النهارالاخباريه وكالات
وصلت الليرة التركية إلى معدل انخفاض تاريخي جديد بالتزامن مع قرار البنك المركزي خفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي خلال أسابيع، بعد يوم من تهديد الرئيس رجب طيب أردوغان "المدافعين عن الفائدة” في خطوات متلاحقة خلقت حالة ارباك كبيرة في الأوساط الاقتصادية والسياسية، ودفعت المعارضة التركية للاجتماع بشكل عاجل وتجديد دعوتها لعقد انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة بالبلاد.
والخميس، خفض البنك المركزي التركي في اجتماعه الشهري سعر الفائدة 100 نقطة أساس وذلك للشهر الثالث على التوالي حيث جرى خفض سعر الفائدة 100 و200 و100 نقطة أساس تباعاً ليصل من 19 بالمئة إلى 15 بالمئة، في حين يتوقع أن تتواصل قرارات الخفض في الاجتماعات الشهرية تباعاً للوصول إلى هدف أقل من 10 بالمئة.
ولأول مرة في التاريخ، وصل سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي إلى 10.92، لتكون بذلك قد فقدت أكثر من 30 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي، وقرابة 70 بالمئة من قيمتها في السنوات الأخيرة، ولتصبح بذلك الأسوأ أداء بفارق كبير بين عملات الأسواق الناشئة هذا العام.
وعلى مدار السنوات الماضية، أدت التغييرات المتتالية التي طالت وزير المالية والخزانة وثلاثة رؤساء للبنك المركزي وأعضاء في لجنة السياسات المالية والضغوط الكبيرة على البنك لخفض أسعار الفائدة التي أفقدته صفة الاستقلالية نتيجة رضوخه لضغوط أردوغان إلى انهيار متتالي في قيمة الليرة التركية.
وبينما يحذر اقتصاديون من مغبة خفض أسعار الفائدة بشكل غير مدروس لضمان استمرار المشاريع لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ستؤدي إلى ارتفاع أكبر في معدلات التضخم التي تضغط على الحياة اليومية للمواطنين الأتراك بشكل غير مسبوق وسط ارتفاع هائل في الأسعار، وسط تحذيرات من أن ارتفاع التضخم سيؤدي إلى انخفاض كبير في شعبية الرئيس التركي الذي يرى العكس وهو أن خفض الفائدة سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات وبالتالي زيادة التوظيف وارضاء الشارع.
وبدأت آخر جولة من الانخفاض التاريخي الجديد بقيمة الليرة عقب تصريحات أردوغان، الأربعاء، حيث هدد في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم رفاقه "المدافعين عن الفائدة” في تصريحات فتحت الباب أمام تكهنات مختلفة كان أبرزها الادعاء بأن أردوغان قد يلجأ لإقالة وزير الخزانة والمالية لطفي علوان الوحيد الذي امتنع عن التصفيق خلال حديث أردوغان عن محاربة الفائدة.
وشدد أردوغان في كلمته على أن حكومته عازمة على إزالة "آفة الفائدة” المرتفعة عن عاتق شعبها وأنها لن تسمح بأن يكون شعبها "ضحية لمعدلات الفائدة المرتفعة”، مجدداً التأكيد على قناعته الراسخة بأن "الفائدة سبب، والتضخم نتيجة” وهو التوجه الذي يختلف معه فيه أغلب الاقتصاديون في تركيا والعالم.
وقال موجهاً كلامه لمسؤولي الحكومة والحزب الحاكم: "لا يمكنني أن أمضي في هذا الطريق مع من يدافع عن الفائدة”، وأضاف: "طالما أنا في هذا المنصب، سأواصل كفاحي ضد الفائدة والتضخم حتى النهاية”، كما حث الشركات على الاستثمار والتوظيف وزيادة الصادرات.
وقدم أردوغان تطمينات حول مستقبل الاقتصاد التركي بالقول: "هل من الممكن أن يتدهور الاقتصاد على المديين المتوسط والطويل في بلد يشهد زيادة في الاستثمار والإنتاج والصادرات والتوظيف ويبلغ نموه مستويات قياسية وينخفض عجز الحساب الجاري لديه؟”، مضيفاً: "البلدان المتقدمة تقف على حافة أكبر كساد اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية”، وتابع: "من الواضح أن هذا الأمر ستتبعه أزمات اجتماعية وسياسية لكن تركيا والحمد لله تحتل مكانة جيدة في هذا المشهد العالمي الأليم”.
وأضاف أردوغان: "كل من يعرف الاقتصاد الحقيقي عن كثب ولديه اتصال بالعالم على دراية بهذه الحقيقة بشكل واضح.. ينتظرنا مستقبل مشرق إذا ما استطعنا تخطي عامي 2022 و2023 دون ركود اقتصادي، ومضينا قدما بما يتماشى مع أهدافنا المنشودة”، معتبراً أن "تركيا تمضي قدمًا بخطوات حازمة لتصبح مركز جذب لم يسبق له مثيل في تاريخها، في وقت كان النظام الاقتصادي العالمي يعيد هيكلته”.
وألقت التطورات الاقتصادية بضلالها على التحركات السياسية في البلاد، حيث التقى أردوغان، الأربعاء، شريكه في "تحالف الجمهور” دولت بهتشيلي زعيم حزب الحركة القومية، فيما التقى كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض شريكه في "تحالف الأمة” ميرال أكشينار زعيمة حزب الجيد حيث جدد زعماء المعارضة دعوتهم لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد وعدم انتظار موعد الانتخابات رسمي في يونيو/حزيران 2023.
وشهدت الأسابيع الأخيرة أزمات متلاحقة وخلافات عميقة بين أردوغان ومسؤولي السياسات الاقتصادية في البلاد تسبب في خسائر متلاحقة في قيمة الليرة التركية، فعقب تسريبات نشرتها وكالة رويترز عن خلافات بين أردوغان ورئيس البنك المركزي بسبب سياسات خفض أسعار الفائدة أقال الرئيس التركي ثلاثة من كبار مسؤولي البنك كانوا يعارضون دعم قرارات خفض أسعار الفائدة.
وأجرى أردوغان سلسلة تغييرات في لجنة السياسة النقدية في السنوات القليلة الماضية، فأقال ثلاثة رؤساء للبنك المركزي في السنوات الثلاث الأخيرة مما أثر على الليرة وأضر بشدة بمصداقية السياسة النقدية والقدرة على التنبؤ بها. وعين الرئيس الأخير للبنك في مارس/آذار بعد الإطاحة بناجي إقبال، وهو من متشددي السياسة النقدية ورفع معدلات الفائدة إلى 19 في المئة.
وصعد أردوغان ضغوطه من أجل خفض سعر الفائدة في يونيو/حزيران عندما قال علنا إنه تحدث إلى كافجي أوغلو بشأن ضرورة خفض معدل الفائدة بعد أغسطس/ آب، قبل أن يبدأ البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة 1 بالمئة و2 بالمئة على التوالي ليصل من 19 إلى 16 بالمئة، ومع القرار الجديد بخفض الفائدة 1 بالمئة وصل سعر الفائدة إلى 15 بالمئة في توجه يظهر حجم إصرار الرئيس التركي على خفض الفائدة إلى أقل من 10 بالمئة تباعاً في الأشهر المقبلة.
وعلى وقع خفض الفائدة وارتفاع التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية، يتواصل ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في تركيا الأمر الذي تسبب في متاعب ومصاعب حياتية كبيرة على المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وبات يشكل أكبر تحدي يواجه حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان مع اشتداد التجاذبات السياسية الداخلية وضغط المعارضة لإجراء الانتخابات بشكل مبكر.
وأعلنت هيئة الإحصاء التركية، بأن معدل التضخم ارتفع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنسبة 19.89%على أساس سنوي، وأوضحت الهيئة أن معدل التضخم السنوي ارتفع بنسبة 0.31% عن المعدل المسجل في الشهر السابق عند 19.58%، لكن المعارضة تقول إن أرقام التضخم الحقيقية بالبلاد وصلت إلى الضعف وبلغت ما لا يقل عن 40 بالمئة.
كما عدل البنك المركزي التركي توقعاته الخاصة بالتضخم لنهاية العام الجاري، موضحاً أنه من المتوقع أن يصل معدل التضخم السنوي إلى 18.4% بنهاية عام 2021، مقابل 14.1% في التوقعات السابقة، وقال رئيس البنك المركزي شهاب كافجي أوغلو عقب اجتماع للبنك في أنقرة إنهم يتوقعون أن يصل التضخم في البلاد بنهاية العام الجاري إلى 18.4 بالمئة، و11.8 بالمئة في 2022، و7 بالمئة عام 2023.