النهار الاخبارية - وكالات
نشرت صحيفة "الغارديان” البريطانية تقريراً هاماً عن مآلات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، عقب وفاة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وبحسب التقرير الذي جاء تحت عنوان: "لعبة العروش.. ماذا يحدث عندما يترك محمود عباس منصبه؟”، فإن فوز عباس فاز بالرئاسة بأغلبية كبيرة أسعد الإسرائيليين والأمريكيين، حيث إنه على عكس الرئيس الراحل ياسر عرفات، شجب بشدة "عنف” ما كان آنذاك الانتفاضة الثانية.
وأشار التقرير إلى أن مستقبله، ومستقبل فلسطين بشكل عام، كان له الكثير من الأمل. لكن بعد عام واحد فقط، بسبب الخلاف الداخلي بين حزب فتح على قوائم المرشحين، فازت حركة حماس في الانتخابات البرلمانية، مما أدى إلى حرب أهلية قصيرة، فقدت خلالها السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة. وشبه ما تبقى من فترة حكم عباس الطويلة، فترة حكم مستبد إقليمي نمطي مصمم على التشبث بالسلطة.
شعبية ضئيلة بين الأجيال الشابة
وقال التقرير، إنه بعد ما يقرب من عقدين من الزمان، لم تعد اتفاقيات أوسلو تعالج الواقع السياسي على الأرض. ولا تحظى حركة فتح التي يتزعمها أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية، المليئة بالفساد، بدعم بين الأجيال الشابة، والسلطة التي يشرف عليها تعمل مع إسرائيل لقمع شعبها.
فساد وقمع حريات
وأوضح التقرير، أنه تم إرسال قوات أمن السلطة الفلسطينية لاعتقال قادة نقابيين ونشطاء وصحفيين وحتى المواطنين العاديين، الذين تجرأوا على كتابة منشورات انتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما عزّز عباس على مر السنين سيطرته على الهيئات المؤسسية وتهميش البرلمان الفلسطيني المنحل، حيث تم نقل سلطاته التشريعية رسميًا في عام 2018، مما يسهل تعيين حلفاء في المناصب العليا في منظمة التحرير الفلسطينية.
وفقاً للتقرير، فإن الرئيس الآن 87 عاماً، وصحته متردية، ومدخن منذ فترة طويلة، تم إدخاله إلى المستشفى مرتين هذا الصيف، وبين الحين والآخر ينتشر عبر الإنترنت شائعات عن وفاته، لافتاً إلى أن أبو مازن، آخر من بقي على قيد الحياة من الجيل المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية، وستمثّل وفاته لحظة مهمة في القصة الفلسطينية.
مَن سيأتي بعد محمود عباس؟
في هذا السياق، تحدث التقرير عن أنه لا يزال من غير الواضح ما سيحدث في الأيام والأسابيع التي تلي وفاته، حيث يمكن أن تحدث عدة سيناريوهات -بعضها عنيف- مما يجعل الدولة الفلسطينية التي كافح من أجلها كرجل أصغر، بعيدةَ المنال أكثر من أي وقت مضى.
ونقل التقرير عن ناصر القدوة قولَه عن عباس: "الشيء في أبو مازن هو أنه رجل ذو عاطفة شديدة. يحب بشدة ويكره بشدة إنها أهم سماته، هذا ما يميزه”.
وعن حيثيات تعيينه رئيساً للوزراء قبيل وفاة "عرفات”، قال التقرير، إنه بناء على طلب من واشنطن، عيّنه عرفات على مضض رئيساً للوزراء في عام 2003، وبعد وفاة "الرجل العجوز” في العام التالي، كان أبو مازن في وضع جيد للترشح لقيادة السلطة.
واعتبر التقرير أن حكم عباس اليوم، عبارة عن شبكة من التناقضات. إنه سيد مؤامرات القصر، حيث يلعب دور الحلفاء والتابعين داخل دوائر فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة ضد بعضهم البعض، كما أنه يحظى عمومًا باحترام نظرائه الدوليين، الذين ما زالوا يثنون على دوره المحوري في اتفاقات السلام في التسعينيات.
لكن في المجتمع الفلسطيني، يتعرض للسخرية باعتباره غير كفء وغير متماسك. في "إسرائيل"، لم يعد يُنظر إلى رئيس السلطة الفلسطينية على أنه شريك في السلام، ولكن بما أنه حصن ضد أمثال حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، فإنه لا يُنظر إليه على أنه عدو أيضًا.
في هذا السياق، قال جبريل الرجوب، أمين عام اللجنة المركزية لحركة فتح والحليف المقرب للرئيس: "نظامنا ليس نموذجًا أفلاطونيًا، لكنّ هناك أسبابًا متعددة لذلك”. أبو مازن هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يتمتع بشرعية منتخبة وتفويض. إنه الوحيد الذي يستطيع ويجب أن يقود. منتقدوه متحررون من القيود التي يعمل في ظلها”.
وفي حال استقالة أبو مازن أو وفاته، بموجب القانون الفلسطيني، من المفترض أن يصبح رئيس مجلس النواب رئيسًا مؤقتًا، ويصدر مرسومًا انتخابيًا خلال 60 يومًا. ومع ذلك، فإن الانقسام بين فتح وحماس عام 2006 يعني أن هذا شبه مستحيل، ولا توجد آليات مؤسسية واضحة لإدارة الانتقال.
فرصة حسين الشيخ
وبدلاً من ذلك، من المتوقّع على نطاق واسع أن يتولى حسين الشيخ، مؤيد عباس، والذي تمّ تعيينه في أيار/مايو أمينًا عامًا للجنة التنفيذية للسلطة الفلسطينية، منصب السلطة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، حيث كان الرجل البالغ من العمر 60 عامًا مسؤولًا سابقًا عن التنسيق مع إسرائيل، ومتهماً بالفساد والاعتداء الجنسي -وهي مزاعم نفاها- ولا يحظى بشعبية كبيرة.
ونقل التقرير عنه قولَه في مقابلات، إنه يجب انتخاب الزعيم الفلسطيني المقبل، لكن فقط إذا سمحت "إسرائيل" لسكان القدس الشرقية المحتلة بالتصويت، وهو أمر غير مرجح. كما شدد على أهمية علاقة السلطة ب"إسرائيل"، وفسرت زيارة لواشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، على أنها دعم البيت الأبيض للشيخ على أنه خليفة أبو مازن.
وأكد التقرير على وجود العديد من المتنافسين الآخرين على المنصب الأعلى داخل حركة فتح شديدة الانقسام، بما في ذلك الموالي لعباس "ماجد فرج” رئيس جهاز المخابرات العامة، و”محمود العالول” نائب رئيس فتح.
كما أن أحد المنافسين اللدودين "مروان البرغوثي”، الذي يقضي خمسة أحكام بالسَّجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي، حيث لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، وأعلن أنه سيرشّح نفسه للرئاسة من زنزانته في انتخابات 2021 الملغاة.
كذلك، أصبح محمد دحلان، وهو عدو آخر يعيش في منفًى اختياري في أبو ظبي، لاعبًا إقليميًا مؤثّرًا للغاية، ويعتقد أنه يحتفظ بصلات مع الجماعات المسلحة في كل من الضفة الغربية وغزة.
وبحسب التقرير، قد يؤدي الصراع على السلطة داخل الحزب إلى تأجيج موجة العنف التي تجتاح الضفة الغربية، حيث تهاجم الجماعات الفلسطينية المشكّلة حديثًا قوات الاحتلال الإسرائيلية وقوات السلطة.
ولفتت الصحيفة إلى أن حرباً أهلية أخرى مع حماس، انتفاضة على غرار الربيع العربي ضد السلطة، أو انتفاضة ثالثة ضد "إسرائيل"، كلها احتمالات في حالة حدوث فراغ كبير في السلطة.
استعدادات "إسرائيل" لوفاة عباس
ونوّه تقرير الصحيفة إلى أن "إسرائيل" مستعدة لجميع السيناريوهات المذكورة أعلاه، على الرغم من أنه لم يتمّ إجراء تدريبات عسكرية منذ عام 2018. وفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فإن خطة جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تحمل الاسم الرمزي "غروب الشمس”، تتعامل مع النتائج التي ستلي وفاة عباس مباشرة، بما في ذلك نشر قوات كبيرة في جميع أنحاء الضفة الغربية، والعمليات المحتملة لإنقاذ المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين.
خطة ثانية
ونوّه التقرير إلى أنه تمّ تصميم خطة ثانية، يشار إليها باسم "لعبة العروش”، للوضع الذي تحاول فيه الجماعات الفلسطينية المسلحة والفصائل السياسية المتنافسة السيطرة على مناطق مختلفة من الضفة الغربية.
فشل المشروع السياسي لـ عباس
في هذا السياق، قالت الدكتورة حنان عشراوي، التي استقالت من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 2020، على أساس أن النظام السياسي بحاجة إلى "تجديد وتنشيط”، إن التركيز على ما سيحدث "في اليوم التالي لأبو مازن” يحجب حقيقة أن مشروعه السياسي فشل بالفعل.
وأوضحت أن "الوضع في منحدر زلق مستمر. إنها ليست غلطة عباس بالكامل، نحن نعيش في ظل احتلال وحشي متعمد، وقد تم عمل كل شيء لإخفاق السلطة الفلسطينية وتقديمها كمقاولين من الباطن، من أجل الأمن الإسرائيلي”.
وأضافت: "كلما كان النظام أضعف، انغلق على نفسه وأصبح أكثر قمعًا. لا أعرف الشكل الذي سيتخذه المستقبل … يمكن أن يكون سلميًا. لكن كلما طال الوقت لرؤية تغيير حقيقي، يصبح العنف أكثر احتمالًا. إذا لم تسمح بالطرق الديمقراطية السلمية لنقل السلطة، فسيجد الناس وسائل أخرى للتعبير عن أنفسهم”.
واختتم التقرير بالقول، إن شعار الصبر والصمود، غالبًا ما كان بمثابة شعار أبو مازن السياسي، مؤكّداً على أن إرثه المهدر دليل كافٍ على أنه لم يعد مناسبًا للغرض.