الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

أسباب إقالة رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني.. وماهي سيناريوهات المحتنمله بعد الاقاله


النهار الاخباريه وكالات

كان حسين طائب، رئيس جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، أحد أفراد الدائرة الضيقة المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي، فلماذا تمت إقالته بتلك الطريقة المفاجئة؟
نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً يتناول كواليس تلك الإقالة بعنوان "لماذا أقال المرشد الإيراني علي خامنئي رئيساً وفياً للاستخبارات؟"، أعده سعيد جولكار، أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي الأمريكية بمدينة تشاتانوغا، وكسرى أعرابي، الباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط.
وللوهلة الأولى بدا أن إقالة حسين طائب مرتبطة بالإخفاقات المتتالية التي واجهتها إيران في حربها المستترة والسرية مع إسرائيل، والتي كان آخرها اغتيال صياد خدايي، أحد ضباط الحرس الثوري، في قلب العاصمة طهران وفي وضح النهار أواخر مايو/أيار الماضي.
إذ كان شخصان على متن دراجة نارية قد أطلقا النار، الأحد 22 مايو/أيار، على العقيد حسن صياد خدايي، وهو ضابط رفيع المستوى في الحرس الثوري، وذلك في وضح النهار، أمام منزله في قلب طهران، بحسب ما أفاد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، نقلاً عن وسائل إعلام محلية إيرانية.
من هو حسين طائب المقال؟

في هذا السياق، جاءت الإقالة المفاجئة لرجل الدين المتشدد حسين طائب من منصبه على رأس الذراع الاستخبارية للحرس الثوري الإيراني قبل أسبوعين لتمثِّل صدمة للجميع. فقلة من المُلِمُّين ببواطن الأمور في النظام الإيراني الديني مُطَّلِعون على أهم أسرار البلاد، وقلة أقل من ذلك لديها إمكانية وصول مباشر ومستمر إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي، لكنَّ طائب- وهو شخص مُقرَّب وموثوق من نجل المرشد الأعلى مجتبى خامنئي- كان أحد هؤلاء.
كان طائب، الذي انضم إلى الحرس الثوري في السنوات الأولى للثورة الإسلامية، عضواً قديماً في أجهزة النظام الأمنية-الاستخباراتية. بدأت مسيرته المهنية بدايةً متعثرة، إذ أُقِيلَ من وزارة الاستخبارات بعد استهداف نجل الرئيس آنذاك هاشمي رفسنجاني. وستكون هذه الإقالة بعيدة كل البعد عن كونها انتكاسة. بل ستضع طائب في لب التنافس الضمني بين المرشد الأعلى، علي خامنئي، والرئيس آنذاك، رفسنجاني.
شرع طائب بعد ذلك في تعميق ولائه لخامنئي وأسس مسيرة مهنية في الذراع الاستخبارية لمكتب المرشد الأعلى، وترأس "وكالة الاستخبارات الموازية" حديثة النشأة. وعُيِّن طائب عام 2008 قائداً لقوات الباسيج، الميليشيا المدنية للحرس الثوري، على أساس أن "يُنظِّم ويُجهِّز الباسيج وفقاً لإرادة المرشد الأعلى".
تُمثِّل احتجاجات "الحركة الخضراء" المناهضة للحكومة عام 2009، عقب تزوير الانتخابات الرئاسية، نقطة التحول، بالنسبة لكلٍّ من طائب والحرس الثوري، في مجال الاستخبارات، بحسب تقرير فورين بوليسي.
فمن الناحية التاريخية، كانت مشاركة الحرس الثوري في مجال الاستخبارات مقتصرة على الشؤون العسكرية وكانت على مستوى المديريات. لكنَّ دور المؤسسة خلال الاحتجاجات- التفوق على وزارة الاستخبارات في جمع المعلومات الاستخباراتية والقمع العنيف للمحتجين في الشوارع- أدى لاحقاً إلى ترقية خامنئي مديرية استخبارات الحرس لتصبح "جهاز استخبارات الحرس الثوري".
وكُوفِئ طائب لدوره الشخصي في تدبير حملة القمع القاسية بتعيينه رئيساً للجهاز الاستخباراتي، وهو المنصب الذي ظل محتفظاً به قرابة 13 عاماً.

لماذا تمت إقالة الرجل المقرب من المرشد إذاً؟

يثير هذا سؤالين: ما هي الدافع وراء إقالة طائب؟ وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمركز القوة الأكثر نفوذاً في الحرس الثوري؟
يوجد حتى الآن ثلاث نظريات سائدة للإجابة عن هذين السؤالين. يتعلَّق الأول بكفاءة الجهاز الاستخباراتي للحرس الثوري في مواجهة تسلل أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وبالأخص إسرائيل. في الواقع، وصل البعض إلى حد الادعاء بأنَّ طائب نفسه كان عميلاً للموساد، بحسب تقرير المجلة الأمريكية.
صحيح أنه لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن عملية الاغتيال الأخيرة التي راح ضحيتها خدايي، إلا أن "الحرب المستترة أو السرية أو حرب الجواسيس" بين إسرائيل وإيران مستمرة منذ سنوات طويلة، وتعتبر وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الاغتيال "عملية" تحمل بصمة "الموساد"، وتنقل تأكيدات في هذا الشأن عن مسؤولين أمنيين وعسكريين وسياسيين دون تسميتهم.
أما النظرية الثانية، بحسب فورين بوليسي، فترتبط بخلافة المرشد الأعلى، ويزعم مؤيدو هذه الفكرة أنَّ الإطاحة بطائب مرتبطة بتوازن القوة بين أكبر مرشحين للمنصب، مجتبى خامنئي والرئيس الحالي إبراهيم رئيسي. وأخيراً، كانت رواية الحرس الثوري نفسه هي وضع إقالة طائب في إطار عملية إحلال روتينية لضخ دماء جديدة في الجهاز.
ومع ذلك، في حين أنَّ لكل هذه النظريات درجة من الجدارة، فإنَّها تغفل الصورة الأكبر. فلا يجب النظر إلى استبدال طائب باعتباره حدثاً منفصلاً، بل هو جزء من إعادة تنظيم أطول للهياكل العسكرية-الأمنية في الجمهورية الإسلامية، بدأت عام 2019 تحت شعار "المرحلة الثانية من الثورة الإسلامية".
وضع خامنئي هذه الخطة لتحضير الجمهورية الإسلامية للعقود المقبلة وإكمال مشروعه لشخصنة السلطة، الذي بدأ منذ اللحظة التي أصبح فيها مرشداً أعلى عام 1989. فسعى خامنئي لوضع جيل جديد من المتعصبين لضمان بقاء أيديولوجيته بعده. وقد شهدنا منذ عام 2019 توجهاً لاستبدال الكثير من القادة العسكريين-الأمنيين، بما في ذلك القائد العام للحرس الثوري وقائد قوات الباسيج. ومثال أقرب على ذلك هو التوجه نحو التغييرات الهيكلية في الشرطة الوطنية للبلاد، التي أصبح قائدها الآن أكثر قوة بكثير.

ماذا يريد خامنئي من إقالة طائب؟

يحاول خامنئي من خلال استبدال طائب ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد. أولاً، على الرغم من كون طائب موالياً لخامنئي، فإنَّ حقيقة أنَّه كان يُنظَر إليه باعتباره أحد أقوى الشخصيات الإيرانية في حد ذاتها هددت مشروع المرشد الأعلى لشخصنة السلطة.
ثانياً، يحاول آية الله العجوز في نفس الوقت تطهير جهاز استخبارات الحرس الثوري من التسللات الخارجية. في الواقع، كان هذا هو السبب في اختيار محمد كاظمي، الرئيس السابق لوحدة مكافحة التجسس بالحرس الثوري، لخلافة طائب.
لكنَّ خامنئي أيضاً يسعي من خلال إحلال كاظمي، وهو جنرال عسكري، محل طائب أن يجعل جهاز الاستخبارات أكثر كفاءة ونجاحاً في عملياته. ويأتي ذلك بعد العديد من الإخفاقات المحرجة. وأخيراً، يأمل المرشد الأعلى، من خلال ضخ دماء جديدة في جهاز الاستخبارات، بتحسين آلته القمعية.

علاوة على ذلك، تراجعت فرص عودة اتفاق 2015 النووي بصورة كبيرة بعدما قرَّر خامنئي الإصرار على الأيديولوجيا المتشددة للنظام. وبناءً على التصوُّر الموجود لدى النظام عن إدارة بايدن في الولايات المتحدة، قدَّر أنَّه لن تكون هناك تداعيات جدية لزيادة أنشطته النووية.
ويعتقد أيضاً أنَّ الجمهوريين سيفوزون بانتخابات التجديد النصفي هذا العام والانتخابات الرئاسية عام 2024. وعلى هذا الأساس، أقنع خامنئي ودائرته المقربة أنفسهم بأنَّ العامين المقبلين قد يكونان أفضل فرصة لديهم لتوسيع برنامج إيران النووي. ولتحقيق ذلك، يحتاج النظام إلى حماية برنامجه ومعداته وعلمائه ومواقعه بعناية أكبر.
وفي حين أنَّه ما من شك في أنَّ طائب كان واحداً من أكثر الشخصيات القمعية في الجمهورية الإسلامية، فإنَّ إقالته قد تمثِّل أي شيء إلا كونها تخفيفاً للقمع داخل إيران وتقليصاً للنشاطات العسكرية خارجها.
وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نتنبأ ليس فقط بأنَّ الذراع الاستخباراتية للحرس الثوري ستصبح أكثر قمعاً داخلياً، بل ستسعى أيضاً لزيادة أنشطتها خارج حدود إيران على أمل التعويض عن إخفاقات طائب. ويُعَد الطريق نحو التصعيد حتمياً من نواحٍ عدة.