الإثنين 7 تشرين الأول 2024

هل أصبح الجيش الصيني قادراً على غزو تايوان؟


النهار الاخباريه وكالات

كانت التدريبات الصينية العسكرية حول تايوان فرصة ذهبية للطرفين، بالنسبة للصين فإنها لاستعراض قوتها وإرسال رسالة حازمة للأمريكيين والتايوانيين وأيضاً اختبار قدرتها العسكرية بشكل غير مسبوق، ولكن بالنسبة للجيش الأمريكي كانت فرصة لا تعوض لرصد مقدار التطور في الجيش الصيني الكتوم.
إذ قدمت التدريبات حول تايوان التي استغرقت 4 أيام، لمحة نادرة حول تقدم الصين نحو هدفها الرامي إلى أن تتفوق في أي صراع رئيسي حول الجزيرة وصولاً لهدفها النهائي بغزوها إذا لم تتمكن من توحيدها بسلام. 
وأظهرت التدريبات العسكرية التقدم الذي أحرزته الصين على صعيد التنسيق بين الفروع المختلفة لقواتها المسلحة، وهي سمة مميزة لأي جيش حديث، حسبما نقلت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية عن محللين عسكريين.

التدريبات الصينية العسكرية حول تايوان أظهرت قدرتها على عرقلة اقتصاد الجزيرة لا حصارها

أظهرت الصين افتقارها للعتاد العسكري اللازم لفرض حصار شامل على تايوان، لكنها أظهرت كذلك أن لديها قوة نارية بحرية كافية لعرقلة اقتصاد الجزيرة بشدة، حسب هؤلاء المحللين.
وتشكل التدريبات نجاحاً خاصاً لقيادة الجبهة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني، وهي القيادة الإقليمية الرئيسية المسؤولة عن تايوان، التي تأسست في عملية إعادة تنظيم عسكرية في 2016 لتحسين القدرة على إجراء العمليات المشتركة، وذلك حسبما قال تايلور فرافيل، الاختصاصي في شؤون الجيش الصيني لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة.  
وذكر كذلك أن هذه التدريبات الصينية العسكرية حول تايوان كانت من المرات القليلة التي قدمت فيها بكين الكثير من التفاصيل حول تدريباتها.

الجيش الصيني يركز على إجراء عمليات الأسلحة المشتركة

قال فرافيل: "إن القدرة على إجراء عمليات الأسلحة المشتركة حول تايوان كانت دافعاً لاستراتيجية جيش الصين وتحديث قواته على مدى أكثر من عقدين من الزمان. ينبغي ألا نتفاجأ بما يفعله جيش التحرير الشعبي الصيني، أو بالطريقة التي يفعل بها ذلك، أو بما أنجزه".
وعملية الأسلحة المشتركة، هي عمليات تتسم بتنسيق عال بين أسلحة مختلفة مثل الطيران والمدرعات والبحرية، وهي سمة أساسية للجيوش الغربية الحديثة، تعود جذورها الحديثة للجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية وما قبلها، ويعتقد أنها إحدى نقاط الضعف الأساسية في الجيوش الشرقية مثل الروسي والصيني، والعديد من الجيوش العربية.

آخر حرب خاضتها الصين منذ أكثر 40 عاماً وكانت فاشلة

كانت المرة الأخيرة التي خاضت فيها الصين حرباً خلال محاولتها الفاشلة لهزيمة فيتنام عام 1979 في صراع حدودي استمر لثلاثة أسابيع. 
صحيحٌ أن التدريبات العسكرية حول تايوان لم تمثل موقف صراع، لكنها كانت بمثابة بروفة أخيرة لأي عمليات قتالية في مضيق تايوان، الذي يعد إحدى أخطر بؤر الاشتعال في القرن الحادي والعشرين.
وأكدت التدريبات مجدداً، وأمام أعين العالم، نية الرئيس الصيني شي جين بينغ بتحويل مجمع صناعي عسكري مترامي الأطراف إلى قوة قتالية متماسكة ربما ستهيمن، في قادم الأيام، على منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
أظهرت تدريبات الصين طلعات جوية للمقاتلات وقاذفات الصواريخ، جنباً إلى جنب مع المناورات البحرية، وأظهرت ما يُعتقد أنها المرة الأولى التي تطلق فيها الصين صواريخ فوق جزيرة تايوان. 
وقال جيش التحرير الشعبي الصيني أمس الأول الأحد 7 أغسطس/آب إنه أجرى تدريبات عسكرية مشتركة في المياه والمجال الجوي القريبين من الجزيرة لاختبار قدراته على شن هجوم ضد أهداف برية ولاختبار قدراته على الاشتباك في معركة جوية طويلة المدى.

الصينيون تجاهلوا اتصالات نظرائهم في الجيش الأمريكي

بحسب الجيش الصيني، كانت القوات الرئيسية التي شاركت في التدريبات هي الجيش والبحرية والقوات الجوية والقوة الصاروخية، وقوات الدعم واللوجستيات.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إنه منذ نهاية الأسبوع الماضي لم يرد مسؤولو جيش التحرير الشعبي الصيني على مكالمات من نظرائهم في البنتاغون.
وقال القائم بأعمال السكرتير الصحفي للبنتاغون، تود بريسيل: "اختارت جمهورية الصين الشعبية المبالغة في رد الفعل واستخدام زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي ذريعةً لتزيد النشاط العسكري الاستفزازي في مضيق تايوان وما حوله". 

البنتاغون أرسل طائرة للتجسس على المناورات وما زال يحلل المعلومات

وأوضح مسؤولو البنتاغون أن تحليل جميع المعلومات التي توصلوا إليها من مراقبة تدريبات الصين سوف يستغرق أسابيع، ولا سيما فيما يتعلق بتحليل طريقة تنفيذ الصين لمناوراتها البحرية وإصدار الأوامر إلى سفنها أثناء تنفيذ أي عملية مشتركة مع قوتها الجوية.
فضلاً عن المسح الجوي الذي نفذته الولايات المتحدة، أبقت واشنطن كذلك على حاملة الطائرات يو إس إس رونالد ريغان، مع سفنها المرافقة، في المنطقة خلال تنفيذ الصين تدريباتها.
وقالت مبادرة استقصاء الموقف الاستراتيجي لبحر الصين الجنوبي (SCSPI) المدعومة من بكين، على حسابها على موقع تويتر إن الولايات المتحدة نشرت طائرات المراقبة والاستطلاع في المنطقة، التي تضمنت طائرات بوينغ أرسي-135 وطائرات بوينغ بيه-8 وطائرات بوينغ إي-3، بجانب طائرات بوينغ كيه سي -135
وطائرات بوينغ بيه-8 وطائرات بوينغ إي-3، بجانب طائرات بوينغ كيه سي -135 لتزويد الوقود في الجو. ورفض البنتاغون التعليق على الأمر.

الصين لم تكشف أسلحة جديدة خلال المناورات

ومع أن الصين نشرت بعضاً من أحدث أسلحتها في هذه التدريبات، ولكنها لم تظهر أي معدات عسكرية لم تكن معروفة من قبل، حسبما يقول المحللون العسكريون.
وقال بعضهم إن بكين لم تستخدم سفناً كافية لإظهار قدرتها على عرقلة مرور السفن للوصول إلى تايوان.
وبدلاً من ذلك، استخدمت سفناً مثل المدمرات والطرادات خلال التدريبات، لا تعد مثالية لتنفيذ حصار، وذلك وفقاً لمراقبي الشؤون البحرية. 
وحتى في ظل استخدامها حوالي 50 سفينة في التدريبات، لم تستخدم البحرية الصينية ما يكفي من السفن الأصغر والأكثر مرونة، مثل الفرقاطات، التي قد تكون أفضل في تنفيذ شيء أشبه بالحصار حول تايوان، وهو ما أوضحه بريان كلارك، الباحث الكبير لدى معهد هدسون.

قال كلارك: "ما شهدناه خلال التدريبات هو أن الصين لم تستخدم سفناً كافية لتحويل مسار القادمين، أو تفتيشهم، أو احتجازهم، وقطع السبل إلى تايوان. لديهم ما يكفي لإجراء تفتيش سريع للسفن القادمة وإبطاء الاقتصاد التايواني. كان هذا استعراضاً للقدرة على العزل أكثر من كونه قطع السبل إلى تايوان. ولكن بالنسبة للصين، ستكون هذه خطوة أولى جيدة".
قال كريستوفر تومي، الأستاذ المساعد في شؤون الأمن القومي لدى الكلية البحرية للدراسات العليا في مونتيري بولاية كاليفورنيا، إن المعلومات الاستخباراتية التي يحتمل أن تكون مفيدة والتي جُمعت من واقع التدريبات تضمنت تقديرات طريقة تنسيق كتائب الصواريخ مع بعضها وإجراء تقييمات لأضرار المعركة الناتجة عن الضربات. وأوضح أن مثل هذه المعلومات يمكن الحصول عليها من اعتراض الاتصالات.
وأضاف تومي: "من المفترض أن دوائر الاستخبارات الأمريكية تحصل من مصادر سرية على كثير من المواد حول هذه الأنشطة التي تتعلق بالقدرات والممارسات العملياتية ذات الكثير من الإشكاليات".

ليست بروفة غزو

وذكر كثيرون ممن يراقبون الجيش الصيني عن كثب أن التدريبات أقل بكثير من أن ترقى إلى بروفة شاملة لغزوٍ ما ضد تايوان. إذ إن أية محاولة للاستيلاء على الجزيرة والسيطرة عليها ستتضمن غزواً برمائياً باتساع مضيق تايوان الذي يبلغ 100 ميل، ولكن ليس هناك أية إشارات على حشد القوات البرمائية خلال التدريبات الأخيرة.
لن يكون غزو تايوان سهلاً على الصين، بسبب البحار المحيطة بالجزيرة وطبيعتها الوعرة والتحصينات التي بنتها تايوان، إضافة إلى الدعم الغربي المحتمل.
ولعل أهم حلفاء تايوان يتجسدون في الجغرافيا الخاصة بها ومناخ المضيق. ليس هناك إلا 14 شاطئاً يمكن اعتبارها مناسبة لأي عملية إنزال صيني طموحة. وبعد ذلك، هناك المياه الغادرة والرياح في المضيق، التي تسمى "الخندق الأسود"، مما يعني أنه ليس هناك إلا فرصتان سنوياً من أجل أي غزو واقعي: بداية من أواخر مارس/آذار حتى نهاية أبريل/نيسان، وبداية من أواخر سبتمبر/أيلول حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول. 
وإضافة إلى طبيعة الجزيرة المحصنة، فدوماً المدافعون- لا سيما المتحصنون- يتمتعون بميزة نسبية على المهاجمين، ويميل العسكريون إلى وضع معادلة مبسطة، وهي أنه في حال تساوي القدرات ونوعية الأسلحة، فإن المهاجمين يلزمهم أعداد تعادل ثلاثة أضعاف أعداد المدافعين لكي يتغلبوا عليهم.

تشير بعض التقديرات إلى أن عدد القوات المطلوبة لأي غزو صيني لتايوان يمكن أن يصل إلى مليوني مقاتل (أي معظم قوات الجيش الصيني العاملة).
وقال توماس شوغارت، ضابط حرب الغواصات الأمريكي السابق والباحث المساعد البارز في مؤسسة المركز لأمن أمريكي جديد (CNAS) الفكرية، إن التدريبات العسكرية الصينية كانت على الأرجح مخططة مسبقاً لأي سيناريو ترغب فيه بكين إظهار اعتزامها خوض معركة حول تايوان.

إنها رسالة باللغة العسكرية للأمريكيين بأنكم تراجعتم عن تعهداتكم

قال شوغارت إن قرار الصين بتنفيذ التدريبات للمرة الأولى على بعد 12 ميلاً بحرياً عن الساحل التايواني- وهو التعريف المقبول دولياً للمياه الإقليمية- يظهر تعاظم شهية المخاطرة العسكرية لدى بكين. لكنه أضاف أن أي اختبار حقيقي لقدرتها على تنفيذ العملية بنجاعة، لن يتضح إلا إذا واجهت ردة فعل من القوات الأمريكية أو التايوانية.
وقال تومي: "إجمالاً، نعلم في الغالب بشأن النية السياسية؛ وهي أن الصينيين قلقون من الاتجاه في العلاقات الأمريكية التايوانية، ووجهة نظرهم بأن واشنطن تبتعد عن الالتزامات التي تعهدت بها في السبعينيات ورددتها الإدارات الأمريكية منذ ذلك الحين، بأنها لا تدعم تايوان مستقلة. 
ويبدو أن الصينيين يستخدمون الأدوات العسكرية لنقل رسالة مفادها أن هناك تكاليف عسكرية لهذه التغيرات في سياسة الولايات المتحدة".