الخميس 3 تشرين الأول 2024

كيف فضَّل ماكرون تكريم “الحركيين” على الاعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي

 النهار الاخباريه  وكالات

اثار. تكريم واعتذار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للحركيين الجزائريين (الجزائريون الذين حاربوا مع فرنسا ضد بلادهم في حرب التحرير)، غضب الجزائر، لاسيما أن الأخيرة كانت تنتظر خطوات أخرى، أقلها تعويض ضحايا تجاربها النووية بالاعتراف بجرائمها خلال فترة الاحتلال التي دامت 130 سنة. 

ويبدو أن الرئيس الفرنسي وضع مصالحه الشخصية ومستقبله السياسي فوق كل اعتبار، بحيث يكون قد ضمِن قرابة مليون صوت من خلال خطوته الأخيرة تجاه "الحركى" في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها ربيع السنة القادمة. 

ومن المتوقّع أن يزيد هذا القرار في توتر العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا والتي تعيش أسوأ مراحلها منذ عقدين. 

وكان ماكرون قد اتصل بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون، بعد لقائه مع "الحركى" واتخاذه قراراً بتعويضهم، ولم يكشف قصرا الإليزيه والمرادية عن فحوى المكالمة. 

من هم "الحركى"؟ 
تعني كلمة "حركي" بالعامية الجزائرية "خائن"، وأُطلقت إبان الثورة التحريرية (1954-1962) على كل من يوالي فرنسا ويتعاون معها ضد الثوار. 

ووفق تقديرات غير رسمية فإن عددهم بلغ 200 ألف، كانوا جميعهم منخرطين في صفوف جيش الاحتلال، تركت فرنسا أغلبهم لمصيرهم بعد هزيمتها في الحرب ضد جيش التحرير. 

وبعد توقيع فرنسا مع جبهة التحرير الوطني اتفاقية إطلاق النار في 18 مارس/آذار 1962، سمحت الأخيرة لأكثر من 42 ألف "حركي" بمغادرة البلاد، فيما فرَّ 40 ألفاً آخرين عبر تونس والمغرب ليستقروا في فرنسا بعدها. 

وعاملت باريس "الحركى" كلاجئين، حيث تم تكديسهم في مراكز إيواء بجنوب وشمال البلاد إلى غاية 1974، إذ تم إغلاق هذه المراكز وإسكان "الحركي" وعائلاتهم في أحياء شعبية. 

وحاولت السلطات الفرنسية مراراً أن تتفاوض مع الجزائر حول السماح لهم بالعودة إلى وطنهم الأم، إلا أن الأخيرة كانت ترفض ذلك، مشددة على أنهم ليسوا مواطنين جزائريين. 

وكان ماكرون قد فتح ملف "الحركى" عند زيارته للجزائر سنة 2017، لكن وزارة المجاهدين في الجزائر اعتبرت أن الملف منتهٍ، حيث قال الوزير طيب زيتوني وقتها، إن "التاريخ حسم قدرهم، لقد اختاروا موقعهم، الناس الذين خانوا وطنهم وإخوانهم لا يحق لهم أن يعودوا إلى وطننا" . 

طعنة ماكرون 
كشفت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، أن اتفاقاً شبه رسمي أُبرِم بين الجزائر وفرنسا بخصوص اعتراف باريس بجرائمها في الجزائر عبر مراحل، لكن الأخيرة فوجئت بخطوة ماكرون التي تعتبر طعنة في الظهر، لاسيما للرئيس عبد المجيد تبون الذي ظل يمدح ماكرون لأشهر، مؤكداً أنه متصالح مع ماضي فرنسا الاستعماري. 

وقالت الجزائر في أول رد رسمي على تكريم ماكرون لـ"الحركى"، إن "الثورة التحريرية فصلت في ملفهم، أما ما تقوم به باريس اليوم فهو شأن داخلي لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد". 

وأضاف وزير المجاهدين، العيد ربيقة، الأربعاء 22 سبتمبر/أيلول: "هذه المسألة واضحة، ولا يمكن أن نتحدث عن مصالحة مع فرنسا على حساب الذاكرة، لا يمكن التسامح في هذه المسألة أبداً، وعلاقتنا معهم مبدأها احترام الذاكرة والهوية". 

وتنتظر الجزائر من فرنسا اعتذاراً عن ماضيها الاستعماري كخطوة مهمة لدعم العلاقات الاقتصادية والثقافية الثنائية، وتسليمها جميع الوثائق والملفات الخاصة بأرشيف الفترة الاستعمارية (1830-1962)، وتعويض ضحايا التجارب النووية التي مازالت آثارها إلى اليوم. 

ردود غاضبة 
صبّ حزب جبهة التحرير الوطني جام غضبه على السلطات الفرنسية إثر تكريم الرئيس ماكرون لـ"الحركى"، حيث قال الحزب في بيان: "نستنكر بشدة، إقدام السلطات الفرنسية على تكريم الحركى، ونعتبر هذه الممارسات، التي تتجدد كل سنة، استفزازاً علنياً للجزائريين، ونؤكد أن إقامة علاقات ندية مع فرنسا، تقوم على منافع مشتركة للشعبين، لن تأتي بدون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة، التي يجب تنقيتها من الرواسب الاستعمارية". 

وأضاف الحزب: "تخصيص فرنسا يوماً للحركى واعتباره يوماً لرِجالاتها الأبطال، إنما تريد منه إحياء كل ما له علاقة بالخيانة، وبالتالي إحياء جراح الجزائريين، ومحاولة يائسة من فرنسا لخلق استعمار حضاري، لا يمكنه أن يمحو حجم الهمجية التي خلفت الملايين من الشهداء ومن ضحايا البطش الاستعماري". 

وواصل البيان ذاته: "إن الجزائريين يعتبرون هؤلاء، الذين باعوا وطنهم بأبخس الأثمان، مجرد خونة، مهما حاولت فرنسا، من خلال قوانين العار، تبييض صفحاتهم السود، فالحركى قدموا خدماتهم للعدو، ولم يعودوا جزائريين. إن تكريم الخونة لن يمحو من سجل التاريخ كفاح الشعب الجزائري من أجل انتزاع استقلاله، بفضل تضحيات أبنائه من الشهداء الأبرار والشهداء الأطهار". 

من جهته اعتبر رئيس لجنة الدفاع بمجلس الأمة يوسف مصار، أن تكريم فرنسا الرسمية لعملائها الذين كافحوا إلى جانبها ضد بلدهم الجزائر وضد الثورة وضد الشعب والوطن، ليس بالأمر المستغرب. 

ورأى مصار أنه كان من الأجدر بالرئيس الفرنسي تعويض ضحايا التفجيرات النووية التي لايزال سكان الجنوب الجزائري يعانون من آثارها الوخيمة، بدل تكريم الحركى.