الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

سياسة بايدن الخارجية في 2023 كانت إخفاقاً تاماً

النهارالاخباريه وكالات 
لن يمنح سجل السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في عام 2023 الكثير ليتباهى به في انتخابات العام المقبل 2024، التي يتحضر لها مع حزبه الديمقراطي؛ إذ أصبحت الولايات المتحدة في نهاية 2023 أكثر إرهاقاً مما كانت عليه في بداية العام، وكانت نجاحات سياسات بايدن قليلة جداً،. فلم تحدث طوال العام أي كوارث كبرى بالنسبة للأمريكيين، لكنَّ ذلك تغيَّر على مدار الشهرين الماضيين بعدما منح الرئيس الحكومة الإسرائيلية تفويضاً مطلقاً ودعماً غير مسبوق لشن حرب وحشية في غزة.  

يقول دانييل لاريسون٬ الكاتب والباحث الأمريكي في موقع إن بايدن ألزم واشنطن بمساعدة حرب أجنبية أخرى عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين وصل الصراع في أوكرانيا إلى حالة جمود. 
ومع أنَّ الولايات المتحدة لم تكن مُلزَمة لدعم هذه الحرب، فقد حرص بايدن على تحويلها إلى واحدة من سياساته الرئيسية وربطها بشكل وثيق بدعم أوكرانيا في خطابه العام. ولم يقدم بايدن حجة مقنعة بأنَّ الدعم غير المشروط لحملة إسرائيل هو الأفضل لمصالح الولايات المتحدة، وتتزايد تكاليف هذا الدعم منذ ذلك الحين.
علاوة على ذلك، فإنَّ دعم الحرب قد أدَّى إلى تعريض القوات الأمريكية في العراق وسوريا وغيرهما لتجدد الهجمات من الميليشيات المسلحة٬ وأدَّى أيضاً إلى زيادة المخاطر التي تواجه السفن الأمريكية في البحر الأحمر بعد شن الحوثيين هجمات على سفن الشحن الإسرائيلية أو تلك التي تسعى للوصول لإسرائيل بسبب استمرار عدوان إسرائيل على غزة. وتتزايد مخاطر إمكانية تصاعد الصراع وتمدده إلى مناطق أخرى في المنطقة، وكذلك الحال بالنسبة لخطر إمكانية أن تصبح الولايات المتحدة متورطة بصورة مباشرة في حرب متعددة الجبهات.
ويقول لاريسون إن تقدُّم بايدن "الغريزي" لدعم إسرائيل حتى النهاية جعل نشوب حربٍ أوسع أمراً أكثر احتمالاً ووضع القوات والمصالح الأمريكية في خطرٍ أكبر.
حيث لم يطغَ الدعم الأمريكي لإسرائيل على بقية أجندة السياسة الخارجية لبايدن فحسب، بل ربط أيضاً الولايات المتحدة بحملة القصف العشوائي وحصار عقابي يدفع مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين نحو ظروف المجاعة. ولم تكتفِ إدارة بايدن بإحراق أي مما تبقى من مصداقية واشنطن بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي، بل ربطت الولايات المتحدة عن كثب أيضاً بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وكان الضرر الذي لحق بسمعة أمريكا بالغاً بالفعل، ويُرجَّح أن يكون الضرر الذي يلحق بالمصالح الأمريكية في الشرق ا ولا يمكن إنكار النكسة التي أصابت أجندة بايدن الخاصة؛ إذ تعثَّرت كبرى المبادرات الدبلوماسية للإدارة في عام 2023 مثل السعي غير السديد للتطبيع السعودي الإسرائيلي٬ حين أظهرت الحرب في غزة أنَّ فهم الإدارة للمنطقة معيباً بصورة جوهرية، كما يقول دانييل لاريسون. وفشلت الإدارة، التي كانت مقتنعة بالافتراض الخاطئ الذي يرى أنَّ اتفاقات التطبيع التي تتم بتسهيل أمريكي بين إسرائيل والعملاء العرب من شأنها أن ترسي الاستقرار في المنطقة، في إدراك مدى سوء الأمور في فلسطين.
ولم تفعل إدارة بايدن، شأنها شأن سابقاتها، شيئاً لكبح ائتلاف نتنياهو الحكومي المتطرف في ظل مسعاه لضم الضفة الغربية تدريجياً. وكانت الإدارة الأمريكية تحاول معرفة الحواففز اللازمة لإقناع محمد بن سلمان بتأييد التطبيع، مُعتَقِدَةً أنَّه بالإمكان تهميش الفلسطينيين بهدوء وتجاهل مظالمهم والقفز عليها. ولو كانت نجحت في ذلك، لكان ذلك يعني التزاماً أمنياً آخر ومزيداً من التكاليف بالنسبة للولايات المتحدة، من ثَمَّ كان من الجيد تعطُّل هذه السياسة.
ليس واضحاً مدى إسهام عامل الدفع بالتطبيع السعودي في قرار حماس بالهجوم، لكن من الواضح أنَّه لم يكن من المفيد للولايات المتحدة إهدار جهد كبير كهذا في محاولة إغراء السعوديين بصفقة في حين أنَّ التوترات بين إسرائيل والفلسطينيين كانت على وشك الانفجار. ويعكس التصريح الشهير لمستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، قبل فترة قصيرة من بداية الحرب حول كم أنَّ المنطقة كانت أكثر هدوءاً مما كانت عليه خلال عقود، إلى أي مدى كانت الإدارة تصدق بياناتها الصحفية المعيبة٬ كما يقول لاريسون.


لأوسط وخارجه على المدى الأطول كبيراً وغير مسبوق
لقد كلَّف الدعم للحرب الولايات المتحدة الكثير من "النوايا الحسنة" في بلدان الجنوب العالمي، وتركت معارضة الإدارة الأمريكية لوقف إطلاق النار الولايات المتحدة معزولة بشدة في الأمم المتحدة على نحوٍ لم يحدث من قبل في أي قضية كبرى. وكانت الإدارة قد أكَّدت في وقتٍ أسبق أهمية التنافس على النفوذ مع القوى الكبرى الأخرى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، لكن يبدو أنَّ موقفها المتشدد بشأن غزة قد أهدر معظم المكاسب التني حققتها.
وقوَّض الدعم للحرب في غزة الدعم الأمريكي للحرب في أوكرانيا بطريقتين؛ أولاً، شتَّتت حرب غزة التركيز والموارد الأمريكية بعيداً عن أوكرانيا بعدما حوَّلت الولايات المتحدة تركيزها مجدداً إلى الشرق الأوسط. كما أنَّها مثَّلت سخريةً من خطاب الإدارة الداعم لأوكرانيا. إذ قضت الولايات المتحدة معظم العامين الماضيين تشيد بأهمية القانون الدولي من أجل حشد الدعم لأوكرانيا، ثُمَّ أظهرت أنَّ الولايات المتحدة لا تفرض على عملائها وشركائها ن يقول لاريسون: لم يكن سجل بايدن هذا العام سيئاً بالكامل. ففي الجانب الإيجابي المحدود، حقَّقت الولايات المتحدة بعض التقدم المتواضع في استقرار العلاقات مع الصين قرب نهاية العام وبعد أشهر من تدهور العلاقات في أعقاب حادثة منطاد التجسس في فبراير/شباط الماضي. وكان هنالك اختراق دبلوماسي بسيط مع إيران هذا الصيف أدَّى إلى إطلاق سراح خمسة أمريكيين كانت تحتجزهم الحكومة الإيرانية ظلماً. وللأسف، تراجعت الإدارة لاحقاً عن الإفراج عن الأموال الإيرانية التي كانت مُجمَّدة بموجب عقوبات سياسة "الضغط الأقصى"؛ لأنَّها لم ترغب أن يُنظَر إليها باعتبارها "تكافئ" إيران عقب هجوم حماس.
وتوصَّلت الإدارة أيضاً مؤخراً إلى اتفاق آخر مع الحكومة الفنزويلية لإطلاق سراح سجناء. وحقَّقت إدارة بايدن نجاحاً أكبر في العمل مع الحلفاء الراسخين. فطوَّرت اتفاق "أوكوس" لتشارك التكنولوجيا مع أستراليا وبريطانيا بصورة أكبر، واستغلت التحسن المؤقت في العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان لتعزيز العلاقات مع كلتيهما.
لقد اتسمت سياسة إدارة بايدن الخارجية في عام 2023 بالاعتماد أكثر من اللازم على الأدوات العسكرية وبذل جهد أقل من اللازم من أجل الانخراط الدبلوماسي. وقد يكون ذلك هو أحد الأسباب التي تفسر رفض الجمهور واسع النطاق الآن لتعامل بايدن مع السياسة الخارجية وهبوط حظوظه الانتخابية في استطلاعات الرأي المختلفة.
فس المعايير التي تنتظرها من الدول الأخرى.