الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

لماذا أرسلت أمريكا غواصة نووية وأسراب طائرات إلى الشرق الأوسط في الوقت الذي تقول إنها ستنسحب منه؟

النهار الاخبارية - وكالات 

أرسلت أمريكا غواصة نووية وأسراب طائرات إلى الشرق الأوسط، رغم التركيز على الصراع مع روسيا والصين، فهل الرسالة موجهة إلى إيران كما تقول واشنطن؟ ولماذا الآن في وقت تتجه الأمور إلى التهدئة؟

كان متحدث باسم البحرية الأمريكية قد كشف السبت 8 أبريل/نيسان، أن الولايات المتحدة أرسلت غواصة تعمل بالطاقة النووية إلى الشرق الأوسط، فيما ربطت وسائل الإعلام الأمريكية بين هذا التحرك العسكري الكبير و"التوتر مع إيران"، وهو ربط يثير علامات استفهام عديدة.

ماذا قالت أمريكا عن إرسال الغواصة للشرق الأوسط؟
تيموثي هوكينز، المتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين، قال إن الغواصة التي تعمل بالطاقة النووية مرت عبر قناة السويس الجمعة، موضحاً أنَّ "نشر هذه الغواصة يهدف للمساعدة في ضمان الأمن والاستقرار البحري بالمنطقة".

منطقة عمل الأسطول الخامس تشمل مضيق باب المندب قبالة اليمن، والبحر الأحمر، الممتد حتى قناة السويس، كما تقوم سفن الأسطول بدوريات في مضيق هرمز، وهو المصب الضيق للخليج العربي الذي تمر عبره 20% من إجمالي شحنات النفط.

وبحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية، يأتي إرسال البحرية الأمريكية غواصة قادرة على حمل شحنة كبيرة من الصواريخ، إلى الشرق الأوسط، كتحذير واضح لإيران.

 وتم نشر الغواصة التي تعمل بالطاقة النووية، في المنطقة لتنضم إلى الأسطول الأمريكي الخامس، الذي يقوم بدوريات تشمل مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

وقال هوكينز إن "الغواصة قادرة على حمل ما يصل إلى 154 صاروخ كروز من طراز توماهوك الهجومية الأرضية، وتم ضمها إلى الأسطول الأمريكي الخامس؛ للمساعدة في ضمان الأمن والاستقرار البحري الإقليمي".

وتطلق صواريخ توماهوك من السفن أو الغواصات، وهي صواريخ طويلة المدى يمكنها أن تصيب أهدافاً على بعد يصل إلى 2500 كيلومتر (1500 ميل)، واشتهرت هذه الصواريخ باستخدامها من جانب القوات الأمريكية خلال التمهيد لعمليات غزو العراق عام 2003.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين، سواء في البيت الأبيض أو وزارة الدفاع (البنتاغون) أو وزارة الخارجية، لم يصرحوا بالكثير حول دوافع إرسال الغواصة النووية، وقبلها سرب من الطائرات، إلى منطقة لم تعد أولوية على أجندة السياسة الخارجية لإدارة بايدن، فإن الجميع يتحدثون إعلامياً عن أن التحرك مرتبط بإيران.

"الولايات المتحدة ترسل غواصة هجومية إلى الشرق الأوسط وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل"، تحت هذا العنوان نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً حول القصة، نقلت فيه عن مسؤولين قولهم إن "الهدف من الخطوة هو ردع إيران؛ كي تحافظ على استقرار الملاحة في مضيق هرمز".

ولا شك في أن العلاقات بين واشنطن وطهران متوترة طوال الوقت، خاصة منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عام 2018، من الاتفاق النووي، بل وصلت الأمور إلى حافة الهاوية في أكثر من مناسبة عندما كان ترامب في البيت الأبيض، خصوصاً بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، رئيس الحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية أمريكية أمر بها ترامب مطلع عام 2020.

إدارة بايدن والعلاقة مع إسرائيل
لكن منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض قبل أكثر من عامين، يمكن القول إن التوتر بين واشنطن وطهران لم يصل إلى درجة الغليان أو حافة الهاوية، على الرغم من فشل مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين الجانبين. وبحسب أغلب المراقبين فإن الشرق الأوسط بصراعاته وملفاته الساخنة قد تراجع كثيراً على سلم أولويات البيت الأبيض برئاسة بايدن، وكان الملف الوحيد الذي تعول عليه الإدارة الأمريكية هو الملف النووي الإيراني وحرب اليمن، وكلاهما مرتبطان، أحدهما بالآخر، ولو بصورة غير مباشرة.

أما الحرب السرية بين إسرائيل وإيران فهي لم تتوقف طوال الوقت، سواء من خلال عمليات الاغتيال التي لا تعترف بها إسرائيل رسمياً أو من خلال استهداف السفن أو تجنيد العملاء، وهي عمليات متبادلة بين العدوين، دون أن تصل إلى حافة الهاوية أيضاً أو إلى الانفجار.

وترفض إدارة بايدن على مدار العامين الماضيين، الانسياق وراء الرغبة الإسرائيلية المعلنة في توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، بهدف حرمان طهران من إنتاج سلاح نووي، وهو الأمر الذي تنفيه طهران، لكن العامين الماضيين شهدا تطورات كبيرة في تخصيب اليورانيوم بنسب باتت قريبة من النسب المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية.

المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا لم تحقق أي تقدم وربما تكون قد وصلت إلى طريق مسدود بالفعل، في ظل تعويل واشنطن على احتجاجات الحجاب، التي اجتاحت إيران على مدار شهور طويلة، العام الماضي، ومثلت التحدي الأكبر للنظام الإيراني منذ نشأته عام 1979. لكن النظام الإيراني تمكن من السيطرة على الموقف الداخلي، وانتهت تقريباً موجة الاحتجاجات دون سقوط النظام كما كانت تتمنى الإدارة الأمريكية.

على الجانب الآخر، تعيش إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد تمريرها نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة: إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل. كما أن الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، سواء توسيع الاستيطان أو هدم المنازل وتهجير أهلها وصولاً إلى الاعتداءات المتكررة وغير المسبوقة على المسجد الأقصى، دفعت الأمور في المنطقة إلى حافة الهاوية فعلاً لا قولاً.

وفي الوقت نفسه لا تمر علاقات أمريكا وإسرائيل بأفضل فتراتها رغم التحالف الاستراتيجي الوثيق بينهما، فبايدن لم يوجه الدعوة إلى نتنياهو لزيارة البيت الأبيض حتى الآن، رغم مرو نحو 100 يوم على تولي رئيس الوزراء منصبه. ويعتبر هذا مفهوماً إلى حد كبير، في ظل العلاقات السيئة بين بايدن ونتنياهو، والتي ازدادت سوءاً عندما تحدَّت حكومة نتنياهو إدارة بايدن في ملف الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، إضافة إلى ملف التعديلات القضائية.

ووصلت الأمور بين الجانبين إلى حد اتهام معسكر نتنياهو لمعسكر بايدن بالتواطؤ مع المعارضة الإسرائيلية وتمويل الاحتجاجات للإطاحة بالائتلاف الحاكم، وبالتالي فمن الطبيعي ألا يكون هناك تفاهم كبير بين الجانبين في هذا التوقيت لدرجة إرسال أمريكا غواصة نووية إلى الشرق الأوسط كرسالة ردع موجهة إلى إيران لصالح إسرائيل.

كيف يمكن أن ترد إيران؟ وهل تشتعل الأمور؟
هناك من المحللين والمراقبين من يرى أن إرسال أمريكا غواصة نووية هجومية إلى المنطقة في هذا التوقيت مجرد تأكيد بأن واشنطن لن تتخلى عن مصالحها وحلفائها، خصوصاً إسرائيل، في الشرق الأوسط، وأن تركيزها على المنافسة مع الصين لا يعني الانسحاب نهائياً من المنطقة.

ويرى أصحاب هذا الرأي، أن الشرق الأوسط نفسه قد تحول إلى إحدى ساحات المنافسة مع الصين، بعد أن كان منطقة نفوذ أمريكي خالصة، ولا شك في أن اتفاق استعادة العلاقات بين السعودية وإيران الذي تم بوساطة صينية قد أثار القلق في واشنطن من أن تكون بكين في طريقها لوراثة النفوذ الأمريكي بالمنطقة.

ومن هؤلاء المحلل السياسي حسن منيمنة، الذي قال لموقع قناة "الحرة" الأمريكية إنه على الرغم من أن واشنطن تؤكد دائماً سعيها لدعم أي شيء يخفض التوتر في العالم، لا سيما منطقة الشرق الأوسط، بل "رحبت" بوساطة بكين بين السعودية وإيران، "فإنها بحاجة إلى تأكيد أنه لا يمكن تجاوز مصالحها في المنطقة".

نعم، لأمريكا مصالح في الشرق الأوسط لا يمكن أن تسمح بتجاوزها، لكن هذا لا يقدم إجابة عن التساؤلات التي يثيرها التحرك العسكري الهجومي المتمثل في إرسال الغواصة النووية، في ظل عدم وجود حادث أو حوادث أمنية تستدعي الاستعداد، كأن تقوم إيران بتهديد الملاحة في مضيق هرمز على سبيل المثال.

النقطة الأخرى هنا تخص تطوير البنتاغون خطة طوارئ تتعلق بالاستعداد لحرب مع إيران، بحسب وثيقة سرية اطلع عليها موقع The Intercept الأمريكي أول مارس/آذار الماضي، وفي سياق تلك الخطة أجرت القوات الأمريكية والإسرائيلية تدريبات مشتركة في يناير/كانون الثاني الماضي، هي الأكبر على الإطلاق بين الجيشين.

فهل استجابت إدارة بايدن لرغبة الصقور الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو بطبيعة الحال، في توجيه ضربة استباقية لمنشآت إيران النووية؟ يبدو أن هناك توجهاً بهذا المعنى بالفعل، طبقاً لتقرير آخر لموقع The Intercept يربط بين خطة الطوارئ الأمريكية من جهة وفشل المفاوضات النووية مع إيران من جهة أخرى.

لكن الحرب مع إيران توصف دائماً بأنها الحرب التي لا يريدها أحد، فالخسائر غير محتملة لجميع الأطراف وللمنطقة، بل للعالم بأسره، حيث من المحتَّم أن تتوقف الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر منه ثلث نفط العالم يومياً، كما ستتأثر الملاحة في قناة السويس، حيث تمر 10% من التجارة العالمية يومياً، وهو ما يرجح رأي من يعتقدون أن إرسال الغواصة النووية هدفه تأكيد الوجود الأمريكي وليس التصعيد.

وعلى الأرجح لن تكون هذه الرسالة غائبة عن الإيرانيين ومن ثم من غير المتوقع أن يحدث تصعيد إيراني، لكن ماذا عن إسرائيل؟ هل يمكن أن يهرب نتنياهو إلى الأمام من مشاكله الداخلية غير المسبوقة باتخاذ خطوة متهورة تتمثل في محاولة توجيه ضربة جوية إلى منشآت نووية إيرانية، متشجعاً بخطوة واشنطن إرسال غواصة نووية إلى المنطقة؟

من الصعب الجزم بأي سيناريو في هذه المرحلة التي تبدو الأمور فيها أقرب إلى التهدئة، بعد الاتفاق السعودي-الإيراني واقتراب حرب اليمن من نهايتها أخيراً، والفضل لا يرجع إلى بايدن، بل إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ ووساطته الناجحة، فهل تريد أمريكا خلط الأوراق لإفساد النجاح الصيني؟ كثير من الأسئلة والإجابات مؤجلة بطبيعة الحال.