الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

كيف ستدفع الديمقراطية الفرنسية ثمن تمرير إصلاح نظام التقاعد بـ”القوة”؟

النهار الاخبارية - وكالات 
أثار قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، اعتماد المادة 49.3 من الدستور لإقرار قانون إصلاح نظام التقاعد ردود فعل شعبية وسياسية سريعة وقوية. 

ويرى مراقبون لموقع فرانس 24 أن هذه الخطوة لن تُنهي الجدل بشأن هذا القانون، ولن توقف موجة الاحتجاجات المستمرة منذ يناير/كانون الثاني.. فهل تُنذر بأزمات سياسية متعددة في السنوات الأربع المتبقية من ولاية ماكرون الثانية؟

"دليل ضعف وفشل".. بهذه العبارات وصف شق من السياسيين والمهتمين بالشأن الفرنسي لجوء الرئيس إيمانويل ماكرون للمادة 49.3 من الدستور لإقرار قانون إصلاح نظام التقاعد – دون تصويت من الجمعية الوطنية (مجلس النواب) – والذي يقضي برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً.

ما هي قصة المادة 49.3؟

ويثير هذا القانون جدلاً واسعاً في فرنسا منذ ثلاثة أشهر، ونزل مئات الآلاف إلى الشوارع في ثمانية أيام احتجاجية لمطالبة الحكومة بسحب المشروع. ولم يحظَ اللجوء إلى المادة 49.3 حتى بإجماع الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم في الجمعية الوطنية.

لكن ماكرون وضع إصلاح نظام التقاعد في صلب الإصلاحات التي يريد إنجازها خلال ولايته الثانية والأخيرة، معتبراً ذلك أمراً حتمياً للحفاظ على التوازنات المالية لصندوق الضمان الاجتماعي.

وقال خبير الرأي العام أنطوان بريستييل، من مؤسسة "جان جوريس"، لوكالة الأنباء الفرنسية إن "المادة 49.3 في خيال الفرنسيين مرادفة للوحشية، إنه الشعور بأن الحكومة لا تصغي". وأضاف: "في الشارع، هذا سيُعطي زخماً جديداً للتعبئة".

ولدى المعارضة، تواجه حكومة إليزابيث بورن مطالب مختلفة لحجب الثقة، طرحتها أحزاب المعارضة يميناً ويساراً. جاءت إلى حد الآن من كتلة "ليوت" المدعومة من اليساريين تلاها طلب قدمه نواب اليمين المتطرف بعد ظهر الجمعة.

وقوبل خطاب بورن بالجمعية العامة بصيحات استهجان في تأكيد على عجز ماكرون على تحصيل الأغلبية اللازمة لتمرير القانون.

في المقابل، حذر زعيم حزب "الجمهوريين" اليميني إيريك سيوتي من أن حزبه لن يصوِّت على "أي منها"، ما من شأنه مساعدة الحكومة على الإفلات من مساعي المعارضة لحجب الثقة منها. ويتمتع نواب الائتلاف الرئاسي بأغلبية نسبية، ما يجعل نواب أقصى اليسار وأقصى اليمين بحاجة للتوافق فيما بينهم، إضافة إلى دعم "الجمهوريين".

يقرأ نائب رئيس تحرير إذاعة مونت كارلو الدولية مصطفى طوسة في إصدار مقترحات مختلفة لحجب الثقة عن الحكومة رسالة مفادها أن المعارضة بمختلف حساسياتها في البرلمان ستجعل ما تبقى من سنوات ماكرون في الإليزيه مليئة بالمطبات. وقال: "ماكرون صب الزيت على النار في علاقته بالمعارضة عندما حرمها من مناقشة مشروعه الإصلاحي بالبرلمان وتمريره بالقوة. الأحزاب اليسارية واليمينية بالجمعة الوطنية على حد السواء ستعمل على أن ينهي ماكرون ما تبقى من ولايته بصفة رئيس يحكم ولا يسود". وأضاف: "هذه الأحزاب ستلجأ حتماً إلى اتخاذ مواقف انتقامية ضده".

رسالة الشارع في فرنسا: احتجاجات أكبر و"السترات الصفراء" في البال

الرسالة الثانية جاءت من الشارع مع خروج احتجاجات في مدن فرنسية عدة عقب إقرار قانون إصلاح نظام التقاعد، تخللتها أعمال شغب وكانت أبرزها في ساحة "الكونكورد" في باريس؛ حيث لجأت قوات الأمن إلى فض المحتجين بالقوة.

كما تخللت المظاهرات التي خرجت في مدينتي رين ونانت (غرب فرنسا) أعمال عنف وإطلاق مفرقعات باتجاه قوات الأمن وتخريب للأملاك العامة. كما وقعت بعض أعمال شغب في مدن كبرى أخرى مثل أميان وليل (شمال) وغرونوبل (وسط شرق). وفي مارسيليا (جنوب)، حطم شبان ملثمون واجهة أحد المصارف ولوحة إعلانية، بينما أضرم آخرون النار في حاويات قمامة هاتفين: "تسقط الدولة والشرطة وأرباب العمل".

هل تعود احتجاجات السترات الصفراء مرة أخرى؟
ويعتبر مصطفى طوسة أن الأيام المقبلة تنذر باحتجاجات أكبر وقد تكون أعنف في الشارع الفرنسي وهو ما نبهت له النقابات عندما حذرت من زيادة في حدة المظاهرات في حال تمرير القانون بالقوة: "ربما ستتجاوز الاحتجاجات عنف وزخم ظاهرة السترات الصفراء قبل نحو 4 أعوام. هناك حديث عن تشكل تنسيقيات ومجموعات مستقلة بدأت تحضر لاحتجاجات من المرجح أن ترافقها أعمال شغب".

رسالة النقابات: مزيد من الاحتجاجات والإضرابات

تسعى النقابات العمالية إلى إبقاء شعلة الاحتجاجات والإضرابات موقدة وإعطاء زخم جديد لها بعد تمرير مشروع إصلاح التقاعد دون تصويت.

ودعت النقابات إلى تجمعات الجمعة وخلال نهاية الأسبوع، إضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والمظاهرات الخميس المقبل. ونددت بتمرير مشروع القانون بـ"القوة"، مشيرة إلى "المسؤولية التي تتحملها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار"، وهو ما اعتبرته "إنكاراً حقيقياً للديمقراطية".

ويرى مصطفى طوسة أن النقابات في طريقها لشن معركة كسر عظام ضد الرئيس ماكرون، وقال: "بعد مشاهد أطنان القمامة في العاصمة باريس، من المرجح أن تلجأ النقابات إلى سلاح شل الحياة الاقتصادية في البلاد. فقد شهدنا مثلاً عمليات إغلاق طرق وقد نشهد في الأيام المقبلة إضرابات تشل حركة الطيران والموانئ الحيوية".

عزلة سياسية للرئيس ماكرون

هذا الرفض الشعبي للمشروع تسبب بعزلة سياسية بالنسبة للرئيس ماكرون، حسب صحيفة "لوموند"، على الرغم من أنه حاول حتى آخر لحظة الحصول على أغلبية ولو ضئيلة لتمرير القانون عبر التصويت. وكان ماكرون قد أعلن أنه لا يريد اللجوء إلى المادة 49.3، وأنه يفضل أن يصوِّت النواب على مشروع القانون. لكن السلطة التنفيذية اعتبرت في نهاية المطاف أن الذهاب إلى التصويت يعرضها لخطر رفضها من قبل النواب.

ويخلص مصطفى طوسة إلى أن إيمانويل ماكرون خاطر برصيده السياسي من أجل ترك بصمته كرئيس تحدى الرفض الشعبي لمشروع إصلاحي يرى أنه ضروري لحماية المصالح العليا للدولة. "في التاريخ السياسي الفرنسي المعاصر، كانت هناك محاولات سياسية كثيرة لتمرير مشاريع إصلاحية لكنها اصطدمت بمعارضة شعبية واسعة كانت أشبه بالثورة مثلاً مع رئيس الوزراء في سنة 1995 ألان جوبيه. وهو ما جعل رؤساء مثل جاك شيراك ونيكولا ساركوزي يتراجعون عن هذه المشاريع أمام موجة الرفض العالية. ماكرون أظهر أنه مختلف عنهم".