النهارالاخباريه وكالات
تداعيات كارثية تسببت بها البرامج الأمريكية لمكافحة الإرهاب بإفريقيا، حسبما قال خبراء وباحثون أمريكيون، عشية القمة الأمريكية الإفريقية.
فبينما يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن لاستضافة قادة من 49 دولة إفريقية والاتحاد الإفريقي هذا الأسبوع في القمة الأمريكية، عرض موقع Responsible Statecraft الأمريكي، تقييماً لنتائج البرامج الأمريكية لمكافحة الإرهاب بإفريقيا.
القمة الأمريكية الإفريقية ستطلق برامج عمل
وبينما تقول واشنطن إن هدف القمة الأمريكية الإفريقية إعادة تأكيد العلاقات مع جزء من العالم غالباً ما يتعرض للتهميش، في خضم صراع القوى العظمى في جميع أنحاء العالم، فإنه لا يمكن استبعاد أن هدف القمة هو التصدي للنفوذ الصيني المتصاعد بالمنطقة.
ستكون هناك "مخرجات ومبادرات رئيسية" خلال القمة الأمريكية الإفريقية، حسبما صرّح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للصحفيين.
وتستمر القمة ثلاثة أيام، حيث تنطلق، اليوم الثلاثاء 13 ديسمبر/كانون الأول. وقال المسؤول: "يتعلق هذا أيضاً بتحديد جدول أعمال عالمي معاً يخلق فرصاً تستوجب على الأفارقة الجلوس على الطاولة ومساعدتنا في تجاوز بعض من أصعب التحديات في العقد التالي".
المشهد مؤلم بإفريقيا بعد سنوات من تركيز أمريكا على الجيوش ومكافحة الإرهاب فقط
لكن نظرة واحدة فقط على المشهد الأمني توضح أن العديد من هذه البلدان -سواء في منطقة الساحل أو القرن الإفريقي أو وسط إفريقيا- تكافح يومياً ضد موجات جديدة من العنف (سواء من جانب الدولة أو الإرهاب المتصاعد)، على الرغم من الشراكات الوثيقة مع الجيش الأمريكي تحت رعاية استراتيجية مكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر/أيلول والبرامج ذات الصلة.
شهدت دول مثل نيجيريا والصومال وتشاد وبوركينا فاسو انقلابات عسكرية أو تصاعد العنف هذا العام.
ويقول النقاد إن هذه العلاقات مع واشنطن التي تركز على الجيش تسهم في الكثير من هذه الحالات في المشكلة، بل بدرجة كبيرة أحياناً. ويبدو أنها مشكلة تعترض طريق التقدم على عدد من الجبهات غير الأمنية؛ بما في ذلك التجارة والتنمية، وتخفيف حدة الفقر، والصحة، والمناخ، والاستقرار السياسي.
إليك تقييم الخبراء لنتائج البرامج الأمريكية لمكافحة الإرهاب بإفريقيا
وكشف تقرير جديد، صدر عن منظمة PAX الهولندية غير الربحية، أن "الضربات الأمريكية في الصومال تؤدي لازدياد قوة حركة الشباب الإرهابية في جنوب البلاد".
وعرض التقرير لمجموعة مروعة من مظاهر المعاناة- بما في ذلك القتل المزعوم للأطفال- وطالب التقرير بوضع حدٍّ لممارسات الاستهداف الحالية التي تستخدمها القوات الأمريكية خارج مناطق الحرب التقليدية.
موقع Responsible Statecraft الأمريكي طرح على مجموعة من خبراء السياسة الخارجية والإقليمية والأمنية سؤالاً حول: "كيف يقيّمون برامج الأمن أو برامج مكافحة الإرهاب الأمريكية في إفريقيا على مدى العقدين الماضيين، وما هي التغييرات التي يمكنك إجراؤها لتحسين العلاقات عامة؟".
تقول سمر البلوشي، زميلة غير مقيمة في معهد الأبحاث الأمريكي The Quincy Institute for Responsible Statecraft، وأستاذ مساعد الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا: "إنه عند تقييم برامج الأمن أو مكافحة الإرهاب الأمريكية في إفريقيا على مدى العقدين الماضيين، هناك ميل للتركيز بالأساس على الأبعاد العسكرية الصريحة لسياسة الولايات المتحدة، من مهمة أفريكوم إلى تمويل وتدريب قوات الأمن الإفريقية".
الطائرات المسيرة تأتي بنتيجة عكسية وواشنطن تخلط بين الإرهاب والمعارضة
ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة تقييم نهجها العسكري المفرط تجاه إفريقيا، والتوقف عن دعمها للحرب التي لا نهاية لها في أماكن مثل الصومال، حيث أدت ضربات الطائرات بدون طيار وغيرها من استراتيجيات مكافحة الإرهاب إلى نتائج عكسية؛ مما أدى إلى نزوح جماعي وعدد غير معروف من الضحايا المدنيين، حسب سمر البلوشي.
لكن من المهم بنفس القدر، التدقيق في دعم الولايات المتحدة لبرامج المجتمع المدني حول موضوع مكافحة التطرف العنيف، الذي كان له عدد من الآثار السلبية. أولاً، أدى انشغال إدارة الولايات المتحدة بمسائل الأمن والإرهاب إلى إعادة توجيه تمويل المانحين بعيداً عن القضايا ذات الأهمية الملحة لشعوب القارة؛ مثل الرعاية الاجتماعية والتعليم والتنمية والوظائف، وما إلى ذلك
ثانياً، لا تعمل برامج المجتمع المدني المدعومة من الولايات المتحدة بشأن مكافحة التطرف العنيف على تطبيع الأشكال الجديدة من ضبط الأمن فقط (من خلال تعزيز الرصد والمراقبة لجيران الفرد وأفراد أسرته)، بل تعمل على إيذاء أولئك الذين يشككون فيها، وتخلط بين الإحباط السياسي ودعم العنف السياسي. ويؤدي ذلك إلى قمع النقاش والحوار، بل يسهم في تجريم المعارضة.
باختصار، يجب علينا أيضاً التدقيق في المناصرة الخطابية لـ"الديمقراطية والمجتمع المدني"، خشية أن تكون بمثابة غطاء لأشكال جديدة من القمع.
جهود أمريكا لمكافحة الإرهاب تسببت في مجاعة بالصومال
لقد فشلت جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية في إفريقيا، حسبما يرى أليكس دي وول، المدير التنفيذي لمؤسسة World Peace Foundation، وأستاذ باحث في جامعة تافتس الأمريكية.
قال: "لقد كان واضحاً منذ الأيام الأولى التي تلت 11 سبتمبر/أيلول أنَّ الحرب على الإرهاب هي بذرة ما سعت إلى القضاء عليه. وموَّل البنتاغون ودرَّب الجنود الذين انتهكوا حقوق الإنسان، وأفسدوا الخدمة العامة ونظموا انقلابات. إنَّ دعم مكافحة الإرهاب أعاد توجيه المنظمات الإقليمية الإفريقية إلى تحالفات عسكرية".
وأعاق قانون باتريوت -الذي أقره الكونغرس لتحسين قدرات أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية لاكتشاف الإرهاب وردعه- العمليات الإنسانية في الصومال منذ 11 عاماً لدرجة أنَّ مجاعة كان من الممكن تفاديها بالكامل قتلت 250 ألف شخص.
وأطلقت العملية العسكرية التي أطاحت بمعمر القذافي العنان لموجة من الإرهاب في ثُلث القارة.
بطاقة النتائج الأمريكية الكئيبة هذه مؤسفة، وبالأخص لأنه في العقد الذي سبق 11 سبتمبر/أيلول، كانت دول شرق إفريقيا قد وضعت صيغة لاحتواء تنظيم القاعدة، واضعة السياسة في المقام الأول. ودفع مزيج من الإكراه والدبلوماسية دولة السودان "الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب"، إلى التعاون مع جيرانها والولايات المتحدة ووضع المنطقة على طريق تحييد التهديد الإرهابي.
كانت الإخفاقات واضحة حتى في ظل إدارة جورج دبليو بوش، التي تراجعت عن مبالغاتها. لكنها لم تؤسس بديلاً. واستعانت إدارة ترامب بمصادر خارجية في سياستها تجاه إفريقيا، واضعة إسرائيل ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة في مقعد القيادة. بينما ليس لدى إدارة بايدن سياسة واضحة بخلاف الأمل الخجول في الاستقرار.
واليوم، إذا كانت إدارة بايدن تبحث عن إطار عمل للشراكة مع إفريقيا يقود مساراً بين العسكرة والالتزام بالأخلاقيات، فإنها لا تحتاج إلى النظر إلى أبعد من معايير ومبادئ الحكم والديمقراطية في إفريقيا. وهذه طموحات بالتأكيد، لكنها تطلعات صيغت عند التعافي من الصراع، وفشل الدولة، واليأس. وهي مكرسة في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، والتزاماته بالديمقراطية والانتخابات والحكم وحقوق الإنسان والسلام والأمن.
الإرهاب ينتشر في البلدان التي يتواجد بها الجيش الأمريكي
يجب الحكم على جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا بما أسفرت عنه. يصعب على المرء أن يشير إلى بلد إفريقي، حيث أدت هذه البرامج إلى قمع دائم للتطرف، حسب مايكل هورتون، زميل الشؤون العربية في المؤسسة البحثية الأمريكية The Jamestown Foundation.
يقول: "بل على العكس من ذلك، انتشرت الجماعات المسلحة في العديد من البلدان الإفريقية حيث ينشط الجيش الأمريكي، مقارنة بمستوى إرهاب منخفض في الدول التي لا ينتشر فيها. وتنشط الجماعات المسلحة الآن في جميع أنحاء شمال إفريقيا، ومنطقة الساحل، والساحل الشرقي لإفريقيا، وفي مساحات شاسعة من غرب إفريقيا".
ولم تقف قدرات هذه الجماعات عند الانتشار فحسب، بل إنَّ العديد منها صارت تتمتع بتنظيم أفضل وقدرة أكبر على الوصول إلى الأسلحة المتطورة، وتندمج اندماجاً أفضل في الشبكات المظلمة مثل عصابات التهريب. باختصار، يتزايد التطور العسكري والسياسي والمالي للعديد من هذه المجموعات.
نادراً ما تنجح الحلول الحركية الأمريكية الباهظة الثمن لقمع التشدد، لأنها تفشل في معالجة الدوافع الحقيقية لهذا التشدد، التي تؤدي إلى الفقر المدقع، والتدهور البيئي، والفساد المستشري. على الجانب الآخر، ستحقق الولايات المتحدة أكثر بكثير من خلال العمل على إيجاد وفهم وتمكين الحلول المحلية لهذه المشكلات الأساسية.
الضباط الأفارقة الذين تعلموا بأمريكا يصبحون أكثر استعداداً للانقلاب على حكوماتهم
يتشارك أحمد إبراهيم، زميل أبحاث في جامعة سانت أوغستين في تنزانيا، وزوري لينتسكي، زميلة باحثة في البرنامج البحثي الأمريكي Eurasia Group Foundation في وجهة نظر مفادها أنَّ إعطاء الأولوية لبرامج وسياسات مكافحة الإرهاب الأمنية عند تعامل الولايات المتحدة مع الدول الإفريقية جاء بنتائج عكسية؛ إذ أدت هذه السياسات في كثير من الأحيان إلى تفاقم التشدد المسلح الذي كان من المفترض تقويضه.
وأضافت زوري لينتسكي: "تزداد احتمالية مشاركة ضباط الجيش الأفارقة الذين يتلقون تعليماً عسكرياً احترافياً أمريكياً في الانقلابات. والأهم من ذلك، أنه برغم هذه التدخلات، زاد الإرهاب في جميع أنحاء إفريقيا بنسبة 300% خلال العقد الماضي".
لا يوجد برنامج لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة يعالج عدم المساواة الاجتماعية، وديناميات السلطة المحلية، والتوترات العرقية التاريخية، أو سوء الإدارة الذي دفع الجماعات الإرهابية إلى النشاط في المقام الأول. على الرغم من أنَّ قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2017 يُلزِم برامج التعاون الأمني بالتقييم والمراقبة لتتبع عملياتها، إلا أنَّ البيانات لا تزال محدودة وضعيفة.
البرامج الأمريكية خطر على واشنطن نفسها وتؤدي لخسائر بالبلدان الإفريقية
أثبتت مكافحة الإرهاب، على الصعيدين العالمي والإفريقي، أنها غير فعّالة وتأتي بنتائج عكسية على أمن الولايات المتحدة، حسب ويليام منتر، الكاتب والباحث والمحرر في دورية AfricaFocus Bulletin.
يقول: "بالنسبة للبلدان المُصنّفة على أنها تهديدات، كانت الخسائر في الأرواح وسبل العيش عالية".
ويضيف: "لمعالجة أسباب العنف وانعدام الأمن، يجب على صانعي السياسات والمواطنين الأمريكيين التخلي عن وهم القيادة العالمية للولايات المتحدة. يجب علينا بدلاً من ذلك أن نتعلم من رئيسة الوزراء ميا موتلي من دولة بربادوس الصغيرة".
في كلمة موتلي، ضمن إحدى فعاليات قمة المناخ COP27 في مصر، حازت على إشادة عالمية لجدول أعمالها الشامل للاستجابة "للأزمات العالمية المتعددة" لتغير المناخ اليوم، والحروب في أوروبا وكذلك في إفريقيا، والركود الاقتصادي.
قوات الأمن المدعومة أمريكياً تحولت لأدوات قمعية
ربما تكون البرامج الأمريكية قد فاقمت المشكلة؛ فقد نمت حركات التمرد الإرهابية بنحو 300% في العقد الماضي، حسب إليزابيث شاكلفورد، زميلة قديمة في مركز الأبحاث Chicago Council on Global Affairs، وضابطة أمريكية سابقة، التي خدمت في الصومال وكينيا وجنوب السودان:
تقول: "لقد استُخدِمَت قوات الأمن التي دعمناها بمثابة أدوات للقمع السياسي المحلي ولارتكاب انتهاكات في أوغندا وإثيوبيا والكاميرون ونيجيريا، على سبيل المثال لا الحصر. ويمكن أن يؤدي هذا الانتهاك إلى دعم نفس حركات التمرد التي نساعد في قتالها، وتعزيز التجنيد فيها".
في بعض الأحيان يكون لدى الشركاء الأفارقة حافز أقل لمعالجة المشكلات الجذرية لعدم الاستقرار بينما تساعد أمريكا في تعزيز قوتهم العسكرية أيضاً.
وتقول إنَّ "استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة بشأن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى" تدرك العلاقة بين الحكم الرشيد والأمن، وهي خطوة جيدة. لكن ضمان ألا تستمر المصالح الأمنية قصيرة المدى في الطغيان على التركيز على الحكم الرشيد، أو تقويضه، أمر ضروري لتحقيق النجاح.
وتضيف: "يجب أن تكون أولويتنا هي ضمان عدم تسهيل استدامة الحوكمة السيئة. وهذا يعني التحلي بالواقعية إزاء مصالح أمننا القومي المعرضة للخطر، وإنهاء البرامج مع الحكومات المسيئة، والتركيز على الدول التي تعتبر شركاء جيدين. لا ينبغي لنا دعم الجهات الفاعلة السيئة، ما لم يكن ذلك ضرورياً لأمننا القومي".