الأربعاء 2 تشرين الأول 2024

لن تقبل تسريب أسرارها مجدداً للصين..

النهارالاخباريه – وكالات
كانت إسرائيل بوابة لتسريب التكنولوجيا الأمريكية للصين بما فيها العسكرية في فترة من الفترات، ولكن في ظل تصاعد المنافسة بين واشنطن وبكين، فإن واشنطن أصبحت شديدة الحساسية للعلاقات بين الصين وإسرائيل، وخاصة في عهد بنيامين نتنياهو الذي كان عراب هذه العلاقة.
وستضطر الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة ننتياهو لأن تدير بدقة علاقتها مع حليفها التقليدي الولايات المتحدة وبين القوى العظمى الصاعدة، بحيث تعزز العلاقات بين الصين وإسرائيل دون المخاطرة بإغضاب واشنطن.
وأعلنت الصين وإسرائيل عن إقامة شراكة شاملة في عام 2017، والتي فتحت فصلاً جديداً في التعاون الودي.
وأقيمت في منتصف الشهر الماضي، مراسم الاحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لافتتاح ميناء حيفا، الذي طورته وأدارته مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ الصينية (SIPG). كما أنه يصادف الذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل، التي بلغت الذروة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حكوماته السابقة.
نتنياهو عراب تعزيز العلاقات بين الصين وإسرائيل
وبينما قاد بنيامين نتنياهو، بحماس جهود تطوير العلاقات بين الصين وإسرائيل في العقد الماضي، يبدو أن سيكون عليه أن يخفف حماسه لتعزيز العلاقة مع بكين وأن يقرر كيف يختار مساراً يكون غير مستفز للولايات المتحدة في ظل وجود خلافات أخرى بين الجانبين، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
منذ بداية العقد الماضي، انتهجت الحكومات الإسرائيلية سياسة واضحة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين في مجالات الابتكار والاستثمار والمشاريع والتجارة. ورأى نتنياهو، مهندس هذه العلاقات، أن الاقتصاد الصيني المتنامي يشكل فرصة مهمة لإسرائيل، واصفاً ابتكارات إسرائيل واحتياجات الصين التكنولوجية ورأس مالها وأسواقها بأنها نموذج مثالي للتوافق التام.
ويصف نتنياهو في كتابه الجديد الذي يروي سيرة حياته هذه السياسة. ويقول إنه سار بخطوات حذرة فيما يخص علاقات الصين وإسرائيل على غرار معظم القادة الغربيين. فمن ناحية، تَمثّلَ الهدف في فتح السوق الصيني الواسع أمام المستثمرين الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه إنشاء استثمارات صينية في إسرائيل، لا سيما على صعيد البنى التحتية العامة.
ومن ناحية أخرى، كان نتنياهو صريحاً مع الصينيين بشأن القيود المفروضة على التقنيات العسكرية والاستخباراتية التي لا تستطيع إسرائيل مشاركتها مع الشركات الصينية. وكان ذلك بمثابة التزام حازم تجاه الولايات المتحدة، الحليف الكبير لإسرائيل، التي تشاركها العديد من هذه التقنيات.
وفي الواقع، يمكن وصف سياسة إسرائيل على صعيد علاقاتها مع الصين في هذه الفترة بأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية إلى أقصى حد، مع التركيز على الابتكارات واستبعاد المجالين العسكري والدفاعي.
إدارة ترامب كانت غاضبة من نهج نتنياهو
وقد مارست إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضغوطاً على إسرائيل لتقييد علاقاتها مع الصين في المجالات التي تؤثّر على الأمن القومي الأمريكي، لا سيما الاستثمار والبنى التحتية والاتصالات والبيانات والتكنولوجيا.
وفي نهاية عام 2019، قررت الحكومة بقيادة نتنياهو إنشاء آلية استشارية بشأن جوانب الأمن القومي للاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، عرّف الكثيرون في إسرائيل والولايات المتحدة هذه السياسة على أنها محاولة لإدارة العوائق والتباطؤ من أجل المناورة بين المطالب الأمريكية والفرص الاقتصادية الصينية.
لابيد وبينيت كانا أكثر تفهماً لمخاوف واشنطن
وظاهرياً، واصلت الحكومتان الإسرائيليتان بقيادة بينيت ولابيد سياسة أسلافهما، فيما يتعلق بالعلاقة بين إسرائيل والصين، لكن في الواقع، كشفت السنوات الأخيرة عن تغيير هادئ في السياسة بشأن العلاقات مع الصين والولايات المتحدة، حسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
 فقبل أن يغادر رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت لعقد أول لقاء له مع الرئيس جو بايدن، أفادت بعض التقارير بأن الحكومة الإسرائيلية أخذت المخاوف الأمريكية بشأن العلاقات مع الصين على محمل الجد، معتبرةً إياها قضية متعلقة بالأمن القومي.
في يناير/كانون الثاني 2022، ورد أن إسرائيل أخطرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها ستبقي البيت الأبيض على اطلاع بشأن الصفقات المهمة التي تعقدها مع الصين وهي مستعدة لإعادة النظر في مثل هذه الاتفاقات إذا أثارت الولايات المتحدة المعارضة.
وفي يوليو/تموز 2022، نشر بايدن ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد إعلاناً مشتركاً حول إقامة حوار استراتيجي بشأن التقنيات المتقدمة، برئاسة مستشاري الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي جيك سوليفان وإيال حولاتا. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول، قررت الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها تعزيز الآلية الاستشارية بشأن الاستثمارات الأجنبية.
وقال السفير الأمريكي لدى إسرائيل توم نايدز إن الإدارة الأمريكية توصلت أيضاً إلى تفاهمات مع إسرائيل بشأن التجارة مع الصين، وإنها ستشدد الرقابة على بيع التكنولوجيا المحلية للصين، خشية وقوعها في الأيادي الخاطئة. لذلك سعت سياسة تل أبيب خلال هذه الفترة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية المثمرة والآمنة بين الصين وإسرائيل في ظل زيادة الرقابة وتوسيع الضمانات، بينما وطّدت في الوقت نفسه الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مع التركيز على التكنولوجيا والابتكار.
ومؤخراً، أعرب كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية عن تقديرهم لما وصفوه بالتقدم الملحوظ الذي أحرزته إسرائيل في هذا المجال ("إسرائيل تحصل على درجة عالية")، مشيرين إلى التغيير الملحوظ في عهد الحكومة المنتهية ولايتها، ومتطلعين إلى استمرار هذا التقدم في ظل الحكومة المقبلة.
لماذا كل هذا القلق الأمريكي من التعاون بين الصين وإسرائيل؟
يأتي القلق الأمريكي من العلاقة بين الصين وإسرائيل في ظل الدور الذي لعبته تل أبيب في نقل بعض التقنيات العسكرية الغربية المتقدمة لبكين.
فالطائرة الأكثر عدداً لدى الصين هي J-10، يعتقد أن تصميمها اعتمد في البداية على مشروع الطائرة الإسرائيلية لافي، الذي قدمته تل أبيب لبكين سراً خلال الثمانينات، علماً بأن الطائرة الإسرائيلية بدورها متأثرة بتصميم الإف 16 الأمريكية بعد أن كانت واشنطن قد قدمت بعض المعلومات والتقنيات الخاصة بها للمشروع الإسرائيلي؛ أي أن التقنية الأمريكية تسللت لبكين عبر تل أبيب.
 ما هو نوع السياسة التي سيتبعها نتنياهو مع عودته إلى رئاسة الحكومة؟
في حديثه عن علاقات إسرائيل مع الصين في مقابلة أجرتها معه "باري وايس"، قال نتنياهو: "فتحتُ بحماس الآفاق أمام إسرائيل للتعامل مع الصين في التجارة والمشاريع الاقتصادية. وأفترض أنني سأستمر في القيام بذلك. غير أن مسائل الأمن القومي لا تغيب أيضاً عن أذهاننا، كما أنها حاضرة في أذهان الآخرين. سنواصل العمل مع الصين لكننا سنحمي أيضاً مصالحنا الوطنية".
لقد أصبح العالَم مختلفاً تماماً عما كان عليه عندما صاغ نتنياهو سياسته في أوائل العقد الماضي. فقد أصبحت المنافسة بين القوى العظمى أشد شراسة، وتوسّعت لتتجاوز نطاق تبادل الانتقادات وتتخطى مجال التعريفات الجمركية، لتصل إلى فرض قيود هائلة على صادرات رقائق السيليكون والتكنولوجيا، والحرب في أوكرانيا، وبروز احتمال حقيقي لحدوث صدام عسكري حول تايوان.
الوضع الآن أصبح مختلفاً
ولا يستطيع نتنياهو خوض التجربة نفسها فيما يتعلق بالعلاقات بين الصين وإسرائيل، مجدداً بعد أن ضاقت جداً المساحة التي تتمتع بها إسرائيل للمناورة بين القوى، وخاصةً في مجال التكنولوجيا. فقد انتهى شهر العسل من العقد الماضي الذي تمثّل بـ"نموذج مثالي للتوافق التام". كما تواجه العديد من الدول الغربية وحلفائها الآسيويين معضلات مماثلة لتلك التي تواجه إسرائيل، وتبرز كجهات شريكة مهمة لتحقيق أمن التكنولوجيا.
ونظراً لمجموعة القضايا السياسية المطروحة على جدول الأعمال بين القدس وواشنطن – والتي تشمل إيران والفلسطينيين وروسيا وأوكرانيا والعديد من الشؤون الداخلية – يبدو أن الحكومة الإسرائيلية في غنى عن أي مواجهة مع واشنطن فيما يخص العلاقات بين الصين وإسرائيل، ولا ترغب بهذه المواجهة، لا سيما لأن بكين تشكل مصدر قلق كبيراً لواشنطن. 
الأمريكيون يطالبون بمزيد من الإجراءات 
وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون متعددة الأطراف وقضايا الصين العالمية، جونغ إتش باك، في مؤتمر الشبكة الصينية الإسرائيلية العالمية والقيادة الأكاديمية (SIGNAL) الذي عقد الشهر الماضي، إن على إسرائيل اتخاذ المزيد من الخطوات لحماية "تقنياتها الحيوية المتقدمة" من الاستثمار الصيني.
وقال باك إن الولايات المتحدة "لا ترغب في أن تنفصل إسرائيل وغيرها في المنطقة عن الصين.. نريد تعزيز التجارة بطرق لا تهدد أمننا وقيمنا المتعلقة بحقوق الإنسان".
وقال مسؤول بايدن في مؤتمر سيجنال إن الصين لا تلتزم بقواعد الاستثمار الأجنبي التي تحظى باحترام واسع: "المبادئ غير مقبولة في كل مكان. على العكس من ذلك، فقد استخدمتها الصين في الماضي لتحقيق أرباح غير عادلة وأغراض غير ليبرالية".
 وأشار باك إلى مدى وصول الصين وتأثيرها على قطاع التكنولوجيا في إسرائيل، من برامج نقل التكنولوجيا إلى توظيف المواهب.
 وقال إن استثمارات الصين بملايين الدولارات في مختلف القدرات، مثل الذكاء الاصطناعي، تأتي من "مصادر مشروعة مثل الأبحاث المشتركة التي تم تطويرها مع جامعات أجنبية، ولكن أيضاً من خلال السرقة والاحتيال المالي"، حسب تعبيره.
 كما تحدث في المؤتمر ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى في عهد دونالد ترامب، الذي قال إن "إسرائيل تأخرت في فهم التحدي".
 على الرغم من أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل كانت مرنة، كما قال، فإن "وجود مشكلة مع الصين سوف يلقي بظلاله على العلاقة إلى حد كبير".