الأربعاء 25 أيلول 2024

ماذا يعني رفع العقوبات للشعب الإيراني؟

تمارس إيران كل أنواع التصعيد الإقليمي والدولي من أجل تحقيق هدف واحد: رفع العقوبات الأمريكية. لكن الاقتصاد الإيراني لن يستفيد بالمقدار الذي تتوقعه طهران. طرأت متغيرات كثيرة خلال السنوات الخمس الماضية. وهذا ما يشرحه فارمارز داوار في موقع "إيران واير".
لدى تقييم مخاطر العودة إلى إيران، سيكون كبار المستثمرين حول العالم أكثر تحفظاً مما كانوا عليه في المرة السابقةتفسخت العلاقات بين المشاريع والأعمال الإيرانية من جهة والشركات الدولية من جهة أخرى. كذلك، إن الأنظمة التي سهلت التعاون الاقتصادي بين الطرفين لم تعد موجودة. يدرك المواطنون الإيرانيون هذا الأمر ولا يأملون كثيراً باحتمال رفع العقوبات أو حتى باحتمال أن يكون لها تأثير إيجابي على حياتهم بطريقة ملموسة. يتردد صدى التشاؤم داخل أسواق البازار والمتاجر في طهران وأصفهان كما لدى كبار رجال الأعمال الإيرانيين.
بحسب الكاتب، يستحيل حشد الحماسة التي طبعت ليالي يوليو (تموز) 2015 بعد التوقيع على الاتفاق. تضمن الأخير بنداً يشير إلى أنه إذا تمت إعادة فرض العقوبات لأي سبب كان، لا تتأثر بها العقود التي تم التوقيع عليها بعد رفعها في يناير (كانون الثاني) 2016. لكن هذا البند لم يكن قابلاً للتنفيذ. ولم يعد البند يصنف كضمانة كما كان عليه الحال في حينه.
شروط مضرة لإيران
بالنظر إلى أن فترة رفع العقوبات لم تتخط 17 شهراً والبند الذي يعفي الشركات من العقوبات المعاد فرضها لم يُطبق قط، واجهت الشركات والدول التي دخلت في شراكة مع إيران خسائر مالية وائتمانية حين تم تعليق عقودها.
 والخسارة بالنسبة إلى الشركات الصغيرة كانت باهظة أكثر. إذا رُفعت العقوبات مجدداً، فستعيد الشركات تقييم مخاطرها قبل أن تعود إلى البيئة الاقتصادية الإيرانية. يعني هذا أن الشركات الأضعف سترفض الشراكة مع إيران أو أنها ستضع شروطاً جديدة في عقودها المحتملة، حيث من المرجح أن تكون مضرة لإيران. ستتأكد هذه الشركات من أن تكون قادرة على تغطية خسائرها في حال تم فرض العقوبات مرة أخرى.
كمستأجر السيارات
لدى تقييم مخاطر العودة إلى إيران، سيكون كبار المستثمرين حول العالم أكثر تحفظاً مما كانوا عليه في المرة السابقة. من دون شك، ستكلف هذه العقود الأعمال الإيرانية أكثر في المرحلة المقبلة. ومن بين التكاليف التي ستزداد بشكل حتمي أسعار التأمين المفروضة على الشركات المتعاقدة التي تريد دخول إيران وقطاعاتها الصناعية.
مع افتراض أن العقوبات سيتم رفعها مجدداً، ستفكر الشركات المخططة للعمل في إيران باحتمال إعادة فرض العقوبات على تلك الدولة وستستبق التكاليف التي ستتكبدها. من بينها، كلفة التحكيم الذي قد يتم اللجوء إليه بسبب خلاف ناجم عن فرض العقوبات. مجدداً، ستكون الكلفة أكبر على كلا الطرفين. للتوضيح أكثر، يقدم الكاتب مثل مستأجر السيارات الذي يتعرض لحوادث سير كثيرة مما يفرض عليه زيادة في كلفة استئجار السيارة والتأمين عليها.
لا يريدون مكافحة غسل الأموال
حين تم رفع العقوبات سنة 2016، كان لإيران حافز كي تنضم إلى مجموعة العمل المالي وقد رُفعت عن اللائحة السوداء بعدما اتخذت إجراءات أولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. اليوم، تجد إيران نفسها على اللائحة مجدداً. في الواقع، باتت طهران مصنفة على لائحة أسوأ البيئات العالمية لتبييض الأموال.
وأدت علاقة إيران مع مجموعة العمل المالي إلى انقسامات ضمن القيادة الإيرانية. يقول المسؤولون الإيرانيون المعارضون للانضمام إلى مجموعة العمل إن بنودها تتعارض مع سياسات إيران خصوصاً تجاه دعم ميليشياتها في المنطقة. بعبارة أخرى، يدعم جزء من السلطة الالتفاف رسمياً على قواعد مكافحة تبييض الأموال ويشدد على الحاجة إلى إبقاء التعاملات المالية غير شفافة.
لا مناخ استثمارياً طبيعياً
هذا النهج مهم للشركات الدولية حين تقرر ما إذا كانت ستتعاقد مع الإيرانيين. بسبب تدهور الوضع في إيران على مستوى الشفافية المالية وجهود مكافحة غسل الأموال، تخاطر الشركات التي تقرر التعامل مع إيران واستخدام أنظمتها المالية والمصرفية بالتورط لاإرادياً في تبييض الأموال والجرائم المرتبطة به. إن الاستثمارات التي عقدت خلال فترة رفع العقوبات جرت في بيئة مختلفة جداً. صحة الاقتصاد الإيراني كانت أقوى.
حتى في بيئة أكثر إشراقاً وخصوبة مما هي عليه اليوم، لم تتدفق الاستثمارات إلى إيران. أعرب مستثمرون كثر حينها عن تردد عظيم، وفي بعض الحالات، لم تتحول مذكرات التفاهم إلى عقود. ولو قررت الشركات الصغيرة العودة إلى السوق الإيرانية وقبلت بالمخاطر، فسيكون عدد الشركات الدولية الكبيرة العائدة للاستثمار محدوداً جداً. ومع ذلك، إن تلك الشركات بالضبط هي المحدد الأساسي لشكل الاقتصاد الإيراني في مرحلة ما بعد العقوبات. إن العودة إلى مناخ اقتصادي طبيعي نسبياً لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل التزام إيران معايير مكافحة تبييض الأموال. وحتى مع تحقق هذا الشرط، لن يكون التغيير فورياً بحسب الكاتب.
ماذا عن شركات النفط؟
شكل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض عقوبات غير مسبوقة على إيران ضربة قوية لثقة المستثمرين الذين عملوا أو رغبوا بالعمل في ومع إيران. ستتردد تأثيرات ذلك طوال سنوات. لهذا السبب، من غير المرجح أن تعود الشركات الكبيرة، بما فيها تلك العاملة في مجال النفط والغاز، إلى إيران بعد رفع العقوبات. المرجح هو عودة العقود التجارية المحدودة النطاق مثل تلك التي تبيع السلع الاستهلاكية. وستكون تلك العقود أعلى كلفة بكثير مما كانت عليه منذ خمس سنوات.
يرى الكاتب أنه على الرغم من انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، تتحمل إيران بلا شك مسؤولية انهيار الفرصة التي أتيحت أمامها في ولاية أوباما. مهما كان ما سيحدث، وفي أفضل الأحوال، يمكن أن تبدأ إيران باستعادة بعضٍ من تلك الفرصة. لكن في جميع الأحوال، المواطنون الإيرانيون هم أكبر الخاسرين. سيشعرون بهذه الخسارة، من دون تعويض، طوال سنوات مقبلة.
جورج عيسى