النهار الاخبارية - وكالات
توقع صندوق النقد الدولي في تقرير حديث، ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، وكشف عن أبرز القطاعات المرشحة للتأثر على المديين القريب والمتوسط، نتيجة التحركات السعرية التي أحدثتها الجائحة في بعض القطاعات، وأبرزها الغذاء والنقل والملابس والاتصالات. لكن ما يزيد الأمور تعقيداً هو دخول دول العالم المتقدمة في مواجهة مع أزمة طاقة تسببت في ارتفاع قياسي بتكلفة الشحن، وهو ما يدفع إلى زيادة حدة المشكلات التي تواجهها سلاسل الإمدادات والتوريد على مستوى العالم.
وذكر الصندوق أنه من المثير للدهشة أن تشتت الأسعار أو مدى تباينها عبر القطاعات لا يزال محدوداً نسبياً حتى الآن بمعايير التاريخ الحديث، خصوصاً إذا ما قورنت بالأزمة المالية العالمية في 2008، والسبب في ذلك هو التقلبات الأصغر والأقصر نسبياً في أسعار الوقود والغذاء والمساكن بعد الجائحة، وهي التي تمثل في المتوسط أكبر ثلاثة مكونات في سلال الاستهلاك.
وتشير التوقعات إلى أن التضخم السنوي في الاقتصادات المتقدمة سيصل إلى الذروة عند متوسط 3.6 في المئة خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام، قبل أن يرتدّ إلى معدل 2 في المئة خلال النصف الأول من عام 2022. لكن ستشهد الأسواق الصاعدة ارتفاعات أسرع حتى تصل إلى متوسط 6.8 في المئة، ثم يتراجع هذا المتوسط إلى 4 في المئة.
ضغوط بسبب ارتفاع أسعار الغذاء
تأتي تقديرات صندوق النقد الدولي مصحوبة بقدر كبير من عدم اليقين، وربما يظل التضخم مرتفعاً لفترة أطول، والعوامل المساهمة في ذلك من الممكن أن تشمل الارتفاع الكبير في تكاليف المساكن ونقص الإمدادات لفترة مطولة في الاقتصادات المتقدمة والنامية، أو ضغوط أسعار الغذاء وانخفاض أسعار العملات في الأسواق الصاعدة.
وقفزت أسعار الغذاء حول العالم بما يقارب 40 في المئة أثناء جائحة كورونا، وهو تحدٍّ قاسٍ للبلدان منخفضة الدخل حيث تمثل هذه المشتريات نسبة كبيرة من إنفاقها الاستهلاكي.
وقبل أيام، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، أن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت للشهر الثاني على التوالي خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، لتبلغ ذروة عشرة أعوام مدفوعة بصعود أسعار الحبوب والزيوت النباتية. ورفعت الوكالة من توقعاتها قليلاً لإنتاج الحبوب عالمياً في 2021 إلى مستوى قياسي عند 2.8 مليار طن من 2.788 مليار طن في تقديرات الشهر الماضي. لكنها قالت إن هذه التوقعات القياسية تظل أقل من الاستهلاك المرتقب.
وسجل مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء، الذي يرصد الأسعار العالمية للسلع الغذائية الأكثر تداولاً، مستوى 130 نقطة في المتوسط الشهر قبل الماضي، وهي القراءة الأعلى منذ سبتمبر من عام 2011، بالمقارنة مع القراءة المعدلة لشهر أغسطس (آب) عند 128.5 نقطة. وكانت قراءة شهر أغسطس السابقة 127.4 نقطة. وعلى أساس سنوي، ارتفعت الأسعار بنسبة 32.8 في المئة خلال سبتمبر الماضي.
ارتفاع غير مسبوق بأسعار الشحن عالمياً
وفي ما يتعلق بأزمة الشحن وارتفاع تكلفته بنسب قياسية، يشكّل الشحن البحري وسيلة نقل نحو 90 في المئة من السلع والبضائع عالمياً، وأظهر عام وباء كورونا وتبعاته عدداً من التحديات أمام هذا النوع من النقل، على رأسها زيادة تكلفة الشحن البحري بنسبة 800 في المئة خلال عام واحد، وهو ارتفاع غير مسبوق أدى إلى صعود أسعار السلع والبضائع للمستهلكين، إذ يتم تحميل تكلفة النقل على السعر النهائي.
ووفق صحيفة "ديلي تلغراف"، قال بول ستوت، أستاذ النقل البحري في جامعة نيوكاسل، إن النقل البحري يتعرض لأزمات، لكن الأزمة الراهنة غير مسبوقة وفي غاية الأهمية. وأوضح أن تلك المعضلة مؤقتة ولن تستمر، لأنها حدثت فجأة بسبب الوباء، مذكّراً بمشكلة ارتفاع أسعار الشحن البحري عام 2007، وأزمة تكلفة الشحن على الناقلات في أزمة النفط عام 1973. ويشير إلى أن الخضات السابقة أخذت وقتاً لتصل إلى حدها الأقصى، وتطلّب ارتفاع الأسعار تراكماً تدريجياً، لكن هذه المرة حدثت الزيادة الهائلة دفعة واحدة.
وأوضح أن الأمر لا يتعلق بإغلاق أرصفة شحن أو موانئ بسبب وباء كورونا فحسب، بل إن هناك مشكلة نقص في الناقلات والحاويات بسبب تراجع إنتاج تلك الصناعة. فبعد زيادة الأسعار في 2007، توقف بعض ترسانات بناء السفن عن العمل، وكذلك أغلق بعض مصانع إنتاج حاويات النقل البحري.
وعلى الرغم من أن الطلب على بناء السفن التجارية والناقلات عاد الآن إلى الصعود، فإن سعة الترسانات الموجودة من الطاقة الإنتاجية لا تكفي، ما يرفع الأسعار نتيجة زيادة الطلب عن العرض.
تكلفة الشحن تمثل 10 في المئة من أسعار السلع
ووفق بيانات حديثة أعلنتها شركة "فزلس فاليو"، فإن الطلب على السفن الناقلة للحاويات وصل إلى 12 في المئة، بينما تشير أرقام شركة "برايمر" المنافسة إلى أن نسبة الطلب زادت بما بين 8 و9 في المئة. وفي كل الأحوال، تأتي زيادة الطلب بنسبة أعلى من النمو التقليدي في التجارة العالمية، بالتالي في ناقلات الشحن البحري. ووفق البيانات، فقد كان الارتفاع الأكبر في أسعار الشحن البحري في التجارة مع آسيا.
ووصلت تكلفة شحن حاوية سعة 40 قدماً من أوروبا إلى أميركا إلى 681 دولاراً، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 60.2 في المئة، ومن أميركا إلى أوروبا 6014 دولاراً بزيادة 247.2 في المئة، بينما وصلت تكلفة شحن الحاوية سعة 40 قدماً من الصين أو شرق آسيا إلى الساحل الغربي لأميركا الشمالية نحو 13 ألفاً و666 دولاراً، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 926.7 في المئة، أما شحنها من الصين وشرق آسيا إلى الساحل الشرقي لأميركا الشمالية، فقيمته 16 ألفاً و8 دولادات، أي بزيادة 525.5 في المئة.
وفيما تتراوح التقديرات العالمية لتكاليف الشحن كنسبة من التكلفة الإجمالية للسلع المستوردة في الأعوام الأخيرة بين 5 و15 في المئة، توقعت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" في مذكرة بحثية حديثة أن ترتفع أسعار السلع المستوردة عالمياً بنحو 10 في المئة نتيجة تضاعف أسعار الشحن، وفقاً لتقديرات بأن أسعار الشحن تمثل نحو 10 في المئة من تكلفة استيراد السلع.
وبينما ارتفعت الأسعار الفورية للشحن البحري خلال الفترة الحالية بنحو 800 في المئة، مقارنة بمستواها في منتصف 2020، زادت الأسعار التعاقدية للشحن على نحو أقل، إذ تفترض "كابيتال إيكونوميكس" أن التكلفة التعاقدية العامة لشحن الحاويات ارتفعت بنحو نصف صعود الأسعار الفورية، أي بنحو 400 في المئة، ويعني ذلك أن تكلفة استيراد السلع عبر البحر ربما تزيد بنحو 40 في المئة.