الأحد 24 تشرين الثاني 2024

ماهي السيناريوهات التى امام نتياهوا فى حال حل مجلس الحرب؟؟


النهار الاخباريه وكالات
في الوقت الذي يواجه فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي إخفاقات متلاحقة في قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية، وتتواصل عودة "النعوش السوداء" الى المقابر العسكرية في تل أبيب، يواصل قادة الدولة حروبهم الخاصة بهم.
هذه الحروب بدون سفك دماء، لكنها متخمة بالطعنات من الظهر، سواء بين مكونات الائتلاف الواحد من جهة، أو بين الحكومة والمعارضة من جهة أخرى، وهو مشهد يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ الدولة التي تزعم أنها تخوض حرباً وجودية مع حماس في غزة.
خرجت تسريبات من محيط بيني غانتس رئيس المعسكر الوطني، ووزير الحرب الأسبق، والعضو الأساسي في مجلس الحرب، تفيد بأن غانتس لن ينتظر حتى الثامن من يونيو/حزيران 2024، بل قد يسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو ويعلن مبكراً عن حلّ مجلس الحرب كلياً. 
وأطلق بيني غانتس إنذاراً ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومطالبته إياه بحسم خياراته السياسية تجاه الحرب في غزة، وعدم المماطلة في اتخاذ القرارات المناسبة.
وتجدر الإشارة أن مجلس الحرب تم تشكيله بعد أيام من عملية طوفان الأقصى بهدف قيادة الحرب على غزة، وجاء بعضوية نتنياهو وغانتس ووزير الحرب يوآف غالانت، وقائد الجيش السابق غادي آيزنكوت بصفة مراقب، بجانب قائد الجيش الحالي هآرتسي هاليفي ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي.
لم يكن إنذار غانتس الأول من نوعه الموجه الى نتنياهو، فقد سبقه غالانت بخطاب دراماتيكي اتهم فيه رئيسه بتغليب المصلحة الخاصة على أمن الدولة، والمماطلة في إنجاز خطة "اليوم التالي" في غزة.
وجاء آخر المهاجمين له من داخل مجلس الحرب آيزنكوت الذي أعلن قبل ساعات خلال لقائه مع عائلات الأسرى الإسرائيليين أن الحكومة أضاعت فرصة ثانية لاستعادة أبنائها من يد حماس، لعدم اتخاذها القرار المناسب، في إشارة لا تخطئها العين باتجاه نتنياهو.
أكثر من ذلك، فإن الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو من داخل مجلس الحرب مازالت متواصلة وهذه المرة من جنرال مقرب جداً له، وقد عيّنه ليقود ملف التفاوض مع حماس في صفقة التبادل، وهو الجنرال نيتسان آلون.
ولم يتردد نيتسان آلون في القول خلال جلسة مغلقة إننا "يائسون، ولن يكون هناك أي صفقة تبادل مع تركيبة هذه الحكومة"، الأمر الذي دفع نتنياهو لتوبيخ من وصفهم بمن "يسرّبون" مناقشات الكابينت خارج الأطر الرسمية.
إن كانت من إشارة لافتة يصعب القفز عليها بجانب المؤشرات السابقة، فإن آخر مؤتمر صحفي عقده أعضاء مجلس الحرب مجتمعين: نتنياهو وغانتس وغالانت، كان في شهر يناير/كانون الثاني 2024 الماضي.
هذا يعني أنهم منذ أربعة أشهر لم يجتمعوا على طاولة واحدة لمخاطبة الجمهور الإسرائيلي بلسان واحد وسياسة موحدة، بل اختار كل منهم أن يخرج بمؤتمر صحفي منفصل عن الآخر في مشهد لا ينمّ البتة عن قيادة مسؤولة تدير هذه الحرب.
ولعل ما أعلنه غانتس قبل ساعات عن تقديمه مقترحاً لتشكيل لجنة تحقيق حكومية خاصة بعملية طوفان الأقصى، والحرب التي تلتها في غزة، تعدّ مدماكاً جديداً على طريق إنهاء وجود مجلس الحرب، لأنها خطوة لم تلقَ استحساناً من فريق نتنياهو الذين ألمحوا إلى أن الاقتراح لم يعرض على مجلس الحرب.
واتهم داعمو نتنياهو غانتس بمحاولة تسويق نفسه أمام الجمهور كحريص على التحقيق في الفشل الاستخباري والأمني والعسكري في غزة، من خلال إظهار أن النخبة الحاكمة اليوم هي المسؤولة عن ذلك، وعلى رأسهم نتنياهو، الذي رفض طيلة ثمانية أشهر التفوّه بكلمة واحدة تفيد تحمّله مسؤولية ذلك الإخفاق.
كل ذلك يؤكد أننا أمام وفاة رسمية لمجلس الحرب، لأنه لم يعد فعّالاً في عمله، وبات واضحاً للجميع أن نتنياهو يستخدمه كـ"ورقة توت" أمام الرأي العام الإسرائيلي، كي لا يظهر وحيداً في إدارة الحرب.
ولعل الأيام القليلة القادمة تشهد إصدار شهادة وفاة لهذا المجلس، سواء بخطوة استباقية من نتنياهو، أو بانسحاب نهائي من غانتس وآيزنكوت، اللذين يواجهان ضغوطاً كبيرة من المعارضة وأنصارهما بضرورة ترك نتنياهو "عارياً" لوحده، دون أن يستره أحد.
هناك خيار ما زالت تتداوله أوساط نتنياهو في حال أقدم الجنرالان غانتس وآيزنكوت على الانسحاب من مجلس الحرب، ويتمثل باستبدالهما بالوزيرين "المشاغبين" إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
هذان الاسمان سال لعابهما على الانخراط في مجلس الحرب منذ تأسيسه، رغبة منهما في التأثير على قراراته، وحرف مساره باتجاه تحقيق تطلعاتهما المتطرفة ضد الفلسطينيين، وعنوانها استمرار الحرب في غزة حتى إشعار آخر.
ويبدو هذا الخيار وارداً لدى نتنياهو، وهو بذلك يرسل رسالة حادة إلى غانتس مفادها أن المجلس لن يتأثر بغيابه، ولن يخسر من ذلك إلا هو، بل قد يظهر أمام الجمهور الإسرائيلي بمن تخلى عن الدولة في لحظة مصيرية تحت اعتبارات شخصية وحزبية وأنانية.
لكن في الوقت نفسه، يدرك نتنياهو أكثر من سواه أن إحضار الوزيرين إلى جسم أمني وعسكري حساس مثل مجلس الحرب يشبه إلى حدّ بعيد "إدخال فيل ضخم في محل للزجاج"، لأننا أمام شخصين كفيلين بجرّ إسرائيل إلى حمام دماء في غزة.
ويمكن لالتحاق الوزيرين أن يشعل المزيد من الجبهات الحربية في المنطقة، وتخريب اتفاقات السلام مع مصر والأردن، وإسقاط السلطة الفلسطينية، وإدارة الظهر لاتفاق التطبيع مع السعودية، الأمر الذي يعني مزيداً من العزلة لإسرائيل.
هذا الأمر سيزيد من صبّ مزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً مع الإدارة الأمريكية التي أعلنت رسمياً أنهما غير مرغوب بزيارتهما للولايات المتحدة، مع التأكيد على أننا نتكلم عن وزيرين إسرائيليين.. من يصدق؟
وقد سبق أن كشف "النهار الاخباريه " في تقرير سابق أن جهازي الموساد والشاباك حجبا معلومات استخبارية عنهما، لأنهما غير مؤتمنين عليهما بسبب ثرثرتهما الزائدة.
فضلاً عن ذلك، فإن هذين الوزيرين يحافظان على علاقة متوترة مع المنظومة الأمنية والعسكرية في الدولة، وبعد أن رفض سموتريتش في الأيام الماضية التصديق على صفقة لشراء طائرات حربية مقاتلة يحتاجها الجيش.
كما أن سموريتش في الساعات الأخيرة شهد رفضاً جديداً له يتعلق بعدم موافقته على شراء مزيد من بطاريات القبة الحديدية الخاصة بالتصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية التي تستهدف العمق الإسرائيلي، فيما لم يتردد بن غفير باتهام غالانت أمام جميع الوزراء بالجبن أمام حماس، وخضوعه لتهديداتها. 
كل هذه الأسباب وسواها، ستجعل من منح نتنياهو لهذين الشخصين عضوية مجلس الحرب خطوة متهورة، وكفيلة بتفجيره من الداخل، وهو ما لا يريده بالضرورة، وإن اعتاد على مفاجأتنا بين حين وآخر، في حال هدداه بالانسحاب من الحكومة إن لم يدخلا ذلك المجلس بديلاً لغانتس وآيزنكوت.
أما في حال قرر نتنياهو طيّ صفحة مجلس الحرب نهائياً، بدعوى عدم جدواه، وانهياره من الداخل، وتحوله عبئاً عليه، فإن أمامه جملة أجسام وكيانات أخرى يدير من خلالها الحرب على غزة.
أولها المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، المعروف اختصاراً باسم "الكابينت"، ويضم العديد من الوزراء ممن ليسوا ذوي خبرة في المجالات الأمنية والعسكرية، ولا يعتبر جسماً مخولاً باتخاذ قرارات حساسة، بل التصديق عليها فقط بعد إنضاجها في منتديات أكثر تخصصاً.
كما أنه لا يمتلك وزراؤه سوى "حناجر عالية" وقواميس مليئة بالشتائم تجلّت قبل أيام في هجوم بذيء شنّته وزيرة النقل ميري ريغيف، المقربة من نتنياهو، ضد قائد الجيش هاليفي بزعم أنه حوّل جنوده إلى مثل "البط في المرمى" أمام مقاتلي حماس.
وهناك خيار آخر أمام نتنياهو يتمثل باكتفائه بتشكيل مجلس سداسي ضيق مغلق يضم بجانبه غالانت وهاليفي وهنغبي، وقائدي الموساد ديفيد بارنياع والشاباك رونين بار، كونهم الأكثر اطلاعاً بهذه الملفات الحساسة الخاصة بحرب غزة.
وأسوأ ما في الأمر أن الهدف الرئيسي للنظام السياسي الحالي ليس حماية الإسرائيليين، بل حماية نتنياهو وأتباعه من أجل البقاء السياسي.