الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

ما هي أسباب فشل الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس في لبنان؟

النهار الاخبارية - وكالات 

يثير فشل الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس في لبنان إثر عدم التوافق على مرشح لإنهاء حالة الفراغ الرئاسي في البلاد، تساؤلات عما سيتبع ذلك وبشأن استمرار المرشحين ذاتهم أم غيرهم، وسط مخاوف من فشل جلسات لاحقة بسبب تصاعد الخلافات بين مكونات المجلس، وتمسك كل طرف بـ"مرشح تحدٍّ"، دون الاتفاق على "مرشح توافقي" لإنهاء هذا الملف.

نهاية الجلسة الـ12 كانت بانسحاب حزب الله وحلفائه من تصويت ثانٍ شهدته لانتخاب الرئيس، ليُفقدوا المجلس النصاب القانوني، بعد تقدم مرشح معارضي الحزب في التصويت الأول، جهاد أزعور، على حساب مرشح حزب الله، سليمان فرنجية.

يحتاج أي مرشح للفوز في التصويت الأول إلى ثلثي الأصوات في مجلس النواب، إلا أن ذلك لم يحصل، ما يعني الذهاب إلى جلسة ثانية أو أكثر، بنسبة 50%+1 للفوز، إلا أن انسحاب نواب حزب الله وحلفائه من الجلسة أفقدها النصاب القانوني لاستمرار عقدها، ما أفشل الذهاب إلى جلسات تصويت أخرى كما فعلوا في جلسات أخرى.

حزب الله والمعارضة
يشير مصدر حكومي رفيع لـ"عربي بوست"، إلى أن "فشل الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس في لبنان أرسى جملة من المسارات السياسية التي لا يمكن القفز فوقها، أبرزها أنه لا رئيس يمر إلا من خلال توافق داخلي-إقليمي". 

ويشدد على أنه "لا إمكانية لأي طرف أن يأتي برئيس بمفرده، على الرغم من ارتفاع حدة المواجهة الداخلية بين حزب الله وحركة أمل من جهة والأحزاب المسيحية ومكونات المعارضة من جهة أخرى".

كذلك يرى المصدر وفق النتيجة التي حققها مرشح حزب الله وحلفائه، سليمان فرنجية، أن هناك قدرة للثنائي الشيعي على استقطاب أصوات لم تكن متوقعة، خصوصاً مع وجود خرق كبير لدى حزب الله داخل الطائفة السنية، وفق تقديره.

لكنه يضيف أيضاً، أن القوى المعارضة لفرنجية استطاعت في المقابل تسجيل نقاط سياسية مهمة، أبرزها إيصال رسالة لحزب الله تقول إن هناك أكثر من 75 نائباً لا يريدون فرنجية.

يقول المصدر إن حصول فرنجية على 51 صوتاً بعد أن كانت كل المؤشرات والحسابات تشير الى حصوله فقط على 44 صوتاً، مرده إلى تصويت 3 نواب من كتلة حزب "الطاشناق" الأرمني، إضافة إلى تصويت نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب والنائب المحسوب على المصارف جان طالوزيان له، كذلك تصويت النائب أحمد رستم (من الطائفة العلوية) والنائب سجيع عطية. 

لذا يعتقد المصدر أن الرهانات بأنه كان لدى الفريق المؤيد لأزعور 59 صوتاً على الأقل قد فشلت، وهذا يعني أنّ نواب التيار الوطني الحر الـ17 لم يلتزموا جميعهم بالتصويت له، وفق تقديره.

لكن المصدر عبر عن اعتقاده أيضاً أن الدورة الثانية لو تمت دون تعطيل من حزب الله وحلفائه للنصاب، لكان من الممكن حصول أزعور على 65 صوتاً، وتتويجه رئيساً للجمهورية، من خلال تحفيز نواب سُنة على التصويت له. 

أخطاء أدت فشل الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس في لبنان 
في إطار متصل، يعتقد المصدر الحكومي أنه "على الرغم من وجود خطأ دستوري كبير بتمرير اختفاء صوت في جلسة الأمس، فإن بري عَمَد سريعاً إلى إغلاق الجلسة؛ تجنّباً لأي اجتهادات قد تدفع إلى إعادة التصويت، خصوصاً بعد انسحاب نواب قوى الممانعة".

لكن قبيل الجلسة، "كان لافتاً الاتصال الذي أجرته وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى فيكتوريا نولاند، برئيس مجلس النواب نبيه بري، وحثه على ترك الجلسات مفتوحة لانتخاب رئيس للبلاد"، وفق قوله.

في حين يعتبر المحلل السياسي اللبناني جوني منير، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الدافع الحقيقي لإجراء هذا الاتصال هو الإشارة إلى حرص الإدارة الأمريكية على حصول الجلسة، بعدما سرت شائعات في الأوساط الدبلوماسية، مفادها أن "الثنائي الشيعي قد يعمد إلى افتعال أحداث أو إيجاد سبل لمنع انعقاد الجلسة؛ تجنّباً للنتيجة التي ستحرج مرشحهم في عدد أصواته".

بحسب منير، فإن "المقصود هنا وجوب انعقاد الدورة الأولى حصراً؛ لأنّ العواصم الغربية تعرف أن الدورة الثانية لن تُعقد؛ تجنّباً لانتخاب رئيس لم يُمهّد لوصوله تفاهم وتسوية سياسية عريضة، فكان التدخّل الأمريكي على مستوى الرقم 3 في وزارة الخارجية، لا على مستوى السفيرة أو مساعدة الوزير لشؤون الشرق الأوسط، لإعطاء الرسالة أهميتها". 

يضيف أنه "لهذا السبب تحديداً، ختم بري الجلسة فور انتهاء اقتراع الدورة الأولى، من دون تحديد موعد لجلسة جديدة، وهو ما يعني وجوب انتظار الحركة والمساعي الخارجية، والتي ستبدأ مع مطلع الأسبوع المقبل".

أبدى منير كذلك اعتقاده أن "الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) أخطأ كثيراً في التسويق الإعلامي والسياسي لمرشحه، من خلال اعتماد لغة تخوين وتهويل والتهديد بالفراغ الطويل".

في المقابل، يقول أيضاً إن "الفريق الداعم لجهاد أزعور ارتكب بدوره أخطاء بالجملة، أظهرت وجود حسابات ضمنية لها علاقة باستثمار شعبي لكل طرف من أطراف هذا الفريق، فالمبالغة والتلويح بأرقام غير واقعية أدّيا إلى نجاح الفريق المناوئ في استغلال هذه الأخطاء والعمل بصمت، ما جعله يحقق إنتاجية أفضل، والمقصود هنا حرمان أزعور من خرق حاجز الـ60 صوتاً، وتجاوز فرنجية حاجز الـ50 صوتاً".

في هذا السياق، يؤكد مصدر قيادي بالمعارضة لـ"عربي بوست"، أن المعارضة التي تقاطعت مع التيار الوطني الحر على ترشيح أزعور، كانت تتوقع أن ينال أزعور أصواتاً أكثر من ذلك، مشيراً إلى أنه "على الرغم من أن فرنجية نال أكثر مما توقع له خصومه، فإن حظوظه الرئاسية باتت على المحك، وذلك انطلاقاً من رغبة عارمة لأطراف كثيرة في إبعاده عن الرئاسة، حيث لن يتمكن داعموه من نيل تأييد برلماني بالأصوات أكثر من ذلك".

يرى المصدر كذلك أن "فرنجية سيخرج من السباق قريباً عند نضوج التسوية الخارجية، وأن ذلك يؤدي لسقوط التقاطع حول أزعور، والذهاب نحو خيار ثالث، يستطيع تأمين إجماع داخلي وخارجي فور انسحاب فرنجية من السباق مثل قائد الجيش".

يؤكد المصدر المعارض أن البطريرك الماروني بشارة الراعي سيلعب دوراً في ردم الفجوة بين الفريقين، انطلاقاً من قاعدة، مفادها أنه لا يمكن انتخاب رئيس من دون التوافق مع حزب الله.

حراك خارجي منتظر
انطلاقاً من كل ما سبق، يعتقد مصدر دبلوماسي عربي أن "الجلسة الـ12 حققت المطلوب منها لدى كل الأطراف داخلية كانت أم خارجية، وتحديداً لدى واشنطن والرياض والدوحة، لناحية تثبيت معادلة برلمانية وفق توازنات جديدة يحظى فيها حزب الله والفريق المؤيد له بحجمهم الطبيعي دون ترهيب أو ترغيب كان يمارَس سابقاً".

يضيف أن "المعادلة الرئاسية التي كانت قد أُرسيت في تسوية الرئاسة عام 2016 والتي منحت حزب الله حينها حق التعطيل حتى الإتيان بمرشحه قد انتهت، أما اليوم، فإنّ النتيجة السياسية أظهرت تبدلاً في موازين القوى، خاصة في ظل الانفصال بين الحزب والتيار العوني في هذا الاستحقاق المفصلي، لكن من دون إغفال قدرة الحزب وحلفائه على التأثير في مسارات السياسة الداخلية".

حاول "عربي بوست" أخذ تعليق من حزب الله على نتائج الجلسة، إلا أنه لم يتلق رداً.

بالعودة إلى المحلل السياسي جوني منير، فهو يعتقد أن "حزب الله خسر أوراقاً عدة خلال الأسابيع الماضية، أهمها الانعطافة الفرنسية، التي تجلّت بتكليف جان إيف لودريان الملف اللبناني عوضاً عن إيمانويل بون وباتريك دوريل، وما بين الموقف الضمني الحقيقي للسعودية، والذي تجلّى بترشح أزعور، على الرغم من أن هذا الموقف بقي صامتاً ومكتوماً".

كذلك يعتبر منير أن النقاشات الخارجية عقب نتيجة الأمس ستبدأ خارجياً في لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يزور باريس. 

في هذا الإطار، يؤكد أن "الملف اللبناني سيجري طرحه بدليل مسألتين: الأولى أنّ وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا خصّصت جزءاً من لقائها بولي العهد السعودي للملف اللبناني عند زيارتها السعودية منذ بضعة أيام، والثانية، أن المستشار السعودي نزار العلولا المسؤول عن الملف اللبناني، والسفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري، استبقا زيارة بن سلمان لباريس بزيارة عمل، وذلك لتحضير الأجواء المطلوبة للمحادثات الفرنسية ـ السعودية".

وكذلك تعتبر الكاتبة السياسية كلير شكر في حديثها لـ"عربي بوست"، أن الزيارة المرتقبة للمبعوث الفرنسي الجديد جان إيف لودريان لبيروت ستأخذ في الاعتبار نتائج وموازين فشل الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس في لبنان، مضيفة: "يفترض أن يستمع في الجولة الأولى من مهمته إلى آراء القوى السياسية قبل وضع تقييم أولي، والانتقال من بعدها إلى صياغة مقترحات".

في ضوء الخلاصات التي سبق أن بلغتها المبادرة الفرنسية، ترى شكر أنه "يُنتظر وضع خارطة طريق جديدة للرؤية الفرنسية، ولو أنها لم تتبلور بعد"، مشيرة إلى أن "الفرنسيين وصلوا إلى قناعة بأن الحل ليس في اسم المرشح، بل في مقدرته على تقديم ضمانات لكل الأطراف السياسية لتكون بمثابة خارطة طريق يجب الالتزام بها لتكوين حلّ متكامل قابل للتحقيق".

من جانبه، يعتبر المصدر الدبلوماسي العربي، أن زيارة لودريان سينتج عنها تقرير مفصل سيجري مشاركته مع أطراف اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة وقطر والسعودية ومصر وفرنسا)، على أن يستقبل لبنان أيضاً موفداً قطرياً لاستكمال ورقة العمل التي أعدتها الدوحة بالتعاون مع واشنطن والرياض سابقاً.

يشار إلى أن فشل الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس في لبنان، الأربعاء 14 يونيو/حزيران 2023، جاء جراء عدم نيل أي من المرشحين ثلثي الأصوات، من أصل 128 نائباً، فيما فشل انعقاد الدورة الثانية لجلسة انتخاب الرئيس لعدم اكتمال النصاب القانوني، إثر انسحاب كتلتي حزب الله وحركة أمل وبعض المستقلين، وهي الجلسة التي كان يحتاج فيها المرشح لنسبة 50%+1 من أصوات الحاضرين بشرط النصاب القانوني لكي يفوز.

يذكر أن جهاد أزعور هو مرشح التيار الوطني الحر والكتائب والقوات اللبنانية ونواب من التغيير، وأن سليمان فرنجية زعيم تيار المردة مرشح حزب الله وحركة أمل ومستقلين.

ويعيش لبنان فراغاً رئاسياً منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.