الأحد 24 تشرين الثاني 2024

كيف استعدت البنوك المركزية الآسيوية لـ"حرب التضخم" في 2022؟


النهار الاخبارية - وكالات 
صندوق النقد يطالب بالاتجاه نحو تشديد السياسة النقدية مع بدء ارتفاع أسعار الغذاء
على الرغم من استمرار مرور الاقتصاد العالمي بالأزمات التي خلفتها جائحة كورونا، فإن المؤشرات القائمة تؤكد أن عام 2022 سيشهد تفاقم عدد من الأزمات، أبرزها التضخم الذي سجل بالفعل مستويات كبيرة، ربما تدفع دول العالم إلى مواجهة ركود تضخمي، وهي الأزمة الأكبر التي تستعد لها البنوك المركزية في الوقت الحالي عبر الاتجاه نحو تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة.

وكشف تقرير حديث، عن أن الطلب المكبوت الذي يغذيه التحفيز والاضطرابات الوبائية، ساعد في تسريع ورفع معدلات التضخم وانتشاره في مختلف أنحاء العالم من خلال عوامل عالمية، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ودخول دول متقدمة في أزمة طاقة، وارتفاع تكاليف الشحن بنسب قياسية، ما تسبب في أزمات أن تواجه سلاسل التوريد مشكلات جديدة.

ووفق صندوق النقد الدولي، فقد كانت معدلات التضخم في عدد من دول آسيا في حدود منخفضة خلال العام الحالي، وهو ما أتاح للبنوك المركزية الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة ودعم الانتعاش الاقتصادي. ومع ذلك، فإن مكاسب الأسعار الفاترة في آسيا قد تشهد زخماً أكبر، العام المقبل، حيث لا تزال الآفاق غير مؤكدة، وينبغي أن تكون البنوك المركزية مستعدة لتشديد السياسة إذا تصاعدت ضغوط التضخم والتوقعات.

احتواء أسباب ارتفاع الأسعار

وأشارت الدراسة التي أعدّها صندوق النقد الدولي إلى عوامل عدّة تفسر انخفاض معدلات التضخم في آسيا خلال العام الحالي، ومن بين الاقتصادات الناشئة في آسيا، أدى الانتعاش المتأخر إلى إبقاء التضخم الأساسي، الذي يستبعد تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة، يصل إلى نصف معدل أقرانه في المناطق الأخرى.

وارتفعت تكلفة الغذاء، التي تشكل نحو ثلث سلال مؤشر أسعار المستهلك، بنسبة 1.6 في المئة خلال العام الماضي، مقابل 9.1 في المئة في مناطق أخرى، ويعكس هذا عوامل فريدة مثل الحصاد القوي في الهند مع احتواء العوامل التي تسببت في ارتفاع الأسعار في عدد من دول العالم.

وعلى النقيض من ذلك، يعكس انخفاض التضخم في الاقتصادات المتقدمة في آسيا مجموعة مختلفة من العوامل، فقد تمتعت المنطقة بتضخم طاقة خفيف أكثر من أوروبا والولايات المتحدة. وأخيراً، تمكنت بعض الدول الآسيوية من إدارة الوباء بطريقة تجنبت حدوث اضطرابات كبيرة في الإمدادات وما يرتبط بها من ضغوط على الأسعار، فعلى سبيل المثال، تبنت كوريا تتبعاً شاملاً للمخالطين والاختبار، بينما احتوت أستراليا والصين على إصابات بإغلاق الحدود وعمليات الإغلاق المحلية.

لكن في النهاية، ستهدأ الضغوط التضخمية الواسعة في نهاية المطاف على الصعيد العالمي، وتتراجع حالات عدم التطابق بين العرض والطلب وتراجع الحوافز، ولكن في عام 2022، ومع قوة التعافي، يمكن للتأثير المستمر لارتفاع تكاليف الشحن أن يضع حداً للتضخم الحميد الذي تتمتع به آسيا في عام 2021.

وقد تضاعف أحد المقاييس المعيارية لتكاليف الشحن العالمية، بنحو ثلاث مرات هذا العام حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ويُظهر التحليل أن هذه الزيادات الكبيرة في تكاليف الشحن تعزز التضخم لمدة 12 شهراً، ما قد يضيف نحو 1.5 نقطة مئوية إلى وتيرة التضخم في آسيا في النصف الثاني من عام 2022.

وتيرة متسارعة منذ بداية 2021

ومنذ الأشهر الأولى لعام 2021، بدأت معدلات التضخم في الارتفاع بشكل ملحوظ على مستوى العالم، واتضح هذا الارتفاع منذ الربع الثاني من العام الحالي، وعلى الرغم من أن أسباب تفاقم التضخم واضحة، فإن آفاق الظاهرة، ومدى استمرارها في اقتصادات الدول محلّ خلاف وعدم يقين، وهو ما يضع مسار الاقتصاد العالمي خلال العام الجديد 2022 محل تساؤلات. فقد شهد معدل الزيادة في مؤشر أسعار المستهلكين تسارعاً في الدول المتقدمة والنامية خلال عام 2021، وهو ما ظهر بشكل خاص في الربع الثاني من هذا العام، واستمر كذلك خلال الربعين الثالث والرابع. ففي الاقتصادات المتقدمة، سجل متوسط التضخم السنوي خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2021 نحو أربعة في المئة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، و5.1 في المئة في الولايات المتحدة، وذلك مقارنة بنحو 2.1 في المئة و1.8 في المئة على الترتيب خلال عام 2019، أي قبل ظهور جائحة كورونا. وفي الدول النامية، بلغ متوسط التضخم السنوي خلال الفترة نفسها من عام 2021 نحو ستة في المئة، مقارنة بنحو أربعة في المئة كمتوسط لعام 2019.
ويعود ارتفاع التضخم في العالم خلال عام 2021 إلى مجموعة أسباب مركبة ومختلفة في طبيعتها، فمنها ما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي، ومنها ما يتعلق بالقطاع النقدي، ويتصدر هذه الأسباب تسارع الطلب على السلع من دون أن يوازيه تسارع العرض، وسببت جائحة كورونا في بدايتها انخفاضاً حاداً ومفاجئاً في طلب الشركات والمصانع على المواد والسلع الوسيطة بسبب عدم اليقين الشديد المسيطر على آفاق النشاط الاقتصادي في العالم. ومع بداية عام 2021، وفي ظل تسارع برامج التطعيم ضد كورونا، وعودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، انتعش هذا الطلب بشكل متسارع، ووجد المنتجون أنفسهم عاجزين عن زيادة العرض بسرعة موازية.

أزمة لوجيستية على مستوى العالم

ويتعلق السبب الثاني بوجود أزمات لوجيستية، فقد واجه القطاع اللوجيستي في العالم اضطراباً شديداً، إذ إن ارتفاع الطلب على السلع والخدمات بشكل سريع لم يُمهل شبكات الشحن والحاويات والسفن وقتاً كافياً لمُجاراة سرعته. وكانت سوق العمل قد تضررت بفعل كورونا بشكل كبير، وزادت الاضطرابات في موانئ ومسارات تجارية رئيسة في العالم من حدّة هذه المشكلة، مثل القيود التي فُرضت في موانئ دلتا نهر اللؤلؤ بمقاطعة قوانغدونغ، جنوب الصين، والازدحام والتكدس في موانئ لونغ بيتش ولوس أنجليس في الولايات المتحدة والضغط على مراكز التوزيع والمستودعات.

وأدّى تعطل السلع في مسارات التجارة العالمية، وتعثر سلاسل الإمداد، إلى مزيد من عدم التوازن بين العرض ثقيل الحركة، والطلب المتسارع، بخاصة مع اعتماد معظم الشركات لعقود زمنية سابقة على أساليب تقليص المخزونات الخاصة بها، مثل "أساليب الإنتاج في الوقت المحدد"، وهو أسلوب إداري يعتمد على تقليص التكلفة عن طريق طلب المدخلات والسلع الوسيطة فور احتياجها فعلياً من دون مُراكمتها مسبقاً، الأمر الذي وضع الشركات في مواجهة نقص المخزونات ومدخلات الإنتاج لعدم وجود رصيد مخزون كافٍ منها، ما تسبب في تكبيل العرض أكثر.

كما ارتفع "مؤشر البلطيق للبضائع الجافة" الذي يقيس التغير في تكلفة نقل المواد الخام وشحن البضائع، ليسجل مستويات مرتفعة، وزيادة قدرها نحو 650 في المئة على أساس سنوي في مايو (أيار) 2021. وعلى الرغم من هدوء المؤشر نسبياً في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإنه لا يزال في مستويات مرتفعة نسبياً عن فترات ما قبل جائحة كورونا.