النهار الاخبارية - وكالات
في ظاهرة لم يعرفها العالم منذ 80 عاماً، قد يكون هناك ركودان عالميان في عقد واحد؟ هذا ما كشفه آخر تقارير البنك الدولي الذي كان أكثر تشاؤماً بشكل لافت من تقييماته السابقة، محذراً من أن خطر الركود العالمي يبدو وشيكاً في عام 2023.
فلقد خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لعام 2023 إلى 1.7% مقارنة بتوقعاته السابقة البالغة 3%، وذلك على خلفية ما يرى أنه ظروف اقتصادية متدهورة على نطاق واسع، محذراً من أن العالم "قريب بشكل خطير" من الركود.
جاء ذلك التقرير السنوي للبنك الدولي، الذي يُقرض أموالاً للبلدان الفقيرة من أجل مشروعات التنمية.
وإذا حدث ذلك الركود العالمي في 2023، فسيكون الثاني من نوعه في غضون ثلاث سنوات.
وهذه الظاهرة، أي أن يشهد العالم ركودين في العقد نفسه حدثت آخر مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وقال البنك الدولي إن الركود العالمي المتوقع في 2023 سيُشكّل "ثالث أضعف وتيرة للنمو فيما يقرب من ثلاثة عقود، لا يطغى عليها سوى الركود العالمي الناجم عن الوباء والأزمة المالية العالمية".
وتقلَّص الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2% خلال فترة الركود الوبائي لعام 2020، قبل أن ينتعش بقوة في عام 2021.
إذا ثبت أن هذه التوقعات دقيقة فستكون ثالث أضعف توسع سنوي في ثلاثة عقود، بعد الركود العميق الذي نتج عن الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ووباء فيروس كورونا في عام 2020، حسب موقع شبكة CNBC الأمريكية، وتوقع البنك الدولي أن يعود النمو إلى 2.7% في عام 2024.
ويأتي تقرير البنك الدولي في أعقاب توقعات قاتمة مماثلة قبل أسبوع من كريستينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، حيث توقعت أن ثلث العالم سوف يقع في ركود هذا العام.
وأصدر خبراء اقتصاديون آخرون أيضاً توقعات قاتمة، رغم أن معظمها ليست متشائمة تماماً مثل البنك الدولي، حيث يتوقع الاقتصاديون في مؤسسة JPMorgan الأمريكية نمواً بطيئاً هذا العام للاقتصادات المتقدمة والعالم ككل، لكنهم لا يتوقعون حدوث ركود عالمي.
لماذا سيتكرر الركود العالمي بهذه السرعة؟
قال البنك الدولي: "لقد تباطأ النمو العالمي إلى درجة أن الاقتصاد العالمي يقترب بشكل خطير من الانزلاق إلى الركود العالمي 2023".
وفسَّر البنك الدولي توجه العالم نحو الركود في عام 2023، بأن سببه الزيادة الهائلة في أسعار الفائدة العالمية لترويض التضخم.
كان تخفيض توقعات النمو العالمي من قبل البنك مدفوعاً بتراجع كبير في توقعاته للاقتصاد الأمريكي، الذي يتوقع الآن أن ينمو بنسبة 0.5% من توقع سابق عند 2.4%.
كما خفض البنك الدولي توقعاته للنمو في الصين لعام 2023 من 5.2% إلى 4.3%، واليابان من 1.3% إلى 1%، وأوروبا وآسيا الوسطى من 1.5% إلى 0.1%.
وأقر البنك الدولي بأن تشديد السياسات النقدية من جانب البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم ربما كان ضرورياً لترويض التضخم، لكنه أكد أنها أسهمت في تدهور كبير في الأوضاع المالية العالمية.
وللحدِّ من التضخم، قال المُقرض الدولي، إن البنوك المركزية قد تحتاج إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار نقطتين مئويتين إضافيتين فوق متوسط الزيادة البالغ نقطتين في عام 2021. وحذر من أن هذا يمكن أن يبطئ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2023، والذي من المتوقع أن يتقلص إلى 0.5% بعد الانكماش بنسبة 0.4%.
وفقاً للبنك الدولي، فإن هذا من شأنه أن يفي بالتعريف الفني لـ"الركود العالمي".
وجاء في التقرير أن "الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين تمر جميعها بفترة ضعف واضح، وتؤدي التداعيات الناتجة عن ذلك إلى تفاقم الرياح المعاكسة الأخرى، التي تواجهها الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية".
اقتصاد أوروبا لن ينمو على الإطلاق
من المرجح أن تعاني أوروبا، التي ظلت لفترة طويلة من كبار المصدرين إلى الصين، من ضعف الاقتصاد الصيني.
ويتوقع البنك الدولي أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي لن ينمو على الإطلاق في العام المقبل، بعد أن توسع بنسبة 3.3% في عام 2022.
ورغم أن الولايات المتحدة قد تتجنب الركود هذا العام، يتوقع البنك الدولي أن الاقتصاد الأمريكي سيُحقق نمواً بنسبة 0.5%.
ومن المرجح أن يشكل الضعف العالمي رياحاً معاكسة أخرى للشركات والمستهلكين في أمريكا، علاوة على الأسعار المرتفعة ومعدلات الاقتراض الأكثر تكلفة.
لا تزال الولايات المتحدة أيضاً عرضة لمزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد، إذا استمر COVID-19 في الارتفاع، أو تفاقمت الحرب الروسية في أوكرانيا.
مصير الاقتصاد العالمي يتوقف على ماذا سيحدث للصين؟
وتوقع البنك أن ينمو اقتصاد الصين بنسبة 4.3%، أي أقل بنقطة مئوية تقريباً مما توقعه سابقاً، ونحو نصف الوتيرة التي سجلتها بكين في عام 2021.
وجاء تخفيض البنك لتوقعاته لنمو الصين في 2023، نتيجة الاهتزاز المستمر في سوق العقارات في البلاد، وضعف الطلب من البلدان الأخرى على المنتجات المصنوعة في الصين، واستمرار الاضطرابات الناجمة عن تفشي الوباء بعد التخلي عن سياسة صفر كوفيد.
وقال البنك الدولي في تقريره، إن إعادة فتح الصين بشكل أسرع من المتوقع يطرح قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن انتعاشها الاقتصادي.
وقال التقرير: "قد يتأخر الانتعاش الاقتصادي في الصين إذا أدت إعادة الفتح إلى تفشٍّ كبير يُثقل كاهل القطاع الصحي ويُضعف الثقة". "هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن مسار الوباء، وكيف ستستجيب الأسر والشركات وصانعو السياسات في الصين".
وقال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، لشبكة CNBC الأمريكية، يوم الثلاثاء، إن "الصين متغير رئيسي، وقد يكون هناك اتجاه صعودي لبكين إذا تخلصوا من تأثيرات الوباء".
وقال: "الصين كبيرة بما يكفي في حد ذاتها لرفع الطلب والعرض العالميين".
المشكلة أنه يبدو أنه ليس هناك حل للأزمة، فإذا قررت الدول تجنب الركود بتشجيع الطلب على السلع، فهذا يعني تأجيج التضخم المرتفع أصلاً، وهذا يعني أيضاً أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سوف يواصل رفع الفائدة لفترة أطول من الوقت.
الاقتصادات النامية المتوسطة سيكون أداؤها أفضل
يتوقع البنك أن يكون أداء البلدان النامية أفضل، حيث تنمو بنسبة 3.4% هذا العام، كما كانت في عام 2022، رغم أنها لا تزال حوالي نصف وتيرة النمو في عام 2021. ويتوقع البنك تباطؤ نمو البرازيل إلى 0.8% في عام 2023، انخفاضاً من 3% العام الماضي.
في باكستان، يتوقع أن يتوسع الاقتصاد بنسبة 2% فقط هذا العام، أي ثلث وتيرة العام الماضي.
ولكن أشار تقرير البنك الدولي إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا، سيجذب رؤوس الأموال الاستثمارية من البلدان الفقيرة، وبالتالي يحرمها من الاستثمار المحلي المهم.
في الوقت نفسه، قال التقرير، إن أسعار الفائدة المرتفعة هذه ستبطئ النمو في البلدان المتقدمة، في الوقت الذي أدى فيه الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إبقاء أسعار الغذاء العالمية مرتفعة.
ولكن هذه الأوضاع ستكون مدمرة للبلدان الأشد فقراً.. إليك أكثر مناطق العالم تأثراً
"إن الآفاق مدمرة بشكل خاص للعديد من الاقتصادات الأكثر فقراً، حيث توقف الحد من الفقر بالفعل، ومن المرجح أن تظل إمكانية الحصول على الكهرباء والأسمدة والأغذية ورأس المال محدودة لفترة طويلة، خاصة أن الغزو الروسي لأوكرانيا أضاف تكاليف جديدة كبيرة، حسبما قال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في اتصال هاتفي مع الصحفيين.
وسيكون تأثير الانكماش العالمي قاسياً بشكل خاص على البلدان الأكثر فقراً في مناطق مثل إفريقيا جنوب الصحراء، التي تضم 60 في المائة من فقراء العالم.
ويتوقع البنك الدولي أن ينمو نصيب الفرد من الدخل بنسبة 1.2% فقط في عامي 2023 و2024، وهي وتيرة فاترة قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر.
وقال مالباس: "إن ضعف النمو والاستثمار في الأعمال التجارية سوف يضاعف الانتكاسات المدمرة بالفعل في التعليم والصحة والفقر والبنية التحتية والاحتياجات المتزايدة جراء تغير المناخ".
وسيتطلب معالجة حجم هذه التحديات مزيداً من الموارد بشكل كبير للتنمية والمنافع العامة العالمية.
إلى جانب السعي للحصول على تمويل جديد، حتى يتمكن من إقراض المزيد من الدول الفقيرة، قال مالباس، يسعى البنك الدولي، من بين أمور أخرى، إلى تحسين شروط الإقراض التي من شأنها زيادة شفافية الديون، "خاصة بالنسبة للحصة المتزايدة من البلدان الفقيرة، التي هي في مخاطر عالية لضائقة الديون".
التدهور سيكون واسع القاعدة، أي سيشمل جميع مناطق العالم تقريباً، حسب ما ورد في شبكة CNN، سيكون نمو دخل الفرد أبطأ مما كان عليه خلال العقد السابق لـCovid-19.
وقال رئيس البنك الدولي: "من المرجح أن تستمر الانتكاسة التي يواجهها الرخاء العالمي".
وبحلول نهاية عام 2024، سيكون الناتج الاقتصادي في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية أقل بنحو 6% من مستويات ما قبل الوباء، وفقاً للبنك الدولي.
ومن المتوقع أيضاً أن يكون نمو الدخل أبطأ من المتوسط في العقد السابق لـ Covid، ما يجعل من الصعب سد الفجوة مع الدول الأكثر ثراءً.