تحمل زيارة سلطان عمان "هيثم بن طارق" للسعودية، كأول محطة خارجية له منذ توليه مقاليد الحكم في يناير/كانون الثاني 2020، دلالات هامة، في توقيت حساس تعيد فيه المملكة ضبط بوصلة علاقاتها الخارجية، بعد المصالحة الخليجية، مطلع العام الجاري.
وتزخر زيارة سلطان عمان، على مدار يومي الأحد والاثنين، بأجندة حافلة من اللقاءات، وجملة من الأهداف، وسط ترحيب رسمي كبير من السعودية، ورغبة في الارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وتصدرت أعمال القمة بين البلدين الخليجيين، لقاء سلطان عمان، بالعاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، وولي عهده الأمير "محمد بن سلمان"، في مدينة "نيوم"، غربي المملكة.
حرب اليمن
وتكتسب زيارة "بن طارق" للمملكة، أهمية كبيرة، كونها ترتبط بوساطة تلعبها مسقط لإنهاء حرب اليمن، التي دخلت عامها السابع على التوالي، دون أفق للحل، مكبدة المملكة خسائر فادحة.
وتقود عمان، جهود وساطة لإقناع الحوثيين بقبول وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام، ترجمته في إيفاد وفد عماني إلى صنعاء للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، في 5 يونيو/حزيران الماضي.
والتقى الوفد العماني شخصيات حوثية بارزة، من بينهم زعيم الميليشيا "عبدالملك الحوثي"، ضمن سياق مدعوم بتوافق أممي سعودي أمريكي حول ضرورة دعم الجهود لحل الأزمة اليمنية نهائيا.
وتأمل الرياض، دعما عمانيا في الحد من تسريب الأسلحة الإيرانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي في اليمن وتتواجد بها منافذ بحرية.
وخلال الشهور الماضية، كثفت مسقط جهودها المتمثلة في تنسيق لقاءات على مستوى منخفض بين التحالف العربي والحوثيين، إضافة إلى تنظيم سلسلة من اللقاءات بين مسؤولين دوليين وغربيين والحوثيين.
وتحظى عمان بعلاقات جيدة مع جماعة "الحوثي"، وكذلك مع إيران الداعمة لها، فضلاً عن علاقات قوية مع السعودية، وهو ما يمكنها من إحداث خرق في عدد من الملفات الصعبة.
ويبدو وفق مراقبين أن الزيارة بصدد وضع اللمسات الأخيرة بشأن تفاهمات تفضي إلى وقف استهداف الأراضي والمطارات السعودية، مقابل تخفيف الحصار المفروض على صنعاء، والانخراط في تنفيذ خارطة طريق نحو حل سياسي للأزمة بشكل نهائي.
نووي إيران
ويفرض الملف النووي الإيراني نفسه على طاولة المباحثات السعودية العمانية، بالتزامن مع استمرار مفاوضات فيينا، وقرب رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران منذ العام 2018.
ولا شك أن الرياض تتأهب لهذا الخيار، عبر إعادة تموضعها مع المستجدات الجديدة الوافدة ضمن توجهات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد "جو بايدن".
ويرى المحلل السياسي السعودي "عبدالرحمن الملحم"، أن الملف الإيراني سيكون ساخنا، بالنظر إلى علاقة السلطنة بإيران سياسيا وعسكريا أيضا، حيث سبق وأن أجرى البلدان مناورات عسكرية مشتركة، بحسب موقع "الحرة".
وتطالب السعودية باتفاق أقوى لفترة أطول يراعي مخاوف الخليج بشأن برنامج إيران الصاروخي، ويوقف دعم طهران لجماعات تحارب بالوكالة في أنحاء المنطقة.
وقد تكون مسقط محطة ثانية بعد بغداد التي استضافت سرا جولة من الحوار السعودي الإيراني، أبريل/نيسان الماضي، في محاولة لنزع فتيل التوترات منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في 2016.
وتروج صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا" الإيطالية لاحتمالية نقل مكان الاجتماع السعودي الإيراني من العراق إلى عُمان، بعد أن زار وزير خارجية المملكة "فيصل بن فرحان" السلطنة، الشهر الماضي.
ويبدو أن هناك رغبة سعودية بنقل المفاوضات السعودية الإيرانية من بغداد إلى مسقط، كون عمان وسيط أكثر نزاهة، ويقف على مسافة متساوية من كلا الجانبين، فضلا عن ثقل الدبلوماسية العمانية في أداء هذا الدور، والقدرة على إحداث خرق في الملفات الصعبة، وتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة.
ويقول الكاتب والصحفي العراقي "إياد الدليمي" لـ"الخليج أونلاين"، إن مسقط هي الخيار الأنسب لكلا البلدين، في ظل ما تتمتع به سلطنة عُمان من علاقات طيبة مع كلا الدولتين، إيران والسعودية، بالإضافة إلى الحنكة العمانية والمشهود لدبلوماسيتها في التعامل مع مثل هذه الملفات الشائكة بشكل أقدر على إيجاد نقاط التقاء تسمح بهدنة إقليمية تسهم في تعزيز الاستقرار بالمنطقة.
احتجاجات صحار
ويطل الداخل العماني على طاولة اللقاء بقوة، بعد احتجاجات في مدينة صحار، شمالي السلطنة، واشتباكات مع الشرطة، في مايو/أيار الماضي.
بعدها بأيام، أجرى العاهل السعودي اتصالا هاتفيا بالسلطان "هيثم"، ويُرجح أنه تطرق للوضع الداخلي في البلاد، وسبل دعم مسقط لتفادي موجة جديدة من الربيع العربي في بلد خليجي مجاور.
وتعد الاحتجاجات العمانية النادرة ضد البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، جرس إنذار للسعودية، التي من المؤكد أنها ستسعى لدعم مسقط، وسلطانها الجديد، لكسب لجانبها من ناحية، ومنع انهيار السلطنة من ناحية ثانية.
ويعاني اقتصاد عمان، الذي تعرض أيضا لصدمة جائحة فيروس "كورونا"، من مستويات مرتفعة للديون، وقد استحدثت السلطنة ضريبة للقيمة المضافة للمرة الأولى، ضمن سلسلة إصلاحات تهدف لضمان الاستدامة المالية، أبريل/نيسان الماضي.
وتتوقع السلطنة عجزا قدره 2.24 مليار ريال (5.82 مليار دولار) في ميزانية 2021، وتستهدف الحكومة العمانية اقتراض حوالي 1.6 مليار وسحب 600 مليون من احتياطياتها لتمويل العجز.
التعاون الثنائي
وفق السفير العماني لدى الرياض، "فيصل بن تركي آل سعيد"، فإن الفترة القادمة ستشهد توقيع العديد من اتفاقيات التعاون الثنائي بين السلطنة والسعودية.
ويبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين السعودية وعمان 3.36 مليارات دولار، وهناك رغبة من الطرفين لزيادة حجم التعاون، وإقامة المنطقة الصناعية السعودية على الأراضي العمانية عند المنفذ الحدودي بين البلدين.
ويسعى الجانبان إلى إحياء مشروع مد خط أنابيب من السعودية إلى منطقة الدقم، حيث تبني السلطنة منطقة صناعية تتكلف عدة مليارات من الدولارات على الساحل الجنوبي للبلاد.
وتسعى عمان لتحويل الدقم، التي كانت يوما ما مجرد قرية للصيد تبعد 550 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة مسقط، إلى مرفأ ومركز صناعي مهم في منطقة الشرق الأوسط.
ووفق المخطط له، سيسهل الميناء المطل على المحيط الهندي، الوصول إلى موانئ تتصل بمنطقة الخليج عبر شبكة من الطرق، كما سيحد من الحاجة لإرسال السفن عبر مضيق هرمز، قبالة ساحل إيران، بين وقت وآخر.
ومن المتوقع إعلان موعد فتح الطريق البري الذي يمتد لـ800 كيلومتر، بين الرياض وغرب عمان، والذي سيسهم في تسريع وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، وفتح الطريق أمام حركة البضائع من المملكة مرورًا بالطرق البرية في السلطنة وصولا إلى موانئها، ومنها إلى مختلف دول العالم.
أجندة سياسية واقتصادية زاخرة تحكم القمة السعودية العمانية في "نيوم"، وسط توقعات من كل طرف بجني مكاسب لا تخطئها العين، لعل أبرزها إقليميا نزع فتيل الحرب في اليمن، ووقف التوتر المتصاعد بين الرياض وطهران عبر بوابة مسقط.