الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

لتجنُّب الكوارث في المستقبل.. ما الدروس التي يجب أن تتعلمها المنطقة من زلزال تركيا وسوريا؟


النهار الاخبارية - وكالات 

مرَّ أسبوعان على الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، وتجاوز عدد الضحايا 44 ألفاً في البلدين، ومع ذلك فما زالت حقيقة الكارثة التي لحقت بالشمال السوري لم تتكشف بعد؛ لتباطؤ جهود الإنقاذ والمساعدات، وقد زاد كل ذلك من تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة بالفعل في المنطقة.

ويسلط تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني أعده غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني التابع لمعهد الدوحة للدراسات العليا؛ وسانسوم ميلتون، الباحث الأول في المركز، الضوء على تداعيات الزلزال الذي لحق بالمنطقة، والتحذير من تفاقمها، وقدَّما بعض التوصيات العاجلة للتعامل مع الأزمة، فضلاً عن التوصيات الآجلة وطويلة الأمد لدعم السكان في المناطق المتضررة، واستباق الكوارث المتوقعة في المستقبل. 

بعد انقشاع غبار الزلزال.. كارثة إنسانية تلوح في الأفق
حذر الباحثان من مغبة استمرار الأوضاع على ما كانت عليه قبل الزلزال، إذ إن حالة الطوارئ المتعسرة في شمال سوريا معرضة لمزيد من التفاقم بعد عودة اللاجئين السوريين من المناطق المتضررة في تركيا، ونزوح السكان من المناطق التي أُجبروا على الهجرة إليها من قبل.

وقد حَّذر التقرير من أن المنطقة موشكة على كارثة إنسانية أشد وطأة إذا استمرت الحال كذلك، ومن ثم يتعين على المهتمين بمصير المنطقة أن يدركوا حجم هذه الكارثة، وأن يحسنوا التخطيط لمستقبل المنطقة بعد مصيبة الزلزال.

ومن منطلق الإدراك لشدة الأزمة وتداعياتها، قدَّم الباحثان 6 توصيات تستشرف بعض السبل الفعالة لتلبية احتياجات الإغاثة والتعافي في المناطق المتضررة، لا سيما شمال غرب سوريا.

كيف يمكن لمناطق الزلزال في تركيا وسوريا التعافي؟
1- تنسيق الجهود الدبلوماسية لإزالة العقبات عن توفير الإغاثة للمتضررين
يشدد التقرير على أهمية تنسيق الجهود الدبلوماسية الإنسانية من دول الإقليم والعالم لإزالة العقبات التي تعترض وصول المساعدات الإنسانية. فمنذ وقوع الزلزال، أدت المعوقات القائمة إلى تأخير إيصال المساعدات أو حبسها عن أهالي المنطقة المتضررين.

وتطرق الباحثان إلى الصعوبات التي تعوق وصول المساعدات، فقد ورد أن بعض جماعات المعارضة منعت وصول المساعدات إلى المحتاجين، أما المساعدات الدولية التي وصلت إلى النظام السوري فقد نقلت التقارير أنها تُباع في الشوارع بأثمان باهظة.

لكن، وإن كانت الأمم المتحدة قد انتُقدت عن حق بسبب تأخرها غير المقبول في الاستجابة للكارثة، فإن لديها قدرات لا مثيل لها لتنسيق الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف، وهي التي يمكن لها التوسط في صفقة للسماح بتقديم المساعدات دون عائق في جميع مناطق سوريا.

2- الإنصات إلى الناس وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي
أما التوصية الثانية، فيشير التقرير إلى أهمية أن تأخذ الجهات المانحة ووكالات المساعدة الوقتَ الكافي لزيارة شمال غرب سوريا، والإنصات إلى الناس والعائلات المتضررة، على أن  يشمل ذلك التواصل مع الفئات المستضعفة التي اشتد تأثرها بالأزمة عن غيرها، ولا سيما الفقراء والمهجَّرين داخلياً.

ويلفت التقرير إلى أن المساعدات العاجلة التي توجهت إلى المنطقة تغافلت عن كثير من احتياجات السكان المحليين واهتماماتهم، وأن ذلك قد تكرر حتى صار أقرب إلى نمط مُلاحظ في الاستجابة لأزمات عديدة. وقد ضربا مثلاً على المسائل المغفول عنها: مسألة الدعم النفسي والاجتماعي لملايين السكان الذين عانوا على مدار 12 عاماً وطأة الحرب والنزوح المتكرر والأزمات الاقتصادية الشديدة.

3- أخذ العبرة والدروس من التجارب السابقة
في ثالث التوصيات، حثَّ الباحثان على أخذ العبر مما حدث في مناطق نزاع أخرى ضربتها كوارث طبيعية، مثل الاستجابة لكارثة التسونامي في سريلانكا، وعمليات الإغاثة في مناطق النزاعات الممتدة، مثل ميانمار وجنوب الفلبين، والاستفادة من ذلك في تحسين الاستجابة لحالات الطوارئ في الكوارث المستقبلية.

وفي هذا السياق، فإن الخبراء في تركيا طالبوا بإجراء تحقيقات رسمية في الأخطاء التي حدثت، وأسباب التغافل عن قوانين البناء التي أُقرَّت بعد زلزال إزميت عام 1999. أما سوريا، التي لا يكاد يوجد فيها أي احتياطات لمواجهة الزلازل، فإن الاهتمام يجب أن ينصرف إلى ما يجب على المجتمع الدولي والقوى المحلية فعله بعد ذلك، وسب الإعداد لمواجهة الأزمات المستقبلية، مثل تعزيز التنسيق المطلوب لإيصال المساعدات.

وذكر التقرير بعض الدروس المهمة من هذه الأزمات، مثل ضرورة الاستعداد والتخطيط للعمل بسرعة وحزم؛ وتجهيز الأهالي في المناطق المعرضة للمخاطر لتلبية الاستجابة الأولى قبل وصول رجال الإنقاذ الرسميين؛ وتدريبهم على الأمور التي ينبغي فعلها أثناء الزلازل.

4- الاستعداد لأي كوارث محتملة خصيصاً في سوريا
في رابع التوصيات، يتحدث الباحثان عن الأمور التي ينبغي أن تهتم بها السلطات المعنية في عمليات إعادة الإعمار، ومنها دمج التقنيات المرنة -للزلازل والمخاطر الأخرى- في شروط إعادة البناء، لإحكام الاستعداد للكوارث، لا سيما في سوريا.

وأوضح الباحثان أن الزلزال كشف عن هشاشة البيئة الحضرية وضعف المرافق في المناطق المتضررة، وهو ما استدعى غضباً كبيراً بين سكان البلدين لقلة الاستعداد للكوارث من هذا النوع. ففي تركيا، تساءل خبراء عن مآل الأموال المعروفة باسم "ضريبة الزلزال" التي جُمعت بعد زلزال إزميت، والتي كان يفترض تخصيصها لتعزيز قدرة المباني على مقاومة الزلازل.

ومن جهة أخرى، تشير التقديرات الحالية إلى أن الإطار الزمني للتعافي في سوريا هو من 5 إلى 10 سنوات، أما تركيا فمن سنتين إلى 3 سنوات.

5- مساعدة طويلة الأمد
يقول الباحثان إنه إذا كانت الزلازل طبيعية وحتمية الوقوع في المناطق النشطة زلزالياً، فإن الإنسان مسؤول عن كثير من تداعياتها، فالاعتماد على قواعد البناء المرنة، على سبيل المثال، يقلل من انهيار المباني ويخفف من وطأة الدمار اللاحق للزلازل.

ومن الأمثلة الواعدة على  ذلك: المنازل المبنية بالطوب اللبِن لإيواء النازحين في شمال غرب سوريا؛ إذ لم تقع إصابات بالزلزال في إحدى القرى التي بُنيت المنازل فيها بهذه الطريقة وتضم نحو 500 أسرة (2600 ساكن)، على الرغم من وقوع القرية في قلب المناطق المتضررة.

وحثَّ التقرير على توسيع نطاق الاستعانة بهذه الأساليب المبتكرة في البناء، لما توفره من خصوصية وحماية وكرامة تزيد عن نظيرتها في الخيام، فضلاً عن تدني التكلفتها وسرعة بنائها إذا قيست إلى المنازل الخرسانية.

ويشير إلى أن المنطقة المتضررة من الزلزال، لا سيما شمال سوريا، تحتاج احتياجاً شديداً ليس فقط إلى مساعدات الإغاثة قصيرة الأجل، وإنما المساعدات الإقليمية والدولية على المدى المتوسط والطويل.

يفتقر الشمال السوري بالفعل إلى احتياجات إعادة الإعمار للمناطق التي تعرضت للتخريب على مدى عقد كامل، ويحتاج السكان إلى المساعدة العاجلة المنقذة للحياة، ويجب أن ينصرف التركيز خلال الأشهر المقبلة إلى جهود التعافي وإعادة الإعمار طويلة المدى.

ويشدد التقرير على أن الخناق الاقتصادي والحصار المفروض على شمال غرب سوريا أديا إلى تدمير قدراتها الإنتاجية واقتصادها المحلي، وزاد من اعتمادها على المساعدات الخارجية. ومن ثم يجب أن تشمل المساعدات المقدمة في الأسابيع والأشهر المقبلة مزيداً من الدعم لسبل العيش ووسائل توليد القدرات المحلية اللازمة للصمود في مواجهة الأزمات التي قد تحل بالمنطقة في المستقبل.

6- على منطقة بلاد الشام الاستعداد للكوارث
ينبه الباحثان في النهاية إلى أن منطقة فلسطين ولبنان والأردن يُتوقع منذ زمن طويل أن تشهد زلزالاً هائلاً، ومن ثم فإن زلزال تركيا وسوريا دعوة قائمة لترك الغفلة وزيادة الاستعداد لمواجهة حالات الطوارئ في جميع أنحاء المنطقة.