النهار الاخباريه - وكالات
أظهرت بيانات جديدة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي سجل أعلى عدد حالات الانتحار في الخمس سنوات الأخيرة خلال سنة 2022، ارتفع العدد إلى 14 حالة مقارنةً بالسنة الماضية التي عرفت تسجيل 11 حالة.
ولم يستطع قادة الجيش الإسرائيلي تفسير سبب ارتفاع عدد حالات الانتحار داخل صفوف عناصرها، رغم عدد الدراسات والأبحاث التي تُجرى باستمرار حول الظاهرة، إلا أنهم لم يتوصلوا حتى الآن لنتيجة.
وتعد حادثة انتحار الجندي في لواء غولاني "اففا درسخ" من أبرز الحالات خلال عام 2021، حيث قام بإلقاء نفسه من سيارة أجرة كان يستقلها بعد أن تلقى مكالمة هاتفية، وكانت هيئة البث كان قد عزت الحادثة إلى صعوبة التكيف التي يواجهها أبناء الجالية الإثيوبية عند تجنيدهم.
البروفيسور جيل سالزمان، رئيس المجلس الوطني لمنع الانتحار، قال إن "إسرائيل تصنف بمرتبة أقل من المتوسط العالمي في معدل الانتحار للفرد، والجيش الإسرائيلي أقل بكثير من متوسط معدل الانتحار للفرد مقارنة بالجيوش الأخرى في العالم".
مقلقة لقيادة الجيش الاسرائيلي
استعرضت "يديعوت أحرونوت" بالأرقام حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ سنة 2005 الذي سُجلت فيه 36 وفي 2010 سُجلت 28 حالة ليبدأ الرقم في التراجع، لكنه عاد للارتفاع خلال سنة 2022.
أما في عام 2020، ووفقًا لبيانات قسم القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي، فإن حوالي ثلث الجنود الذين قتلوا انتحروا، أي بمعدل 9 جنود، كما تشير دراسة أعدها مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست أنه بين 2007-2012 سجلت 123 حالة انتحار.
وكشفت الدراسة نفسها أن معظم المنتحرين (82%) هم من الخدمة الإلزامية، الذي لم ينخرط معظمهم في المهام القتالية، فيما يتراوح متوسط أعمارهم 18-21 عام، و63% من هذه الحالات هم من مواليد إسرائيل.
وتشير معطيات قسم القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي إلى أن الغالبية العظمى من حالات الانتحار من فئة الرجال، وما يزيد الأمر تعقيدًا أنهم لا يتركون رسائل يشرحون فيها دوافعهم.
تستعرض "يديعوت أحرونوت" عند حالة الاشتباه في الانتحار أو محاولة الانتحار، يتم فتح تحقيق بإشراف وزارة الجيش، ونظرًا للحساسية العالية يتم اتخاذ خطوات تهدف إلى الحفاظ على الخصوصية.
ومن الحالات البارزة التي تصدرت عناوين الصحف حالة الجندي نيف لوفتون، الذي انتحر بسبب الضغط الذي مارسه عليه أفراد من الجيش للإدلاء بشهادته بشأن جرائم المخدرات التي ارتكبها زملاؤه.
ما أسباب ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي؟
في الواقع، لا زالت قيادة الجيش تبحث عن الدافع الأساسي لظاهرة انتحار الجنود أثناء خدمتهم العسكرية، إلا أن بعض الباحثين والخبراء يعزون ذلك للاكتئاب والقلق، دون إهمال الأسباب الأخرى.
وتعتقد اينات كورين، خبيرة الصحة النفسية، أن هناك أسباب اً متنوعة للانتحار وتختلف من شخص لآخر، أحياناً يكون انتحار الجنود مرتبطاً بشكل مباشر بظروف خدمتهم، وأحياناً تكون الخدمة مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.
وأضافت المتحدثة أن الجيش الإسرائيلي يقوم بتجنيد الشباب الذين هم في مراحل مختلفة من البلوغ، وهذا هو عصر تشكّل الهوية والأزمات الشخصية، وهذا ما يُفسر ارتفاع حالات الانتحار.
وتضيف كورين أن التجنيد يخرج المراهق من بيئته الطبيعية والمألوفة، ما يسبب له صدمة أخرى في حياته، وبالتالي فإن الجيش نفسه يمثل عامل ضغط سواء كانت الخدمة القتالية تشكل تهديدًا لسلامة الجسم والحياة، أو ما إذا كانت صراعات "روتينية" أكثر مثل مغادرة المنزل.
وتنوّه كورين إلى أنه لا ينبغي تجاهل المشاكل التي ترافق الجنود من المنزل (الأزمات الشخصية)، والميول الانتحارية الموجودة منذ الصغر، في هذا السياق، يقرّب الجندي من قرار الانتحار؛ بسبب توافر السلاح.
كما حدد الجيش الإسرائيلي أن هنالك فئتين داخل الجيش بحاجة إلى اهتمام من نوع خاص وهما: الجنود المنفردون والجنود من الأصول الإثيوبية، إذ كشفت التحقيقات عن فجوات بين الدافع للعودة إلى إسرائيل والخدمة في الجيش الإسرائيلي لأسباب صهيونية والحافز الحقيقي.
سعيًا للحد من الانتحار
على الدوام تحاول قيادة الجيش الاسرائيلي الحد من ظاهرة الانتحار في صفوف المجندين، وذلك عبر توسيع الرعاية الصحة النفسية، ولم تعد الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي العنوان الذي تذهب إليه للحصول على إعفاء، بل هو المكان الذي يأتي إليه المجند لتلقي التشخيص والعلاج.
الأداة الجديدة التي تمت إضافتها في السنوات الأخيرة هي الموافقة القانونية على استخدام تقنيات التعقب، التي يمكن من خلالها تحديد مكان جندي الذي يعاني من صعوبات التكيف، أو علامات الاضطرابات النفسية، والذي يكون غائبًا عن القاعدة العسكرية.
يوضح رئيس قسم القوى العاملة في الجيش يورام كنافو أن الجيش الإسرائيلي أضاف وسيلة قادرة على تحديد مكان الجندي المفقود في الوحدة، كما تستخدم في منع وصول المجند إلى أماكن غير مرغوب فيها.
وتضيف صحيفة يديعوت أحرنوت أن هنالك خطوات أخرى للحد من الانتحار تشمل الحد من وفرة الأسلحة بين يدي الجنود، وإحداث تغييرات في الأوامر والإجراءات، وتطوير أدوات التدريب للقادة.
الاضطرابات النفسية عقبة لا تنتهي
حسب "يديعوت أحرونوت" من أهم الموضوعات التي يتم دراستها بشكل مستمر تتمثل بمنح الإعفاء بسبب الاضطرابات النفسية قبل وأثناء الخدمة داخل الجيش الإسرائيلي بعد دراسة الملفات كل واحد على حدة.
فقبل أربع سنوات كان هناك ارتفاع في عدد المستفيدين من الإعفاء بسبب المشاكل النفسية، من 4.5 في عام 2015 إلى 8.5% في عام 2020، كان الرئيس السابق لقسم القوى البشرية في الجيش "موتي ألموز" قاد مشروعاً للحد من الزيادة في منح الإعفاء النفسي (بسبب المشاكل النفسية).
يطلب الجيش الإسرائيلي المزيد من الأدلة الطبية على المشاكل النفسية للمرشح للخدمة الذي يطلب الإعفاء، بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء برامج خدمة مخصصة للجنود دون أسلحة في بيئة محمية نسبياً.
من بين الملزمين في التجنيد (اليهود، باستثناء العرب) 31% لا يتجندون أي أكثر من نصفهم، بينما 16% لا يتجندون في الجيش من خلال إعفاء "التوراة"، فيما تبلغ نسبة الحاصلين على الإعفاء النفسي حوالي 7.5%.
أما أسباب عدم التجنيد الأخرى فموزعة بين الأعذار الصحية، السجل الجنائي، والتواجد خارج إسرائيل، وخلال الخدمة العسكرية، هناك عدد أكبر من المستفيدين من إعفاءات الصحة النفسية أكثر من ذي قبل، فقرابة الـ 8.6% يحصلون على الإعفاء خلال السنة الأولى.