خطا لبنان خطوة جديدة نحو المجهول مع إعلان سعد الحريري اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة، تاركاً البلد في دوامة تحاول فرنسا مرة أخرى تلقفها عبر الإعلان عن تنظيم المؤتمر الدولي لمساعدة البلد الصغير في الرابع من أغسطس(آب) المقبل، الذكرى الأولى لانفجار المرفأ المروع.
ويأتي اعتذار الحريري أمس الخميس فيما يشهد لبنان إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي.
ومع استمرار الأزمة منذ حوالي سنة ونصف السنة، بات لبنان يواجه معدلات فقر مرتفعة وهبوطاً حاداً في قيمة العملة الوطنية، بينما تحصل احتجاجات شعبية في الشارع في ظل نقص في المواد الأساسية بما في ذلك الأدوية والوقود.
وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون لبنان يوانّا فرونِتسكا "نأسف بشدة للفشل في تشكيل حكومة بعد تسعة أشهر، ما حدث بالأمس لم يكن خطوة إلى الأمام، حان الوقت لبذل جهد صادق ومتضافر وحازم لانتشال الشعب اللبناني من هذا المأزق، لم يعد هناك وقت لإضاعته".
وصرح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ، أن "الاتحاد الأوروبي يشعر بأسف عميق للمأزق السياسي المستمر في البلاد وعدم إحراز تقدم في تنفيذ إصلاحات عاجلة".
وعنونت صحيفة النهار اللبنانية صفحتها الأولى اليوم "اعتذر الحريري.. لبنان إلى الأخطر"، وكتبت صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية اليومية الناطقة بالفرنسية "مع اعتذار الحريري، لا مفر من تفاقم الأزمة".
وأعلنت فرنسا التي كانت تقود جهوداً دولية لإخراج لبنان من الأزمة، الجمعة، أنها ستستضيف مؤتمراً دولياً لحشد المساعدات للبنان في الرابع من أغسطس(آب) المقبل.
ويتزامن هذا المؤتمر الذي ينظم بدعم من الأمم المتحدة، مع الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمّر جزءاً من العاصمة.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سينظم المؤتمر استجابة لحاجات اللبنانيين الذين يتدهور وضعهم كل يوم".
ومنذ انفجار المرفأ الذي فاقم الانهيار الاقتصادي، يقدم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين عبر منظمات المجتمع المدني ومن دون المرور بمؤسسات الدولة، وحتى مع تصاعد الضغط الدولي بقيادة فرنسا وتهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على القادة اللبنانيين، لا تزال الخلافات السياسية تعيق جهود تشكيل الحكومة.
وبعد 9 أشهر من تسميته لتشكيل حكومة، أعلن الحريري من القصر الرئاسي اعتذاره، وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة الجديد، قال الحريري إن "رئيس الجمهورية ميشال عون يريد الثلث المعطل في الحكومة (أي ثلث الوزراء زائد واحد، وتتخذ القرارات الأساسية في الحكومة بغالبية الثلثين)"، مضيفاً "إذا شكلت حكومة ميشال عون لن استطيع أن أدير البلد، لأنها ليست حكومة استطيع أن أعمل معها".
ويتعين على عون أن يحدد في الأيام المقبلة موعداً جديداً لاستشارات نيابية من أجل تكليف شخصية جديدة تأليف الحكومة، في مهمة لن تكون سهلة على الإطلاق ومن شأنها أن تزيد الانقسام بين القوى السياسية المتناحرة أساساً، وقالت الرئاسة أمس إن "عون سيحدد موعد الاستشارات في أسرع وقت ممكن".
ومن شأن اعتذار الحريري أن يفاقم من حالة الشلل السياسي في البلاد على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، وتداولت تقارير إعلامية اسم رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي الذي كان في السلطة آخر مرة في العام 2014، باعتباره المرشح الأوفر حظاً ليحل مكان الحريري.
وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم الجمعة أن "ميقاتي، وهو مسلم سني، هو الخيار الأكثر ترجيحاً"، وكان الحريري الذي يعدّ الزعيم السني الأبرز في البلاد، قال إنه لن يؤيد ترشيح ميقاتي.
وسبق للحريري أن ترأس ثلاث حكومات في لبنان، وهو ثاني شخصية تعتذر عن عدم تشكيل حكومة في أقل من عام، وهو رشّح لمنصب رئيس الوزراء في أكتوبر(تشرين الأول) 2020، بعد أن فشل مصطفى أديب وهو دبلوماسي غير معروف نسبياً، في تشكيل حكومة بسبب الضغوط والمصالح المتضاربة للسياسيين.
وكان الحريري في السلطة لدى اندلاع الأزمة التي ترافقت مع "ثورة" شعبية عارمة في الشارع احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية منذ عقود، فاضطر إلى تقديم استقالته.
وتدير حالياً حكومة مستقيلة برئاسة حسان دياب الأعمال الجارية، واستقال دياب عقب انفجار الرابع من أغسطس(آب)، تحت ضغط النقمة الشعبية، إذ بدا واضحاً أن الانفجار الذي نتج عن كميات كبيرة من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة من دون تدابير وقائية، ناتج عن الإهمال والفساد.
واعتبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمس، أنّ تخلّي سعد الحريري عن تشكيل حكومة في لبنان بعد تسعة أشهر من تكليفه بهذه المهمة يمثّل "خيبة أمل جديدة" للشعب اللبناني الغارق في أزمة سياسية واقتصادية خانقة، وأعرب في بيانه عن أسفه لأنّ "الطبقة السياسية في لبنان أهدرت الأشهر التسعة الماضية".
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في الأمم المتحدة، أن "اعتذار الحريري يشكل فصلاً مأسوياً إضافياً في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة".
وفور اعتذار الحريري، تجاوز سعر صرف الليرة عتبة عشرين ألفا مقابل الدولار، في معدل قياسي جديد، وفق ما قال صرافون، وأثار انهيار العملة إقامة حواجز واحتجاجات ليل الخميس الجمعة وسط غضب متزايد ضد الطبقة السياسية.