أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن خيبة أمله الكبيرة إزاء قرار رئيس الوزراء اللبناني المكلّف، سعد الحريري، بالاعتذار عن تشكيل الحكومة اللبنانية.
وكان الحريري، قد اعتذر الخميس للرئيس اللبناني، ميشال عون، عن تشكيل الحكومة، حيث جاءت كلمات رئيس الوزراء المكلّف مقتضبة، ومحددة، ومؤلمة: "أجريت مشاورات مع الرئيس عون حول التشكيلة الحكومية، والواضح أننا لن نتفق مع رئيس الجمهورية، وقدمت اعتذاري عن تأليف الحكومة".. "قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة والله يعين البلد".
فور اعتذار الحريري، عاد الدولار الأمريكي ليواصل ارتفاعه الجنوني، فتخطّى يوم أمس عتبة العشرين ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، واليوم وصل إلى 23 ألف ليرة للدولار الواحد، وهو ما دفع بكل شيء في لبنان نحو الجنون، حتى أن البعض هاجم المطاعم، وكسر واجهات المحلات، ولاحت في الأفق مؤشرات فوضى، يمكن ألا تتوقف عند حدود لبنان، وتتجاوزه إلى الجوار العربي بأسره.
دولياً، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، إن زعماء لبنان فيما يبدو عاجزون عن إيجاد حل للأزمة التي تسببوا فيها، واعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، اعتذار الحريري، "تطوراً آخر مخيباً لآمال الشعب اللبناني"، بينما أعربت المنسّقة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا، عن أسفها لعدم قدرة قادة لبنان التوصل إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة بصورة عاجلة لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد.
كما عبّر الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن أسفه لفشل تشكيل الحكومة اللبنانية، محمّلاً القادة السياسيين في لبنان مسؤولية تشكيل الحكومة بشكل عاجل، ومشيراً إلى أن "الفراغ الحاصل حالياً منذ أكثر من عام كان سبباً في انهيارات اقتصادية ومالية في البلاد". وأكّد على أن "توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي يعدّ عاملاً أساسياً لإنقاذ لبنان من الانهيار".
كذلك أعربت الخارجية الروسية، في تصريح رسمي الجمعة 16 يوليو، عن أسفها لعدم تمكن رئيس الوزراء اللبناني المكلّف، سعد الحريري، من التوصل لاتفاق مع الرئيس، ميشال عون، على مدار تسعة أشهر من تسلمه مهام تشكيل حكومة اختصاصيين.
وكان الحريري قد شرح، بعد ساعات من اعتذاره عن تشكيل الحكومة،الأسباب ، حيث قال إنه لم يفرض شروطاً على الرئيس عون، وأعلن عجزه عن تقديم تشكيلة للحكومة بينما لا يريد رئيس الجمهورية إعطاء الثقة لهذه الحكومة، بينما "يريد الثلث المعطّل"، الذي يعرف الجميع أنه ليس سبيلاً لتشكيل الحكومة.
كذلك فقد رفض الحريري أي حديث عن وقوف السعودية وراء تعثّر تشكيل الحكومة، وقال إن "المشكلة أن ميشال عون متحالف مع حزب الله، وميشال عون مرتاح على حاله، هذه هي المشكلة، اللي ما يشوفها أعمى".
رفض الحريري كذلك ما تردد عن أن هناك علاقة بين زيارته لمصر، ولقائه الرئيس، عبد الفتاح السيسي، وبين اعتذاره عن تشكيل الحكومة، حيث كان غرض الزيارة استجرار الغاز المصري عبر سوريا، وهو ما تمكن الأردنيون من إقناع الولايات المتحدة الأمريكية به، ومناقشة ملف الغاز لتخفيض فاتورة الكهرباء عبر الحكومة الجديدة، على الرغم من عدم رئاسته لها.
من جانبه، أكّد المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية اللبنانية أن عون سيحدد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن.
تتدهور الأوضاع في لبنان من سيء إلى أسوأ، دون أن تظهر ملامح لما يمكن أن يبدو عليه قاع الأزمة، التي كلما مرت بإحدى مراحلها، ظننا أن القاع قد أصبح وشيكاً، إلا أننا نمارس سقوطاً حراً لا يبدو له قاع حتى اللحظة.
ما نلاحظه، ويؤلمنا شديداً، هو تقاعس بعض القوى السياسية المؤثرة، والتي كان يجب أن تلعب دوراً بارزاً في إقناع الرئيس عون بقبول قائمة الوزراء الـ 24، التي تقدم بها الحريري، وهم جميعاً أخصائيون لا هدف لهم سوى العمل حصراً على إخراج لبنان من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، دون أي أجندة سياسية مرتبطة بأي من الأحزاب.
كان من المفترض أن تحظى مثل هذه الحكومة بتأييد عربي ودولي واسع، حتى تبدأ عجلة الإنقاذ، التي تأخرت كثيراً، في الدوران.
لكن رهانات عون على تشكيل حكومة تحمل لوناً أو لونين لن تتحقق في ظروف الوضع الحالي، ويستحيل أن تشكّل مخرجاً من الأزمة الراهنة.
يتعامل الرئيس، ميشال عون، وفريقه مع الملف الأزمة اللبنانية كصالة للقمار تعلو فيها الرهانات، وتتزاحم سعياً نحو المكسب الأعلى، والذي يعني بالتبعية خطورة أعلى وأعلى. لكنه في الوقت نفسه يعطي انطباعاً وكأنه يتعامل مع المشهد اللبناني كرقعة شطرنج تتحرك فيه القطع وفقاً لقواعد اللعبة السياسية الراسخة، في وقت لا يحتاج فيه الشعب اللبناني لا إلى القمار ولا إلى الشطرنج، ولا إلى أي لعبة أخرى. فقد سأم الشعب اللبناني اللعب، وبلغ الضيق مبلغه. فلا كهرباء، ولا ماء، ولا صحة، ولا بنية تحتية، ولا أفق لأي ركن من أركان الدولة. الدولة اللبنانية في خطر، ولا تحتمل أي ألعاب سياسية، تلك هي الحقيقة الماثلة أمام الجميع، والتي يعجزون عن النظر في المرآة لرؤيتها، ناهيك عن التعامل معها بروح المبادرة والمباغتة السياسية المسؤولة والمحسوبة.
يحتاج لبنان إلى إرادة سياسية للحل، ويحتاج إلى تفكير خارج الصندوق، وخارج الأطر القديمة البالية، ولكن مع حساب كل المخاطر التي تحملها كل خطوة في أي اتجاه.
منذ أيام، قرأت دراسة قديمة تحمل عنوان "توقعات 2020 – استشراف مصري لأبرز قضايا الإقليم والعالم" صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وهي من تحرير الدكتور خالد حنفي علي، وتحت إشراف المدير العام، الدكتور خالد عكاشة، وباستشارة أكاديمية من الدكتور عبد المنعم سعيد.
دراسة وافية شافية عن كل ما يهم العالم العربي من قضايا إقليمية ودولية، وخريطة واضحة ومحددة لكل التيارات التي تؤثر من قريب أو من بعيد على المشهد المعقد في المنطقة، مع وضع توصيات وتوقعات لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في العام الجديد. والآن وقدر مر على هذه الدراسة عام ونصف العام تقريباً، أصبح بإمكاننا الحكم على قدرة ورؤية المتخصصين ممن شاركوا في إعداد هذه الدراسة الكبيرة (نشرت في 91 صفحة).
خاصة وأن كثيراً مما توقعوا قد حدث، وكثيراً مما أوصوا به لا زال قيد الدراسة والتحليل، ونحلم أن يدخل حيز التنفيذ، فيما يخص تضامن البلدان العربية تحت لواء جامعة الدول العربية أمام التحديات والصراعات الدولية، التي أصبح عالمنا العربي مسرحاً لتطوراتها.
إن دراسات مثل الدراسة المذكورة، والتي نشرت في أحد الأقطار العربية، ولا أشك في وجود كوادر مشابهة في جميع الأقطار العربية، ما يمكننا من الوصول إلى رؤى أوسع، وأشمل، وقدرة أكبر على استشراف المستقبل، والعمل بصيغة الفعل لا بمنطق رد الفعل. لقد سئمنا التكتيك، وآن أوان الاستراتيجية، والوطن العربي من الخليج إلى المحيط يمتلك كل ما يلزمه لكي تصبح هذه المنطقة قوة بارزة في العالم، تحسب حسابها القوى العظمى، والتحالفات الدولية على اختلافها.
إن ما يحدث في لبنان، لا يحدث في لبنان وحده، بل يمتد وينتشر ويحدث في العالم العربي بأسره، ونحن نحتاج اليوم والآن مراكز بحثية تحت لواء الجامعة العربية، تعتمد لغة واحدة، وتصدر توصيات لتكون مصدراً ملهماً للقرارات الاستراتيجية التي تتخذها الأمة العربية. توصيات تضع في صدارة أولوياتها مصلحة المنطقة، وشعوب المنطقة، ووحدة المصير، وتماهي الثقافات والأعراق والديانات في المنطقة، وتجابه كل الصعوبات والتحديات وحتى العقوبات الدولية، التي تمنع الدول العربية، على سبيل المثال لا الحصر، من مساعدة لبنان، بعيداً عن الآليات الدولية، خوفاً من أي ربط ما بين الأزمة اللبنانية والسورية، والضرر الذي يمكن أن يلحق بأي جهة تمد يد العون للبنان خارج إطار التوافق الدولي على الحكومة اللبنانية الجديدة، ودون الالتفات إلى الجانب البشري من القضية، وهو معاناة الشعب العربي اللبناني. يحدث ذلك في الوقت الذي تشارك الكثير من الدول العربية في محافل ومؤتمرات دولية لمساعدة قضايا أبعد ما تكون عن عالمنا العربي. فهل آن الأوان أن ندرك نحن العرب أهمية إنشاء مثل هذه المراكز، أو تفعيل ما يعمل منها، لخدمة قضايا المنطقة تحت مظلة الجامعة العربية؟ أتمنى ألا يدركني الأجل قبل أن أرى ذلك، وكما قال الحريري معتذراً عن تشكيل الحكومة اللبنانية: "الله يعين البلد (لبنان)"، ونضيف: ويعين الأمة العربية.
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي