانتقالية، أن العسكر تائقون لعودة الحكم الدكتاتوري، غير أنهم يدركون أن المسار السياسي الذي تمكنت حكومة عبد الله حمدوك من قطعه، بحيث تمكن السودان من الخروج من عواقب كارثية على الاقتصاد، كما تمكن من العودة للمنظومة السياسية العالمية مما سمح بإعفائه من ديون كبرى، ومن عقوبات كانت تكبّل منظومته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
العودة للحكم العسكري، بهذا المعنى، سيعني عودة السودان إلى العقوبات السياسية والاقتصادية، وإلى أشباح المخابرات والاعتقال والتعذيب، وإلى الحكم المطلق الذي سبق له أن قسم البلاد، وارتكب المجازر، وأدخل السودان في دائرة مغلقة من الفساد والإجرام والعقوبات والفقر والتفكك.