النهار الاخبارية - وكالات
توقع بنك إنجلترا أن يُقبل الاقتصاد على ركود يستمر لأكثر من سنة. وليس من المرتقب أن يتقلص الاقتصاد بالحدة أو العمق نفسيهما مثلما حصل أثناء الأزمة المالية عام 2008، لكن التضخم (ألا وهو معدل ارتفاع الأسعار) يرجح أن يظل مرتفعاً حتى عام 2023، الأمر الذي سيدفع مستويات المعيشة إلى انخفاض بالمعدل الأكبر على الإطلاق، وفق المصرف المركزي.
وأصبح الاقتراض الآن أكثر تكلفة مع رفع معدل الفائدة الرئيس لبنك إنجلترا إلى 1.75 في المئة الخميس الماضي. ومن المتوقع أن يضعف القوة الشرائية للنقود التضخم الذي يعتقد المصرف أن معدله سيبلغ أكثر من 13 في المئة في وقت لاحق من هذا العام.
إلى أي مدى سيكون الوضع سيئاً؟
من الأفضل أن ننظر في المدة التي سيستمر فيها معدل التضخم مرتفعاً وليس في ذروته المحتملة فقط حين نحاول تحديد مدى سوء الحالة الاقتصادية.
لم يكتف البنك المركزي بتوقع أن معدل التضخم سيفوق 13 في المئة، بل رجح أيضاً أنه سيظل مرتفعاً بنسبة تسعة في المئة في الفترة المماثلة من العام المقبل.
ومن شأن هذا الوضع أن يؤدي إلى انخفاض بنسبة 3.7 في المئة في الدخل الحقيقي المتاح للأسر خلال 2022 و2023 – أي الأموال التي وضعها الناس جانباً بعد دفع ثمن الضروريات الأساسية.
وفي غياب أي تدخل حكومي لتخفيف عبء ارتفاع الأسعار عن الأسر، يعتقد بنك إنجلترا بأن الاقتصاد يمكن أن يتقلص بنسبة تصل إلى 2.1 في المئة. وهذا مماثل للانكماش الذي حدث في مطلع التسعينيات والثمانينيات.
شرارتان توأم
يرتفع معدل التضخم ليس فقط بسبب زيادة أسعار الطاقة – التي تعزى جزئياً إلى الحرب التي تشنها موسكو على أوكرانيا والتي أدت إلى تقليص إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، بل أيضاً بسبب الزيادات في التكاليف في مختلف أنحاء الاقتصاد.
فالطاقة تدخل في إنتاج عديد من السلع والخدمات، لذلك عندما ترتفع تكاليف الطاقة يكون لها أثر واسع النطاق في الأسعار وكذلك أثر مباشر في فواتير الطاقة.
لكن في المملكة المتحدة، يسجل أيضاً معدل البطالة انخفاضاً كبيراً بالمقاييس التاريخية، في حين لا يتوفر من العاملين إلا عدد أقل مما يجب لتلبية احتياجات الشركات.
وهذا يعني أن المنافسة على الموظفين كانت سبباً في إرغام الشركات على تقديم عروض أجور أعلى، ما من شأنه أن يضيف إلى التكاليف الإجمالية التي تتحملها الشركات ومن ثم يغذي الأسعار التي تفرضها على العملاء.
ومن شأن ارتفاع التكاليف في حين ينكمش الاقتصاد أن يؤدي إلى ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد "الركود التضخمي"، إذا اجتمع هذان العاملان ليتسببا في ارتفاع معدل البطالة.
من سيتحمل القدر الأكبر من الأضرار؟
من بين أهم الشرارات لتوقع الركود هذا أن الناس من المرجح أن يشرعوا في شراء بضائع وخدمات أقل لأنهم سيعانون في تحمل تكاليفها، ما من شأنه أن يقلص الطلب في الاقتصاد وأن يضعف سوق الوظائف، وأن يدفع معدل البطالة إلى الارتفاع. وبالنسبة إلى أولئك الذين يعملون من المرجح أن يمثل المعدل المرتفع المستدام للتضخم تحدياً في شكل خاص للأشخاص ذوي الدخول الثابتة المنخفضة.
وكثيراً ما تكون هذه الفئات التي قد تشمل الأفقر من المتقاعدين والمستفيدين من المزايا أكثر عرضة إلى أثر ارتفاع الأسعار. فهم عموماً لا يستطيعون أن يتحملوا تكاليف الأساسيات ويكون عليهم أن يشتروها على الرغم من ارتفاع أسعارها وقلة مدخراتهم أو غيابها.
ومن المفترض أن ترتفع المزايا بما يتفق مع معدل التضخم، لكن هناك فارقاً بين تجسيد الحكومة لارتفاع الأسعار وبين الزيادة في الأموال النقدية التي يتلقاها الناس.
وهذا الفارق الذي يقدر بستة أشهر يعني أن الناس يواجهون حالياً زيادات في المزايا تقل عن معدل التضخم، أي انخفاضاً في الدعم. ويطالب ناشطون الحكومة بأن تخفض هذا الفارق نظراً إلى سرعة ارتفاع معدل التضخم في الأشهر الأخيرة.
المال الوارد والمال الصادر
بمطلق الأحوال، لا يستطيع أي فرد منا أن يفعل الكثير في مواجهة قوى اقتصادية شاملة. لكن مع ارتفاع الفواتير المرتقب والمؤكد في الأشهر المقبلة، يعد الوقت الآن مناسباً للجلوس والنظر في شؤونكم المالية.
فكروا في المال الوارد كل شهر أو أسبوع، ثم قارنوا ذلك بالمال الصادر. ثم افترضوا أن جنيهاً استرلينياً من كل 10 من هذه الجنيهات قد ضاع، وحاولوا قياس ما تبدو تكلفته قابلة للتحمل على هذا الأساس.
إذا كنتم مديونين، اطلبوا المشورة من مؤسسة خيرية مثل "خط الديون الوطنية" أو "ستيب تشاينج" لأن من المهم أن تسددوا الديون الأكثر تكلفة أولاً إن أمكن. للوهلة الأولى، لا تكون الأولوية واضحة دائماً.
وإذا احتجتم إلى توجيه في شأن بعض الفواتير أو المزايا، قد تتمكن من تقديم بعض المساعدة "مشورة المواطنين"، وهي جمعية خيرية أخرى.
معدلات الفائدة الأعلى
ستجعل معدلات الفائدة الأعلى الديون أكثر تكلفة. فالرهون العقارية الخاضعة إلى معدل الفائدة المعياري أو معدل متغير قياسي (مقارنة مع الرهون ذات المعدلات الثابتة) سيزيد حجمها وقد تخضع القروض الشخصية أيضاً إلى معدل أعلى للفائدة.
وسيترتب على رهن عقاري عادي يخضع إلى معدل الفائدة المعياري مبلغ شهري إضافي يساوي 50 جنيهاً استرلينياً (حوالى 60 دولاراً). أما الرهن العقاري الخاضع إلى معدل متغير قياسي فستبلغ الزيادة عليه ما يقارب 60 جنيهاً. ويمكن لمجموعة من الآلات الحاسبة المتوفرة عبر الإنترنت أن تساعد في تحديد الأثر استناداً إلى ظروفكم الشخصية.
وبالنسبة إلى المستأجرين، قد يعني ذلك أن المالك سيمرر التكلفة الإضافية للرهن العقاري من خلال زيادة في الإيجار.
تختلف التوقعات حول المستوى المرتفع الذي سيبلغه معدل الفائدة الرئيس لدى المصرف المركزي، لكن بعض الاقتصاديين يعتقدون بأنه قد يبلغ رقماً مرتفعاً يساوي 3.5 في المئة في السنتين المقبلتين. ويعتقد آخرون بأنه قد يبلغ ذروة قريبة من المستوى الحالي الذي يساوي 1.75 في المئة.
قد لا يبدو وضع أي مال احتياطي جانباً في الوقت الحالي مغرياً، مع تراجع قدرته الإنفاقية بمرور الوقت. لكن الادخار الآن قد يساعد في جعل الإنفاق أكثر سلاسة خلال الشتاء وخلال السنة المقبلة وسط الأسعار المتزايدة.
تقليص عدد الوظائف والبطالة
ثمة فرصة أكبر لكي تقلص الشركات قوتها العاملة أو لكي يجد المرء صعوبة أكبر في العثور على وظيفة جديدة خلال ركود.
وتواجه الشركات تكاليف أكبر على صعيد الاقتراض وتكاليف أكبر أيضاً في مواد الطاقة وكلفة الإنتاج، ما سيزيد التحديات أمامها في شأن توظيف عاملين جدد في الأشهر المقبلة. لكن بما أن الكتلة السكانية التي تزداد شيخوخة ومجموعة العاملين التي تزداد تقلصاً قد تعنيان أن معدل البطالة في ظل تراجع اقتصادي الآن، لن يرتفع مثلما حصل خلال حالات سابقة من الركود.
ويتوقع بنك إنجلترا أن يرتفع معدل البطالة إلى ستة في المئة بحلول منتصف عام 2025، مقارنة بـ3.8 في المئة في الوقت الحاضر. وعام 1992، خلال الكساد الذي حدث في مطلع التسعينيات بلغ معدل البطالة 10.7 في المئة.