الثلاثاء 1 تشرين الأول 2024

لماذا سميت بريطانيا بـ”الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”؟

النهار الاخبارية - وكالات 

الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.. استخدم هذا المصطلح منذ القرن التاسع عشر لوصف الإمبراطورية البريطانية التي حكمت في ذروتها ما يقارب 25% من مساحة اليابسة الموجودة في الكرة الأرضية، ونحو 23% من سكان العالم، فقد امتدت لتشمل أجزاء من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا والعديد من الجزر في جميع أنحاء العالم، فكانت مساحتها شاسعة لدرجة أن الشمس كانت لا بد أن تكون ساطعة في أجزاء من أراضيها حتى لو حل الظلام في أجزاء أخرى. 

حجم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس
بدأ البريطانيون في إنشاء مستعمرات ما وراء البحار بالأمريكتين في القرن السادس عشر، لكن لم تبدأ بالتوسع بشكل فعلي حتى القرن الثامن عشر.

كان التوسع البريطاني سهلاً إلى حد ما، لا سيما في آسيا، إذ اعتمدت بريطانيا في فرض سيطرتها على إنشاء مراكز تجارية أقامتها شركة الهند الشرقية، وهي شركة تجارية مقرها لندن.

ومع المنافسة المتزايدة من شركة الهند الشرقية الفرنسية، قررت بريطانيا استعمار الهند بشكل فعلي مستخدمة جيشاً يضم أكثر من 260.000 رجل، ومنذ ذلك الحين كانت للتاج البريطاني سيطرة مباشرة على شبه القارة الهندية. 

انطلاقاً من الهند، تم إجراء مزيد من التوسع عبر آسيا، وبحلول عام 1913 كانت الإمبراطورية البريطانية هي الأكبر على الإطلاق.

فقد غطت نحو 25% من مساحة اليابسة في العالم، وضمن ذلك مساحات شاسعة من أمريكا الشمالية وأستراليا وإفريقيا وآسيا، أما المناطق الأخرى التي لم تحتلها الإمبراطورية فعلياً فقد كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإمبراطورية عن طريق التجارة، وينطبق ذلك بشكل خاص على أمريكا الجنوبية، وفقاً للأرشيف الوطني.

كما حكم التاج البريطاني في ذروة توسعه قرابة 412 مليون نسمة، أو نحو 23% من سكان العالم في ذلك الوقت، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ونتيجة لهذا التوسع الهائل، أصبحت بريطانيا تعرف باسم "الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس"، ففي ذروتها حتى لو كان الظلام مخيماً في بعض المناطق التي حكمها التاج البريطاني، كانت الشمس مشرقة في مناطق أخرى.

وعلى الرغم من أن بريطانيا تدعي أنها جلبت التطور والحضارة للمناطق التي احتلتها في تلك الفترة، فإن تاريخ الاستعمار البريطاني كان مليئاً بالمذابح والمجاعات ومعسكرات الاعتقال، وفقاً لـ"االإندبندنت".

من أول من أطلق هذا المصطلح على الإمبراطورية البريطانية؟
ينسب استخدام مصطلح "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" لوصف الإمبراطورية البريطانية إلى الكاتب الأسكتلندي جون ويلسون، الذي كان يكتب تحت اسم مستعار هو "كريستوفر نورث" في مجلة بلاكوود، وقد أشار إلى بريطانيا بهذا الوصف عام 1829. 

ومع ذلك، كتب جورج ماكارتني في عام 1773، واصفاً بريطانيا: "هذه الإمبراطورية الشاسعة التي لا تغيب عنها الشمس أبداً، والتي لم يتم التأكد من حدودها بعد"، وذلك في أعقاب التوسع الإقليمي الذي أعقب انتصار بريطانيا في حرب السنوات السبع. 

وفي عام 1821، كتب كاليدونيان ميركوري عن الإمبراطورية البريطانية: "لا تغرب الشمس أبداً على سيطرتها". 

وعبّر المحامي والسياسي الأمريكي دانيال ويبستر عن فكرة مماثلة في عام 1834، قائلاً: "قوة تنتشر فوق سطح الكرة الأرضية كلها بممتلكاتها ومواقعها العسكرية. قرع طبولها الصباحي متابع للشمس ومواكب للساعات".

مع ذلك هناك من سخر بشكل لاذع من هذا اللقب الذي حصدته بريطانيا بفضل ممارساتها الاستعمارية، إذ ينسب إلى أحد القوميين الهنود قوله: "الشمس لم تغرب قط عن الإمبراطورية البريطانية، لأنه حتى الله لم يستطع الوثوق بالإنجليز في الظلام". 

لماذا غابت الشمس في نهاية المطاف عن الإمبراطورية البريطانية؟ 
على الرغم من عدم وجود إجابة محددة لهذا السؤال، فإنه من الممكن أن نعزو انهيار القوة الإمبريالية البريطانية إلى تأثير الحرب العالمية الثانية، كما تقول الـ"بي بي سي".

أدت الحملات التي شنتها الإمبراطورية البريطانية في أوروبا وآسيا وإفريقيا إلى إفلاس المملكة المتحدة تقريباً.

استنزفت الإمبراطورية أكثر من طاقتها- وجنباً إلى جنب مع الاضطرابات المتزايدة في مختلف المستعمرات – أدى ذلك إلى سقوط سريع وحاسم للعديد من الأصول الرئيسية لبريطانيا، إذ حازت بعض المستعمرات استقلالها بشكل دبلوماسي، بينما تطلب الحصول على الاستقلال ثورات عنيفة في مستعمرات أخرى. 

ففي عام 1947، أصبحت الهند مستقلة بعد حملة عصيان مدني غير عنيف قاده المهاتما غاندي. وبعد أن فقدت بريطانيا جوهرة تاجها (الهند)، بدأت بقية المستعمرات بالتساقط واحدة تلو أخرى. 

فبعد أقل من عام، شن الشيوعيون حملة عنيفة تهدف إلى إجبار بريطانيا على الخروج من مالايا.

وفي الشرق الأوسط، تخلت بريطانيا عن فلسطين في عام 1948 لتشكيل وطن قومي لليهود فيها. وأصبحت غانا أول مستعمرة بريطانية إفريقية تحصل على الاستقلال في عام 1957. وبحلول عام 1967، استقلت أكثر من 20 منطقة عن بريطانيا. 

اليوم يسيطر التاج البريطاني على القليل فقط من مستعمراته السابقة، وتقتصر مناطق سيطرته، على مناطق الجزر الصغيرة مثل برمودا وجزر فوكلاند.

بريطانيا ليست الأولى.. البداية من بلاد الرافدين ومصر القديمة
على الرغم من أن مصطلح "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" يرتبط في أذهاننا ارتباطاً وثيقاً ببريطانيا العظمى فقط، فإن البريطانيين ليسوا أول من أوجد هذا المصطلح. 

إذ تشير النصوص القديمة إلى استخدام مصطلحات شبيهة ببلاد الرافدين في الفترة ما بين 2334 و2279 قبل الميلاد، حيث ذكر في هذه النصوص أن الملك سرجون الكبير (حاكم الإمبراطورية الأكادية) يحكم "جميع الأراضي من شروق الشمس إلى غروبها". 

كذلك في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ذكر أن الملك المصري سنوحي يحكم "كل ما تحيط به الشمس". 

وفي خطاب لملك الإمبراطورية الأخمينية "زركسيس الكبير"، قال الملك: "سنوسع الأراضي الفارسية حتى تصل سماء الله. لن تشرق الشمس بعد ذلك على أي أرض خارج حدودنا". 

فضلاً عن ذلك، وصفت الإمبراطورية الرومانية في الأدب اللاتيني الكلاسيكي بأنها تمتد "من شروق الشمس إلى غروبها". 

أما الاستخدام الحرفي لمصطلح "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، فلم يكن من قبل البريطانيين أيضاً فقد تم استخدامه للمرة الأولى لإمبراطورية هابسبورغ شارل الخامس، الذي كان دوق بورغندي، ملك إسبانيا، أرشيدوق النمسا، والإمبراطور الروماني المقدس، وبناء على ذلك حاول تشكيل إمبراطورية عالمية. 

بعد ذلك استخدم المصطلح للإشارة إلى الإمبراطورية الإسبانية لفيليب الثاني ملك إسبانيا وخلفائه عندما وصلت الإمبراطورية إلى حجم إقليمي عالمي، لا سيما في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر.

 أما الإمبراطورية البريطانية، فلم تستخدم هذا المصطلح إلا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. 

وجدير بالذكر أنه قد تم تكييف العبارة أحياناً  خلال القرن العشرين  للإشارة إلى الامتداد العالمي للقوة الأمريكية.