النهار الاخبار يه. وكالات
تهدد الموجة الجديدة من فيروس كورونا المستجد، التي تجتاح العالم في الوقت الحالي، الانتعاش الاقتصادي في أوروبا، إذ يغذي عودة ظهور حالات الإصابة بالمتحور الجديد في جميع أنحاء القارة المخاوف من أن التعافي الاقتصادي القوي للمنطقة من الوباء "قد يتعرض للخطر" بسبب شتاء قاس آخر.
وحتى الآن، لم يكن لموجة فيروس كورونا الجديدة سوى تأثير محدود على النشاط التجاري في 19 دولة تستخدم اليورو. وارتفع مؤشر مديري المشتريات من "آي أتش أس ماركيتس"، وهو مقياس رئيس للاقتصاد، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بعد انخفاضه إلى أدنى مستوى في ستة أشهر خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
لكن، التوقعات للمستقبل قاتمة، فقد أعلنت النمسا الأسبوع الماضي أنها ستعود إلى الإغلاق الوطني، وأثارت الإصابات المتصاعدة في ألمانيا أيضاً تساؤلات حول ما إذا كان أكبر اقتصاد في المنطقة يمكن أن يعيد فرض قيود شاملة.
اضطرابات جديدة بالأسواق الأوروبية
في مذكرة بحثية حديثة، يرى كبير اقتصاديي الأعمال في "آي أتش أس ماركيت"، أن "التوسع القوي في النشاط التجاري في نوفمبر تحدى توقعات الاقتصاديين بالتباطؤ، لكن من غير المرجح أن يمنع منطقة اليورو من معاناة تباطؤ النمو في الربع الرابع، بخاصة أن حالات الإصابة بالفيروس المتزايدة يبدو أنها ستتسبب في اضطرابات متجددة للاقتصاد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل".
وانخفضت ثقة المستهلك في منطقة اليورو "بشكل ملحوظ" في نوفمبر الحالي، وفقاً للمفوضية الأوروبية. وذكرت "آي أتش أس ماركيت"، أن توقعات الشركات هذا الشهر للناتج الاقتصادي المستقبلي "تدهورت إلى أدنى مستوى منذ يناير (كانون الثاني) الماضي".
ويرى روبن سيجورا كايويلا، الاقتصادي الأوروبي في بنك أوف أميركا، أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات، لتقييم ما يمكن أن تعنيه القيود في أوروبا بالنسبة إلى اقتصاد المنطقة. وأشار إلى أنه مع كل موجة من حالات الإصابة بفيروس كورونا، انخفض التأثير الاقتصادي، إذ تتعلم الشركات والمستهلكون التأقلم.
وأضاف، "نعلم أنه سيكون هناك رد فعل، لكن لا نعرف ما إذا كان سيصير بنفس الحجم. أفترض، بناءً على ما رأيناه خلال الأشهر القليلة الماضية، أنه سيكون أقل حدة من الموجات السابقة".
وتضررت أوروبا بشكل خاص من الوباء في عام 2020، وهبط الناتج الاقتصادي 6.3 في المئة في منطقة اليورو مقارنة بانخفاض 3.4 في المئة في الولايات المتحدة. لكن المنطقة انتعشت في الأشهر الأخيرة مع ارتفاع معدلات التطعيم. وزاد الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو 2.2 في المئة بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) مقارنة بالربع السابق.
موجة إغلاقات أوروبية
والجمعة، منعت إيطاليا دخول مواطني 7 دول من جنوب القارة الأفريقية إلى أراضيها، وسط انتشار متحور جديد من فيروس كورونا في تلك البلدان، كما اتخذت سنغافورة القرار نفسه.
بينما شرعت بلجيكا وهولندا في فرض تدابير جديدة، في محاولة لكبح جماح التزايد الحاد في أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا مع انتشار المتحور الجديد، وأملاً في توفير الحماية للمواطنين خلال احتفالات عيد الميلاد الشهر المقبل.
واضطر رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، إلى تعزيز الإجراءات للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، وأغلق النوادي الليلية، بينما سيتعين على الحانات والمطاعم إغلاق أبوابها في الحادية عشرة مساء خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.
ومن المتوقع أن تعلن الحكومة الهولندية عن توسيع إجراءات الإغلاق الجزئي، الذي دخل حيز التنفيذ منذ أسبوعين، وسط تزايد سريع لأعداد حالات العدوى ودخول وحدات العناية المركزة.
وأعلنت ألمانيا أيضاً أنها تعتزم وقف أغلب الرحلات من دول جنوب القارة الأفريقية، لمنع انتشار سلالة كورونا الجديدة. وأوضح وزير الصحة في ألمانيا ينس شبان، أن بلاده مقبلة على إجراءات صارمة قريباً بعد ارتفاع
إصابات كورونا.
وأعلنت الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أنها تريد وقف السفر الجوي من جنوب قارة أفريقيا لمواجهة انتشار نوع جديد من كورونا. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في بيان، إنها "تقترح، بالتنسيق الوثيق مع الدول الأعضاء، تفعيل مكابح الطوارئ لوقف السفر الجوي من منطقة جنوب أفريقيا".
وجرى اكتشاف نوع جديد من كورونا في جنوب أفريقيا يقول العلماء، إنه مصدر قلق بسبب ارتفاع عدد الطفرات فيه وانتشاره السريع بين الشباب في غاوتنغ، المقاطعة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد.
وباتت أوروبا مجدداً البؤرة العالمية للوباء، فيما خفض المتحور دلتا الشديد العدوى فاعلية اللقاحات في لجم انتقال المرض، بنسبة 40 في المئة، وفق ما أفادت منظمة الصحة العالمية.
التشدد في فحوص كورونا
ترى جيسيكا هيندز، محللة اقتصادية أوروبا في "كابيتال إيكونوميكس"، أن كثيراً يعتمد الآن على كيفية تطور الوضع في ألمانيا. وتعتقد أنه من "المعقول" أن تتعرض أوروبا للركود في نهاية العام، إذا دخل أكبر اقتصاد فيها في حالة من الإغلاق.
وأضافت، "من المحتمل أن نشهد بعض الضرر للنشاط الاقتصادي تماماً، مثلما يجعل ارتفاع أعداد الحالات المستهلكين أكثر خوفاً، وتطلب الحكومات فحصاً أكثر صرامة لكورونا لأنشطة مختلفة".
واعتباراً من الأربعاء، يجب على الموظفين الألمان تقديم اختبار فيروس كورونا السلبي أو حالة التطعيم أو دليل على الشفاء من الفيروس من أجل الذهاب إلى العمل. وإذا لم يتمكنوا من العمل من المنزل، فقد لا يحصلون على أجر. واعتباراً من السبت، ستمنع برلين المقيمين غير المطعمين من دخول الفنادق والمطاعم والحانات والمتاجر، باستثناء متاجر البقالة والصيدليات.
ولا يزال قطاع التصنيع في ألمانيا أيضاً تحت الضغط، حيث تستمر مشاكل سلسلة التوريد في إثارة قلق شركات صناعة السيارات والمنتجين الآخرين. كما يمكن أن تعلن فرنسا أيضاً المزيد من القيود لاحتواء انتشار كورونا، بعد أن أبلغت عن أكثر من 30 ألف إصابة جديدة، الثلاثاء، وهو مستوى شوهد آخر مرة في أوائل أغسطس (آب) الماضي. ومن المتوقع أن يناقش المسؤولون الحكوميون الإجراءات الجديدة، الأربعاء.
إضافة إلى حالات الإصابة بكورونا، تتعامل أوروبا مع آثار التباطؤ الاقتصادي في الصين، فضلاً عن ارتفاع التضخم وأزمة إمدادات الطاقة التي يمكن أن ترفع التكاليف على الشركات، وتجعل تدفئة المنازل أكثر تكلفة هذا الشتاء، ويمكن أن يضر ذلك الإنفاق الاستهلاكي على نطاق أوسع.
لكن في الوقت نفسه، فإن هناك بعض العناصر الإيجابية للتعافي التي ما زال من الممكن أن تلعب دورها. حيث تساعد المدخرات الزائدة التي تراكمت في وقت مبكر من الوباء، في التخفيف من الآثار الضارة للتضخم على دخول الأسر والأفراد.