لسنوات، كان الباحثون الذين يركزون على مدينة القدس يدقون ناقوس الخطر بشأن إضفاء الطابع الإسرائيلي على الفلسطينيين في المدينة، ولكن الأسابيع القليلة الماضية أظهرت أن الفلسطينيين في القدس لا يتمتعون فقط بمناعة قوية ولكنهم كسروا أيضا جهود الردع الإسرائيلية بتحطيم جدار الخوف داخلهم.
ونظرًا لأن القيادة الفلسطينية في رام الله غائبة بشكل كبير، فقد طور المقدسيون بلا قيادة أجندتهم الخاصة وتواصلوا بشكل قوي مع إخوانهم الفلسطينيين داخل أراضي الـ 48. كان أفضل مثال على ذلك ما انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 8 مايو/أيار عندما أوقف الإسرائيليون عشرات الحافلات التي تقل فلسطينيين من مدن مختلفة في إسرائيل ومنعت دخول القدس.
وقرر بعض الركاب الاستمرار سيرًا على الأقدام إلى المدينة المقدسة التي تبعد حوالي 20 كيلومترًا، وعندما ظهرت صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ذهب المئات من المقدسيين في سياراتهم وأقلّوا إخوتهم الداعمين. كما وجهت المطاعم المحلية دعوات للفلسطينيين الزائرين للاستمتاع بوجبة الإفطار في مطاعمهم مجانًا.
كما وثقت مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الاحتجاجات الداعمة للمقدسيين، من جنين إلى الناصرة إلى قطاع غزة، ومن عمان إلى الرباط إلى لندن. ورفعت هذه الفعاليات من معنويات أولئك الذين اختاروا مواجهة الجيش الإسرائيلي القوي بصدورهم العارية وشجاعتهم غير العادية.
وبعد كسر حاجز الخوف وتدمير مئات الكاميرات التي تتابع تحركاتهم اليومية، وخاصة في البلدة القديمة في القدس، تمكن الفلسطينيون من ترجمة أعدادهم الضخمة إلى موقف سياسي أجبر إسرائيل على إلغاء المسيرة السنوية المناهضة للعرب في ذكرى توحيد إسرائيل للمدينة.
ومن السمات المثيرة للاهتمام في الاحتجاجات الفلسطينية قرار الشباب الفلسطيني الابتسام أثناء اعتقالهم أو مهاجمتهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية. وعكست هذه الابتسامات - المسجلة على الهواتف المحمولة والموزعة على نطاق واسع - نموذجًا جديدًا للشباب الفلسطينيين الشجعان الذين يعتبرون كرامتهم وحريتهم أكثر أهمية من الرعاية الاجتماعية التي يمنحها الإسرائيليون لسكان القدس الشرقية كجزء من محاولة جعلهم إسرائيليين أكثر.
وبعد 54 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي والضم الأحادي للقدس، أصبحت المدينة أكثر انقسامًا مما كانت عليه في أي وقت مضى. وقد محتأحداث القدس مؤقتا الغضب من إلغاء الانتخابات الفلسطينية. وللمفارقة فإن هذا القرار تم اتخاذه لأنه لم يُسمح لسكان القدس الشرقية بالمشاركة، بينما يعتقد الخبراء والناشطون أن السبب الحقيقي كان داخليًا بشكل أكبر. وربما لعب غياب القيادة الفلسطينية دورًا أكبر في نجاح الاحتجاجات، حيث تصرف المقدسيون دون قيادة مقيدة بأيدي الإسرائيليين.
وفي اللحظة التي انطلقت فيها الصواريخ من قطاع غزة، ركزت منافذ الحوار الإسرائيلية على غزة ونسى القادة الغربيون السياق وبدأوا يرددن عبارة، "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها".
وجاءت صواريخ غزة استجابة لدعوات المتظاهرين المقدسيين الذين كانوا يهتفون باسم قائد كتائب القسام "محمد الضيف" وعندما تم إطلاق أول صاروخ باتجاه جزء غير مأهول من ضواحي القدس الغربية، سمعت تكبيرات الفلسطينيين هناك.
أطلق الإسرائيليون صفارات الإنذار وكان الأشخاص الوحيدون الذين هرعوا للاختباء هم المتظاهرون اليهود المتطرفون والعديد من ضباط المخابرات الإسرائيلية الذين يرتدون ملابس مدنية والذين حاولوا التسلل إلى المتظاهرين الفلسطينيين.
أثبتت مدينة القدس وجوهرة تاجها - المسجد الأقصى - مرة أخرى أنها بؤرة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبالرغم من الآمال الإسرائيلية في أن ينسى الفلسطينيون هذه القضية، فإن الجيل الجديد من الفلسطينيين في القدس أكثر ثقة وشجاعة واستعدادا للوقوف في وجه المحتلين الإسرائيليين.