النهار الاخباريه تونس
شهدت المطارات التونسية عمليات منع سفر لعدد من رجال الأعمال خلال الشهر الماضي بقرار من الرئيس قيس سعيد. وورد القرار إثر زيارة قام بها الرئيس إلى مطار تونس قرطاج يوم 16 أغسطس (آب)، أمر خلالها بمنع من وصفهم بـ"السماسرة الذين كتب على جوازات سفرهم صفة رجال أعمال من مغادرة البلاد، بسبب استيلائهم على أموال الشعب التونسي"، وفق تعبيره.
وأوضح أنه لا ينوي تقويض الحق في حرية التنقل المكفول بموجب الدستور والمعايير الدولية، لكنه دعا الأطراف كافة إلى تفهم الوضع الاستثنائي بحكم الإجراءات الاحترازية التي تستوجبها الظروف التي تمر بها البلاد، وأن تلك الترتيبات لا تستهدف أشخاصاً معينين، ولكنها تأتي في إطار مكافحة الفساد والفاسدين. وأن كل من وُجدت ضده معلومات تتضمن قرائن حول استيلائه على أموال الشعب، يجب أن يُحال على القضاء.
ولم تصدر مناشير رسمية لتطبيق القرار بعد ذلك، ولا يتم الاحتكام إلى أمر منظم للإجراء الاستثنائي المذكور بالمراكز الحدودية التونسية. وجُوبِه المنع لبعض رجال الأعمال والعمليات الرقابية التي خضع لها آخرون بالمطارات بموجة من الانتقادات والجدل حول قانونية المنع والتبعات الاقتصادية له. ونبه رؤساء وممثلو عدد من المنظمات التونسية "إلى الانعكاسات الخطيرة لعرقلة تنقل رجال الأعمال التونسيين على حركة التجارة الخارجية، إضافة إلى تهديدها نسق الاستثمار الذي يشهد تراجعاً بحكم الأزمة الاقتصادية الراهنة". ونادوا بالتسريع بإيجاد صيغة قانونية لمنع تنقل من تعلقت بهم ملفات فساد فحسب، حماية للمؤسسات التونسية، وتوقياً من هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وحماية لسمعة تونس لدى المستثمرين.
شبهة قطاعات
وطالبت منظمات عدة على رأسها منظمة العفو الدولية برفع الحظر لأنه لا يستند إلى إذن قضائي ويضرب حرية التنقل، إذ ينص القانون التونسي على أن السلطات القضائية هي الوحيدة المخولة بإصدار قرارات بتحجير السفر. وحذر اقتصاديون من ضرب الثقة بين أصحاب المؤسسات والأموال والسلطة، وما يترتب عنه من تأزم مناخ الاستثمار في البلاد. فقد أدت الإجراءات إلى فقدان ثقة متبادلة بين السلطة والقطاع الخاص بصفة عامة، وهو القطاع الوحيد المنتج في ظل أزمة مزمنة للقطاع العام في البلاد.
ويعود التوتر إلى عدم وضع قائمة جاهزة لرجال أعمال تعلقت بهم شبهات فساد لمنعهم من مغادرة البلاد، ما أدى إلى مجابهة جميع رجال الأعمال من دون استثناء، لترتيبات حدودية استثنائية، أدت إلى اتهام مبطن للجميع بالفساد. وذكر معز الحريزي رئيس "المنظمة الوطنية تونس تنتج"، أن المنظمة تلقت شكاوى من التضييق والمعاملة التمييزية التي يتعرض لها أصحاب المؤسسات في المطارات التونسية، بمجرد حمل جوازات سفرهم صفة "مدير مؤسسة" أو"وكيل شركة". وقد خضعوا إلى استشارات أمنية دامت بين ساعتين إلى ثلاث ساعات، ما أدى إلى تخلف كثيرين منهم عن الالتحاق بالطائرة بسبب طول الانتظار، بالإضافة إلى منع عدد منهم من السفر من دون أن يكونوا محل تتبع قضائي أو تقديم قرائن قانونية للمنع.
وقد أضحت الصفة المهنية وهي "صاحب مؤسسة" أو "وكيل شركة" أو "مدير شركة"، "شبهة" في حد ذاتها، بما في ذلك من انعكاسات سلبية على مناخ الأعمال والإنتاج في تونس، وتعطيل لقطاعات برمتها من صناعة وسياحة وتجارة، وتجريم الناشطين فيها. وهي رسالة سيئة إلى المستثمرين الأجانب مفادها أن المستثمرين في تونس مستهدفون بشكل جماعي. وتؤدي هذه الإجراءات رأساً إلى انكماش العمل والاستثمار، كما تخلق مناخاً من الضبابية، وتعطل عمل جزء كبير من المؤسسات العاملة في مجال التصدير وفي الأسواق الخارجية.
وجددت "المنظمة الوطنية تونس تنتج" مساندتها المطلقة لمحاربة الفساد في كل القطاعات والضرب على أيادي الفاسدين بالقانون، لكنها دعت إلى تغيير هذا الإجراء وتقنينه بتوفير قائمة محددة للممنوعين من السفر ممن تعلقت بهم ملفات فساد، للنأي بالبقية عن الشبهات، لما في الممارسات الراهنة من نتائج عكسية على مناخ الاستثمار والإنتاج في فترة تحتاج فيها تونس إلى توفير مناخ جيد يحفز على الاستثمار والعمل والإنتاج وخلق الثروة.
هاجس التحويلات
بينما عبر عضو المكتب التنفيذي لـ"كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية الدولية" أصلان بن رجب، عن تفهّم المنظمة الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بالأمن القومي، لكنه دعا إلى التفريق بين رجل الأعمال الوطني صاحب المؤسسة الملتزمة بدفع الضرائب، والفاسد، وعدم وضع الجميع في سلة واحدة. كما يتوجب على الأجهزة المتخصصة احترام الفرق بين صاحب المؤسسة الذي تحصّل على قروض بنكية في إطار القانون وبعيداً عن المحسوبية، ومن دعاهم رئيس الدولة بالسماسرة الذين لهم قضايا فساد، وأن تتفهم المنظمات التي ينضوي في صلبها رجال الأعمال تخوف الدولة من السفر إلى الخارج، والقيام بعمليات تحويل مالي كبيرة وتهريب الأموال بعد الإجراءات المتخذة من قبل رئيس الجمهورية في 25 يوليو (تموز)، فإنها تنبه إلى الخطّ الرفيع بين رجل الأعمال الوطني والفاسد، داعية إلى التسريع في تجاوز الإجراءات الاستثنائية التي تؤثر في سمعة تونس الاقتصادية، وتتسبب في تخويف المستثمرين من عدم الاستقرار، وتمنع دوران عجلة الاقتصاد التي يسهم فيها القطاع الخاص بشكل كبير. وطالبت "كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية الدولية" بالتدقيق في قائمة رجال الأعمال المطلوبين لدى القضاء درءاً للشكوك
الغموض السياسي في تونس يؤخر التعافي الاقتصادي
احتياطي العملات يسجل انخفاضا وينبئ بتفاقم التضخم في تونس
في حين أطلق أنيس الجزيري رئيس "مجلس الأعمال التونسي الأفريقي" نداء إلى المنظمات الوطنية كافة والغرف التجارية ومجالس الأعمال، للدفاع عن منظوريهم، ووصفهم برجال الأعمال الذين تتوافر فيهم صفة النزاهة والنظافة، والذين عملوا على الحفاظ على مواطن الشغل في هذا الظرف الاستثنائي الصحي والاقتصادي والسياسي الذي تمر به تونس، داعياً إلى استبعاد الفاسدين والمهربين الذين شوهوا سمعة أصحاب المؤسسات والمستثمرين الحقيقيين في تونس، ودمروا قطاعات حيوية للاقتصاد التونسي.
وكشف عن أن مجلس الأعمال التونسي الأفريقي توجه يوم 13 سبتمبر (أيلول) برسالة إلى سعيد طالب خلالها بتوضيح وضعية رجال الأعمال، وتوفير قائمة نهائية لمن تتعلق بهم قضايا فساد وإعلامهم بذلك مسبقاً، وبالإجراءات المنتظرة ضدهم، سواء تعلقت بالسفر أو غيره من الترتيبات الإدارية أو القضائية. كما اشتملت المراسلة على معاضدة المجلس للحرب ضد الفساد والرغبة في تحولها إلى سياسة دولة وأن لا ترتبط بفترة معينة.
لا يشكك المجلس في جدوى الحرب ضد الفساد ويدرك توافر ملفات في هذا الصدد ضد بعض المتجاوزين، لكنه يدعو إلى تنظيم عملية مواجهتهم ومعاقبتهم وتقديم الملفات إلى القضاء، بحكم خصوصية الوضع الذي يمس بمناخ الاستثمار والأعمال في البلاد.
وإن استبعد الجزيري أن تؤدي هذه الإجراءات إلى هروب رؤوس الأموال من البلاد، لكنها تؤدي حتماً بحسب تقديره، إلى تعطيل مصلحة المؤسسات وحركة التصدير واستقطاب العقود الجديدة، في هذا الظرف الصعب الذي تمر به التجارة الخارجية.
مناخ الاستثمار
ويذكر أن تونس تسعى إلى استرجاع ثقة المستثمرين التي اهتزت كنتيجة حتمية لعدم الاستقرار السياسي منذ أشهر، وينطبق هذا على المستثمرين التونسيين والأجانب على حد سواء، ولا تتجاوز نسبة الاستثمار 13 في المئة في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، وفق البنك المركزي التونسي. وينبئ توجس المستثمرين من المناخ المهتز في غياب أفق واضح بالعجز عن تعبئة موارد خارجية متأتية من أهم قطاع وهو الاستثمار. علماً أن نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي لم تتجاوز 1.7 في المئة عام 2020، وهي تسير نحو التراجع عام 2021 ما يعني الانهيار.
الأمر الذي من شأنه أن يعيق التنمية التي تراوح نسبة ثلاثة في المئة "سلبي" حالياً.
وتراجعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 28.8 في المئة، كما بلغ حجم الاستثمارات الخارجية 652 مليون دولار فحسب عام 2020. وبلغ حجم العجز التجاري 3.11 مليار دولار حتى يوليو 2021. ولم تتجاوز قيمة الصادرات 9.27 مليار دولار حتى يوليو 2021، وفق وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسي.