الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

كواليس تحركات إيرانية لاستئناف مفاوضات الاتفاق النووي

النهار الاخبارية - وكالات 
بعد مرور 4 أشهر على توقف المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا بوساطة أوروبية، بدأت طهران تُرسل رسائل إيجابية لعواصم الغرب، تُعبّر من خلالها عن رغبتها في استئناف مفاوضات الاتفاق النووي، الذي جمّدته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

وجاءت المبادرة الإيرانية لاستئناف المفاوضات بسبب عاملين: الأول داخلي يتجلى في تدهور الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد بسبب استمرار الاحتجاجات التي تحولت لمطالب اجتماعية، والثاني خارجي وهو تغيير الصين، الشريك الاستراتيجي لطهران، لبوصلته تجاه دول الخليج.

وكان من المفترض أن يكون نقاش المسودة النهائية في طهران قد اقترب من المرحلة النهائية، خاصة بعد التنازلات التي قدمتها إيران، إلا أن هذه الأخيرة تمسكت بضرورة الحصول على ضمانات عدم إلغاء الاتفاق، بالإضافة إلى إلغاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

انهيار اقتصادي مستمر
كشف مصدر دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، ومقرب من باقر كاني، رئيس الفريق المفاوض النووي الإيراني في فيينا: "في الأسابيع الأخيرة، تحدث الرئيس ورئيس الحكومة الإيراني ابراهيم رئيسي، عن رغبة ملحة لاستئناف المفاوضات، ولحل الأزمة الاقتصادية للبلاد".

وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته في تصريح لـ"عربي بوست" أن رئيسي عبّر عن رغبته في العودة إلى استئناف المفاوضات النووية، لأن الأمر يُمكن أن يؤثر بالإيجاب على الاضطرابات التي تمر بها إيران في الوقت الحالي.

هذا التفسير أكده مسؤول حكومي إيراني آخر لـ"عربي بوست" قائلاً: "منذ بدء الاحتجاجات بدأت العملة الإيرانية في الانهيار المستمر، وما فاقم الوضع هو خروج مظاهرات عمالية للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين أوضاع المعيشة، ما وضع الحكومة في موقف لا تحسد عليه".

وأشار المسؤول الحكومي أن "إبراهيم رئيسي يمر من أزمة كبيرة، فمن ناحية يتلقى العديد من الانتقادات من المرشد الأعلى بسبب عدم قدرته على إنهاء الاحتجاجات، ومن ناحية أخرى تدهور الوضع الاقتصادي".

من جهته يقول صحفي إيراني، مقرب من الحكومة، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "لدينا مظاهرات مقلقة في قطاعات النفط والبتروكيميات والسيارات، العمال يريدون زيادة رواتبهم، مع استمرار الأزمة الاقتصادية، ما شكل ضغطاً مضاعفاً على الحكومة".

وأضاف المصدر نفسه، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "إبراهيم رئيسي، والمسؤولين الاقتصاديين في حكومته، يرون في إحياء الاتفاق النووي، ضربة الحظ التي يُمكن أن تنقذ الحكومة من الاحتجاجات".

محللون سياسيون مقربون من الحكومة الإيرانية تحدثوا لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر أسمائهم، أجمعوا على أن الحكومة ترى استئناف المفاوضات النووية ومحاولة إحياء الاتفاق بمثابة انفراجة اقتصادية تستطيع من خلال سد الفجوة مع الشعب الايراني وتهدئة الاحتجاجات.

ووصل الدولار الواحد إلى 40 ألف ريال إيراني، بالإضافة إلى أنه في الأشهر الماضية، كانت مطالب المحتجين منحصرة في تغيير الحكومة الإسلامية، والحريات، وأوضاع المرأة، لكن في الأسابيع الأخيرة بدأت بعض المظاهرات المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي في الخروج.

زيارة رئيس الصين للسعودية غيرت كل شيء
تعتمد إيران على كل من الصين وروسيا كشركاء اقتصاديين واستراتيجيين وسط عزلتها الدولية، كما تبنت إدارة إبراهيم رئيسي، استراتيجية "النظر شرقاً" التي دعا إليها المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، لتقليل الاعتماد على الغرب.

لكن بعد زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، تعقدت الأمور بين بكين وطهران، خصوصاً بعد توقيع بيان مشترك يدعو إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحفاظ على عدم انتشار الأسلحة النووية، واحترام مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ولم يكتف الرئيس الصيني بهذا البيان فحسب، بل أثناء عقد قمة عربية أخرى مع دولة الإمارات العربية المتحدة، أكد في بيان ثانٍ عند نهايتها، على المطالب الإماراتية بضم ثلاث جزر واقعة تحت سيطرة إيران في الخليج.

وظلت وسائل الإعلام الإيرانية، سواء الأصولية أم الإصلاحية، على مدار يومين، تنتقد تصريحات الرئيس الصيني خلال وجوده في الرياض، بجانب انتقادات كبار المسؤولين علانية، مثل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بسبب سياسته الخارجية.

يقول صحفي إيراني مقرب من دوائر صنع القرار في طهران، لـ"عربي بوست" إن "الاستياء من تصريحات الرئيس الصيني وصلت إلى أعلى المستويات في المؤسسة السياسية الإيرانية، لا أبالغ عندما أقول إن خامنئي عبر عن استيائه ودهشته من هذه التصريحات".

في هذا الصدد، يقول يعقوب رضا زاده، عضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية بالبرلمان الإيراني لـ"عربي بوست": "لا أعلم من أين أتى الرئيس الصيني بهذه التصريحات المسيئة للإيرانيين!".

وأضاف المتحدث: "لا يمكن لإيران القبول بالبيان الصيني السعودي المشترك، الرئيس الصيني ارتكب خطأً استراتيجياً كبيراً بحق علاقات بلاده بإيران، والصينيون بحاجة إلى نفطنا وسوقنا، ولا أفهم لماذا صدرت هذه التصريحات من رئيسهم".

وتعتبر الصين المستورد الأول لنفط إيران الخاضع لعقوبات أمريكا، وقد سعى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب خلال فترة ولايته من خلال حملة ضغط تبنتها إدارته لإيصال صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، لكن ظلت الصين مستورداً أساسياً وقدمته طهران لها بأسعار زهيدة.

كما أن بكين وطهران وقعتا في مارس/آذار 2021، اتفاقية تعاون استراتيجية لمدة 25 عاماً، كانت محل انتقاد واسع النطاق داخل إيران، بزعم أنها تسهّل الاستعمار الصيني لإيران، من خلال إقامة مشاريع استثمارية صينية داخل إيران، مقابل شراء النفط بسعر زهيد وعلى أقساط طويلة المدى.

لكن المسؤولين الإيرانيين، دافعو مراراً وتكراراً عن هذه الاتفاقية طويلة المدى، باعتبارها خارطة طريق لتعاون اقتصادي وعسكري واستراتيجي مع لاعب إقليمي مهم مثل الصين، بدلاً من الاعتماد على الاتفاق النووي والدول الأوروبية.

ما علاقة الصين بالمفاوضات؟
يقول مسؤول إيراني مقرب من القيادة العليا لـ"عربي بوست": "لا نستطيع تجاهل تصريحات الرئيس الصيني في السعودية، فهي تُشير إلى تغيير موقف بكين فيما يخص شراكتها الاقتصادية والسياسية مع طهران".

وأضاف المتحدث: "هناك قلق أصاب إبراهيم رئيسي من هذه التصريحات، حتى إن بعض المسؤولين بدأوا الحديث عن فشل استراتيجية النظر إلى الشرق، وتحدثوا عن ضرورة استئناف المفاوضات النووية من أجل إحياء الاتفاق النووي".

وأشار المتحدث إلى أن "موقف الصين الأخير مؤشر خطير يدل على عدم ضمان دعمٍ دائمٍ من روسيا والصين، وهناك انطباع يتسع داخل إيران بأن كلاً من روسيا والصين يتبعان مصالحهما فقط، وهذا ما أكدته زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، واختياره مصالح بلاده مع السعوديين".

هذه المخاوف أكدها مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست" قائلاً: "على الرغم من تركيز حكومة رئيسي على توثيق العلاقات مع الصين كشريك اقتصادي مهم، إلا أن تصريحات رئيس الصين أظهرت خطأً استراتيجياً كبيراً في سياسة الحكومة الخارجية".

وأضاف المتحدث أن "موقف الصين الغريب من وحدة الأراضي الإيرانية يؤكد عدم الثقة في الصينين، صحيح أن الأمور لن تصل إلى مرحلة تدهور كبير في العلاقات بين البلدين، أو قطع العلاقات، لكن لابد من البحث عن طرق لاستئناف المفاوضات النووية مع الغرب".

واختتم المصدر السابق حديثه مع "عربي بوست" قائلاً: "على ما يبدو أن كل الطرق تؤدي إلى الاتفاق النووي، اقتصادنا في حالة خطرة، ويجب التصرف في جميع الاتجاهات والتفكير في حلول كثيرة".

هل تمنع الاحتجاجات استئناف المفاوضات؟
من ضمن الإشارات الإيجابية التي أرسلتها إيران إعلان رغبتها في استئناف المفاوضات النووية، كانت مخاطبة الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، عبر شريكيها الإقليمييْن، وهما العراق وسلطنة عُمان.

يقول دبلوماسي إيراني مقرب من الفريق النووي المفاوض، لـ"عربي بوست": إن "إيران أرسلت رسالة عبر الشركاء الإقليميين إلى جوزيب بوريل رئيس السياسية الخارجية بالاتحاد الأوروبي، تحتوي على رغبة الحكومة الإيرانية باستئناف المفاوضات النووية مع (الشركاء الأوروبيين)".

وبحسب مصدر صحفي إيراني مقرب من الحكومة الإيرانية، فإن الإيرانيين تحدثوا لمسؤولين عمانيين وعراقيين في قمة بغداد 2 التي تم إجراؤها في العاصمة الأردنية عمان، من أجل إيصال رسائلهم إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة فيما يخص استئناف المفاوضات النووية.

وبالنظر إلى تدهور العلاقات الإيرانية الأوروبية في الأشهر الأخيرة، بسبب قمع الحكومة الإيرانية للاحتجاجات الحالية في البلاد، أعلنت عدد من الدول الأوروبية فرض عقوبات على الشرطة الايرانية ومسؤولين آخرين، ويأتي السؤال الأهم.

دبلوماسي عراقي مقرب من أمريكا قال لـ"عربي بوست": إن "مسألة الاحتجاجات لن تكون عقبة، رغم تصريحات الأمريكان والأوروبيين بضرورة معاقبة إيران، إلا أنهم في الوقت نفسه، مؤمنون بأن الحل الأمثل هو الاتفاق والمفاوضات من أجل منع إيران من امتلاك سلاح نووي".

وأشار المتحدث إلى أن عدداً من الدبلوماسيين الأمريكيين أكدوا له وجود نية ورغبة لدى إدارة الرئيس جو بايدن لمنع امتلاك إيران لسلاح نووي من خلال الدبلوماسية النووية والتفاوض والاتفاق.

وأضاف المصدر نفسه أن "المخاوف الأمريكية والأوروبية من سرعة امتلاك إيران لقنبلة نووية موجودة، صحيح أن الاحتجاجات الحالية زادت قليلاً من صعوبة العودة إلى المفاوضات، لكن في النهاية سيتم استخدامها كبطاقة للحصول على تنازلات من الجانب الإيراني".

أما عن تحقيق وكالة الطاقة الذرية فقد كشف مصدر إيراني مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، أحد الجهات التي تتعامل مع الملف النووي أنه "من الممكن التوصل إلى تفاهم مع الوكالة الدولية بخصوص مسألة التحقيق، فالأمر ليس صعباً، طالما وجدت الرغبة في استئناف المفاوضات فسيقوم القادة الإيرانيون بازالة العقبات".