بعد أقل من 3 أشهر فقط من تخفيض التصنيف الائتماني، غيرت وكالة موديز نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، فما الأسباب؟ وماذا يعني هذا التقييم المتشائم؟
كانت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية قد أصدرت، الخميس 18 يناير/كانون الثاني 2024، بياناً أعلنت فيه تغيير نظرتها المستقبلية لحالة الاقتصاد المصري ووضعه الائتماني من "مستقرة" إلى "سلبية"، مع الإبقاء على التصنيف المالي للدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان عند Caa1.
ما هي التصنيفات الائتمانية؟
كانت وكالة موديز قد أعلنت، يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1، مرجعة أسباب القرار إلى تدهور قدرة القاهرة على تحمل التكلفة الباهظة لديونها الخارجية المتراكمة.
وتنقسم درجات التصنيف الائتماني إلى ثلاثة قطاعات (A وB وC)، وكل قطاع منها مقسم إلى ثلاث درجات (A1 وA2… وهكذا)، وتستخدم هذه التصنيفات في الحكم على وضع الاقتصاد في الدولة، وكذلك تصنيف مدى قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه سداد ديونها.
وكانت درجة مصر عند B3 في هذا التصنيف تعني أن الالتزامات المصنفة بها "مضاربة وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية"، بينما تصنيف Caa1 يعني أن الالتزامات المصنفة بها "مضاربة ذات وضع ضعيف وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية جداً".
وبصورة مبسطة، كلما كانت درجة التصنيف الائتماني منخفضة؛ انعكس ذلك بشكل مباشر على ارتفاع تكلفة الحصول على قروض من الخارج، وصعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية، حيث إن المخاطرة هنا تكون عالية جداً، وفي تفسيرها لأسباب التخفيض الأخير في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أرجعت موديز القرار بالأساس إلى "تدهور قدرة الحكومة المصرية على تحمل الديون واستمرار نقص العملات الأجنبية في ظل زيادة مطردة في مدفوعات خدمة الدين الخارجية على مدى العامين المقبلين".
موديز وتغيير النظرة المستقبلية
وفيما يتعلق بتغيير النظرة المستقبلية لمصر، قالت موديز في بيان إن "الزيادة الكبيرة في مدفوعات الفائدة والضغوط الخارجية المتزايدة أدت إلى تعقيد عملية تكيف الاقتصاد الكلي"، بحسب رويترز.
وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن يؤدي استمرار الحصول على الدعم المالي الرسمي من صندوق النقد الدولي إلى زيادة قدرة مصر على تحمل الديون، إلا أن "إجراءات السياسة وأوجه الدعم الخارجي قد تكون غير كافية لمنع إعادة هيكلة الديون"، نظراً لضعف مقاييس أعباء الدين، بحسب بيان موديز.
بيان وكالة التصنيف الائتماني أشار إلى المخاطر المتزايدة المتمثلة في استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد وسط صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف.
كما توقعت الوكالة أن يساعد سجل مصر في مجال تنفيذ الإصلاح المالي في المساعدة في الحصول على المزيد من الدعم المالي من صندوق النقد الدولي، أي الحصول على مزيد من القروض.
وبلغة الأرقام، تبلغ ديون مصر الخارجية (حتى مارس/آذار 2023) 165.4، وذلك ارتفاعاً من 46.3 مليار دولار عام 2013، وخلال عام 2024 الحكومة المصرية مطالبة بسداد ما يقرب من 30 مليار دولار لخدمة ديونها الخارجية، أي معظم احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، والذي يبلغ 34.93 مليار دولار (بحسب البنك المركزي).
مؤشرات "سلبية" للاقتصاد المصري
وفي تقييم آخر، كانت شركة "فوتسي راسل FTSE Russell" لمؤشرات الأسهم العالمية قد أعلنت قبل 3 أشهر أنها ستضيف مصر إلى "قوائم المراقبة" حتى مارس/آذار 2024، ما يعني احتمال خفض درجتها في مجموعات مؤشرات الأسهم الخاصة بها في الأسواق الناشئة الثانوية، بحسب تقرير لرويترز.
يعرّض هذا الإجراء مصر لأن تصبح خارج التصنيف أو غير مصنفة، ويرجع السبب وراء هذا التهديد إلى المشكلات التي يواجهها المستثمرون الدوليون في إعادة رؤوس أموالهم إلى بلدانهم، بحسب فوتسي راسل.
وفي هذا السياق، قالت عالية المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، لشبكة CNN الأمريكية، إن وضع السوق المصرية تحت الترقب "يعد مؤشراً شديد الخطورة، ويدل على اضطراب كبير في المشهد الاقتصادي في مصر، إذ إن أصحاب رؤوس الأموال يجدون صعوبة شديدة في الحصول على الدولار الأمريكي لتحويل أرباحهم إلى خارج مصر".
وتمثل هذه الخطوات استمراراً لسلسلة من التراجعات في تصنيف مصر الائتماني طوال عام 2023، إذ عدلت وكالة موديز النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري في مايو/أيار الماضي من سلبية إلى تحت المراقبة، مع الحفاظ على تصنيف B3، وذلك قبل تخفيض التصنيف إلى Caa1 ثم إعادة تغيير النظرة المستقبلية إلى "سلبية".
كما خفضت وكالة فيتش تصنيف مصر إلى B في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أيضاً، وعدلت وكالة ستاندرد آند بورز النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، مع الحفاظ على تصنيف B. وفي كل مرة يتم فيها تخفيض التصنيف الائتماني لمصر أو تعديل النظرة المستقبلية لاقتصادها، ترتفع نسبة الفائدة على السندات السيادية وتزيد تكلفة التأمين عليها، وهو ما ينعكس مباشرة على ارتفاع حجم الدين الخارجي، وبالتالي زيادة حجم خدمته وفوائده وأقساط سداده.
ماذا يعني ذلك؟
في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتضخم قياسي ونقص حاد في العملة الأجنبية، يضع تغيير وكالة موديز نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية ليضع مزيداً من الأعباء على الاقتصاد المنهك، إذ جعل توسع الحكومة المصرية في الاقتراض الخارجي على مدى السنوات الثماني الماضية سداد الديون الخارجية عبئاً مرهقاً بشكل متزايد.
كما تمثل هذه التطورات السلبية مزيداً من الضغوط على الاقتصاد، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على التضخم وارتفاع الأسعار؛ ما يزيد من معاناة المصريين. إذ إنه بالنسبة لتأثير الأوضاع الاقتصادية على المصريين، فإن الارتفاع الجنوني والمستمر في أسعار جميع السلع، والانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية، بات يهدد الاستقرار المجتمعي، بحسب أغلب المراقبين.
وتزايدت بشكل لافت أعداد المصريين الذين يغادرون إلى الخارج وتحدوهم الآمال في العثور على فرص عمل، وسط ما تشهده البلاد من ارتفاع في التضخم لمستويات قياسية، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، وفرض الحكومة المثقلة بالديون قيوداً على الإنفاق.
وتظهر بيانات وزارة الداخلية الإيطالية، على سبيل المثال، أن أكثر من ثمانية آلاف من الذين وصلوا بحراً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي إلى البلاد قالوا إنهم مصريون، بحسب تقرير سابق
الخلاصة هنا هي أن أزمة الديون في مصر تسبب ضغطاً هائلاً على الموازنة العامة للبلاد وتلقي بأعباء هائلة على كاهل المواطنين، في ظل الارتفاعات المتسارعة في أسعار جميع السلع الأساسية والكمالية، والانخفاض المتسارع في قيمة الجنيه مقابل الدولار، إذ أفادت تقارير محلية الخميس 18 يناير/كانون الثاني بأن سعر العملة المحلية في السوق السوداء قد تجاوز 62 جنيهاً للدولار، فيما يقل السعر الرسمي للعملة الأمريكية عن 31 جنيهاً.