الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الاستيطان والتهويد في القدس.. الاستهداف الصهيوني المتمدد

صعّدت سلطات الاحتلال من العطاءات الاستيطانية وعمليات التهويد خلال السنوات القليلة الماضية، في مختلف مناطق القدس المحتلة، مستغلةً موقف الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاستيطان ودعمها له، وبحسب مصادر الأمم المتحدة أطلقت أذرع الاحتلال أعمال البناء ووضعت خططاً لأكثر من 12 ألف وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة في سنة 2020، وبحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية فإن أعداد الوحدات الاستيطانية في سنة 2020، هي الأكبر منذ بدأت المنظمة متابعة الاستيطان في سنة 2012.

وسعياً منها لاستهداف الوجود الفلسطيني في المدينة المحتلة، صعّدت سلطات الاحتلال من إصدار قرارات سحب الهويات الزرقاء الخاصة بالمقدسيين في سنة 2020، وبحسب "مركز الدفاع عن الفرد- هموكيد" الإسرائيلي، سحبت وزارة الداخلية الصهيونية الهويات الزرقاء من 18 فلسطينيًّا من القدس المحتلة، ليصل عددهم إلى 14,701 خلال الفترة 1967-2020.

ويُشكل الاستيطان واحداً من أبرز أدوات الاحتلال لتحقيق تغيير ديموغرافي مباشر في التركيبة السكانية للقدس، فقد كشف المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن سلطات الاحتلال صعدت نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وبحسب المكتب بلغت أعداد الوحدات الاستيطانية التي أقرها الاحتلال في السنوات الثلاث الأولى لترامب نحو 7 آلاف وحدة سنويًّا، أي ما يقرب من ضعف الوحدات الاستيطانية التي أقرت في السنوات الثلاث التي سبقتها في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، والتي فاقت 3,600 وحدة.

ولم تقف محاولات الاحتلال عند تقديم العطاءات الاستيطانية، وإقرار مخططات تطوير المستوطنات وتوسيعها فقط، بل شهدت نهاية سنة 2020 محاولة كنيست الاحتلال تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية، ففي 16/12/2020 وافقت أغلبية أعضاء "الكنيست" بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون "يسوّي" وضع المستعمرات والأحياء الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس المحتلة، وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية سيسوي القانون أوضاع بؤرة 65 استيطانية.

وإلى جانب التشريعات القانونية، قدمت حكومة الاحتلال دعمها للاستيطان في المناطق المحتلة، عبر الدعم المالي الضخم للمشاريع الاستيطانية، ومثال على ذلك مصادقة حكومة الاحتلال في منتصف آب/ أغسطس على خطة اقتصادية بقيمة 8.5 مليار شيكل (نحو 2.4 مليار دولار)، خُصص معظمها للتوسع الاستيطاني. وصادقت حكومة الاحتلال في 22/12/2020 على تحويل منحة مالية أمنية إلى مستعمرات الضفة الغربية المحتلة لتعزيز حمايتها، تتضمن 34.5 مليون شيكل (نحو 11 مليون دولار)، إضافة إلى 5.5 مليون شيكل (نحو 1.7 مليون دولار) لتدعيم السلطات المحلية في تلك المستعمرات.

وبالتوازي مع ذلك، تعمل سلطات الاحتلال على تطوير البنية التحتية التي تدعم الاستيطان، وتسهل حياة المستوطنين؛ لاستيعاب المزيد من أعداد المستوطنين، وتعزيز الفصل التام بين المستوطنين والفلسطينيين خاصة في شبكات الطرق والأحياء السكنية. وشهدت السنوات القليلة الماضية إطلاق عدة مشاريع تطوير شبكات المواصلات، وتطوير مناطق في مستعمرات القدس المحتلة، لجذب المزيد من المستوطنين إلى المدينة المحتلة من جهة، وتعمل على تطبيق المزيد من الفصل بين المناطق الفلسطينية، وتلك التي يقطنها المستوطنون. وأبرز هذه المشاريع على الإطلاق مشروعي "القطار الخفيف" بتكلفة قد تصل إلى 5.1 مليار شيكل (نحو 1.5 مليار دولار)، و"القطار السريع" بتكلفة قد تصل إلى 2.3 مليار شيكل (نحو 700 مليون دولار).

وفي السياق نفسه، أعلنت وزيرة المواصلات في حكومة الاحتلال ميري ريغيف في كانون الأول/ ديسمبر 2020 خطة استراتيجية لتطوير شبكة المواصلات بين مستعمرات الضفة الغربية المحتلة، تمتد على ثلاث مراحل، تنتهي في سنة 2045، وتشمل إقامة شوارع التفافية تصل بين المستعمرات، وشوارع أفقية وعمودية جديدة.

وإلى جانب ذلك، تعمل سلطات الاحتلال على تنفيذ مشاريع استيطانية لتعزيز البنية التجارية والسياحية في المناطق الاستيطانية، ومن أبرزها مشروع استيطاني، من أضخم المشاريع في الشرق الأوسط، سيُقام في المنطقة التي تضم مركز المؤتمرات "مباني الأمة" على مدخل القدس المحتلة، وستبلغ كلفة المشروع نحو 1.8 مليار شيكل (نحو 500 مليون دولار أمريكي).

وفي الإطار نفسه، شهدت الفترة الماضية تسارع في عملية مصادرة ممتلكات المقدسيين وعقاراتهم، والاستيلاء عليها، في محاولة من الاحتلال للسيطرة على أراضي المقدسيين وعقاراتهم، في أنحاء المدينة المحتلة المختلفة، بتنسيق كامل بين محاكم الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، والأذرع الأخرى الأمنية والعسكرية.

ولم تسلم أيضاً قطاعات أخرى في المدينة المقدسة من إجراءات التهويد، فقد استهدفت المقابر الإسلامية، وتجار القدس، ومدارس وكالة الأونروا، وأغلقت المؤسسات الفلسطينية في المدينة، وقمعت معظم الفعاليات الخاصة بالمقدسيين.

إن هذه المخططات الاستيطانية المتتابعة تهدف إلى فرض واقع سياسي وديموغرافي وحضاري، يؤدي إلى تهويد المدينة، وتغيير طابعها، وتكريس الوجود الاحتلالي فيها، وفصلها عن محيطها، وزيادة معاناة أهلها اقتصادياً واجتماعياً.

وهذا يتطلب جهوداً سياسية واقتصادية، فلسطينية وعربية ودولية، رسمية وشعبية، بهدف المحافظة على المدينة وطابعها العربي، وتثبيت أهلها، ودعم صمودهم اجتماعيًّا واقتصاديًّا، وتنمية المجتمع، وتوفير مظلة سياسية وقانونية لحماية القدس وأهلها.