النهار الاخباريه وكالات
مع فوز إيراهيم رئيسي بالرئاسة في إيران، تصور كثيرون أن تياراً واحداً متجانساً هو التيار المحافظ قد أصبح يسيطر على الحكم، وأن غياب التيار الإصلاحي عن المشهد ربما يعني سياسات موحدة تتبناها طهران بغض النظر عن تصنيف تلك السياسات.
لكن نظرة أكثر قرباً على كواليس المشهد السياسي في طهران حالياً تُظهر صورة تختلف كثيراً عن التصور العام السائد بين المراقبين والمحللين من الخارج، وعلى الأرجح ستكون لذلك الاختلاف انعكاساته على سياسات إيران الخاصة بالعلاقات مع محيطها العربي وكذلك مسار المفاوضات الخاص بالاتفاق النووي.
وفي هذا السياق، نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً من داخل إيران رصد الخلافات داخل التيار المحافظ نفسه الذي ينتمي إليه رئيسي، كاشفاً عن وجود تيار أكثر تشدداً داخل تيار المحافظين، وربما يكون تعيين نائب لوزير الخارجية للشؤون السياسية أبرز مظاهر ذلك الخلاف.
استبدال عراقجي وتأثيره على الاتفاق النووي
وكان عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين النوويين أحدث ضحايا الخلاف بين الجناح المحافظ والآخر المتشدد داخل حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي. فقد أُعفي عراقجي من منصبه الأربعاء 15 سبتمبر/أيلول، وحلّ محله علي باقري المتشدد.
وكان مصدر قريب من حكومة رئيسي قد أرجع تأخير وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، تسمية نائبه للشؤون السياسية، إلى الصراعات الداخلية التي تهيمن على المشهد السياسي منذ فوز رئيسي، وقال المصدر إن علي باقري أحد المرشحين الرئيسيين لشغل المنصب.
بينما قال محلل للسياسة الخارجية الإيرانية للموقع البريطاني، إنه "إذا استمر عراقجي في منصبه، فسوف نشهد معركة شرسة داخل الإدارة الجديدة بينما سيكون كثير من المتشددين مصابين بخيبة أمل كبيرة في رئيسي، لأن قاعدة الرئيس الانتخابية تنتقد الاتفاق النووي وتعتبره صفقة خيانة".
كبير المفاوضيين النووين الإيراينيين السابق عباس عراقجي مع الأمين العام لجهاز العمل الخارجي الأوروبي هيلجا شميد/ رويترز
كان عراقجي يشغل منصب معاون وزير الخارجية للشؤون السياسية اعتباراً من 2013 في عهد الرئيس المعتدل حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وأضحى منذ ذلك الحين أحد أبرز وجوه التفاوض بين طهران والقوى الكبرى والذي أفضى إلى إبرام اتفاق فيينا.
وخلال الأشهر الماضية، تولى عراقجي رئاسة الوفد الإيراني في مفاوضات فيينا الهادفة لإعادة إحياء الاتفاق، بعد أن كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انسحبت منه بشكل أحادي عام 2018.
وأعلنت الخارجية الإيرانية أن عراقجي سيبقى ضمن فريق الوزير الجديد حسين أمير عبد اللهيان بصفة مستشار، على أن يخلفه في منصبه علي باقري المقرّب من الرئيس المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي.
ولم تحدد الوزارة ما إذا كان باقري سيكون أيضاً على رأس الفريق التفاوضي بشأن إحياء الاتفاق النووي. وبعد تولي جو بايدن الرئاسة الأمريكية، شرعت طهران والقوى الكبرى التي لاتزال منضوية في الاتفاق (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا؛ روسيا والصين) في مباحثات بالعاصمة النمساوية بمشاركة غير مباشرة من واشنطن، بهدف إحياء الاتفاق من خلال رفع العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران بعد انسحابها من الاتفاق، مقابل عودة الجمهورية الإسلامية لاحترام التزاماتها بموجبه، وكانت تراجعت عن تنفيذ غالبيتها رداً على الانسحاب الأمريكي.
وفي هذا السياق رأى المحلل السياسي الإيراني مهدي زكريان أن "تسمية باقري يجب أن يتم النظر إليها بمثابة تحذير جدي للغرب، لأنه من المحتمل أن يقوم الفريق
(التفاوضي) الجديد بمراجعة أساس الاتفاق بشأن الملف النووي والتخلي عن كل الالتزامات في حال أخّر الأمريكيون عودتهم إلى الاتفاق" "في حكومة السيد رئيسي، الشخصيات الأساسية على طاولة المفاوضات باتت محمد إسلامي، رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، وعلي باقري".
صراعات أجنحة داخل التيار المحافظ
إعفاء عراقجي من منصبه وتعيين باقري المتشدد مكانه أحدث حلقات ما يوصف بأنه "حرب المناصب" داخل إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، والتي اشتعلت بمجرد إعلان فوزه أواخر يونيو/حزيران الماضي، عكس المتوقع بسبب إقصاء التيار الإصلاحي الذي كان يمثله الرئيس السابق حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على فوزه بالرئاسة وما يقرب من شهرين منذ تسلمه المسؤولية، لايزال كثير من المناصب الرئيسية في الوزارات المختلفة شاغرة، والسبب الوحيد هو استمرار معركة السيطرة الشرسة داخل الجناح المحافظ بشقيه المتشدد والمعتدل.
وقد أدى هذا الصراع الداخلي في أروقة الإدارة الجديدة إلى أن يصفها كثير من المراقبين بـ"الحكومة ذات الرؤساء الأربعة أو الخمسة"، بحسب تقرير "ميدل إيست آي"، بينما تخوض "جبهة الصمود" المتشددة معركتها الخاصة "لتسكين" مرشحيها في المناصب الهامة.
وكان محمد مخبر، أول تعيينات رئيسي في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية. وكان مخبر، المدرج على لائحة العقوبات الأمريكية، يشغل منصب رئيس "لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني" ("سِتَاد")، وهي عبارة عن تكتل الشركات المرتبط بالدولة.
وبحسب ما كشفه تقرير الموقع البريطاني، نقلاً عن مصادر إيرانية مطلعة على ما يجري في الكواليس، اتفق مخبر ورئيسي على تشكيلة الفريق الاقتصادي، لكن الرئيس خالف الاتفاق دون سابق إنذار.
"اتفق رئيسي ومخبر على الأسماء التي سيتم اقتراحها لشغل الوزارات التي تتعامل بشكل مباشر وغير مباشر مع الاقتصاد. لكن فجأة ودون مقدمات وفي اللحظة الأخيرة غيّر رئيسي رأيه"، بحسب ما قاله سياسي محافظ للموقع.
وتركز غضب مخبر على حجة الله عبد الملكي وزير العمل والتعاون والرفاه الاجتماعي البالغ من العمر 40 عاماً والمحسوب على التيار المحافظ، ووصف بأنه "شاب عديم الخبرة"، وهو ما عارضه مخبر تماماً، بحسب السياسي المحافظ.
لكن تعيين رئيسي لمحسن رضائي رئيس الحرس الثوري السابق في منصب نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية والمسؤول الأول عن العمل الاقتصادي للحكومة، قد تسبب في إثارة حيرة كبيرة بين المراقبين.
والسبب هنا يرجع إلى الفكرة العامة الشائعة عن عدم الاتفاق بين رضائي ومخبر. وفي هذا السياق، قال صحفي محافظ لـ"ميدل إيست آي": "نريد لهذه الحكومة أن تنجح لكنني لا أعرف كيف يمكن أن تتعاون تلك الأسماء الكبيرة معاً. الأمر يبدو كما لو أن لدينا حكومة لها أربعة أو خمسة رؤساء".
فمحسن رضائي شخصية نافذة، وسواء عاجلاً أو آجلاً، سيسعى إلى زيادة سلطاته الخاصة وهذا بالتأكيد سوف يؤدي إلى إثارة حفيظة شخصيات مثل مخبر وفرهاد راهبار (مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية).
وقال مصدر داخل الحكومة الإيرانية لـ"ميدل إيست آي": "حالياً الجميع، حتى الوزراء، مصابون بالحيرة، فهم لا يعرفون لمن يجب أن يستمعوا: مخبر؟ رضائي؟ راهبار؟". وزاد رئيسي الأمور سوءاً عندما حاول ترضية راهبار بتعيينه مساعداً للرئيس للشؤون الاقتصادية، وهو ما لم يكن كافيه لطموحات راهبار، وفي الوقت نفسه أثار حفيظة مخبر.
صراع المناصب وانعكاساته على المنطقة
ودخلت "جبهة الصمود"، أحد أقوى الأحزاب السياسية المتشددة والتي دعمت رئيسي في الانتخابات وتمتلك كتلة نيابية
، فهاجمت الجبهة رئيسي بعنف، ومن داخل البرلمان. فقد ذكرت تقارير إعلامية أن النائب عن "جبهة الصمود" نصر الله بيجمان هو أحد المرشحين لتولي وزارة الأمن والاستخبارات في حكومة رئيسي.
وقال عضو اللجنة المركزية للجبهة قاسم روانبخش، في رسالة بعث بها إلى رئيسي ونشرها موقع "جماران نيوز" الإيراني: "يشاع أنه بالنسبة لوزارة الأمن والاستخبارات التي تعد من الوزارات المهمة والرئيسية، فقد رشحتم شخصاً اسمه إسماعيل خطيب، وهذه الوزارة مهمة واستراتيجية، ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في نجاح وفشل حكومتك".
هذه التفاصيل الكثيرة والصراعات حول المناصب داخل إدارة رئيسي تلقي بظلال قاتمة على عمل الحكومة، سواء داخلياً في ملف الاقتصاد أو خارجياً في ملف الاتفاق النووي والتدخل في شؤون دول المنطقة، بحسب محللين.
إذ قال محلل اقتصادي لـ"ميدل إيست آي": "أنا لا أعرف فعلاً كيف يمكن لفريق اقتصادي غير متجانس بهذه الصورة أن يقود البلاد للعبور من أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها في تاريخ إيران الحديث".
أما فيما يخص الاتفاق النووي، فباقري المتشدد سيريد مراجعة أسس الاتفاق نفسه، بحسب محللين، في وقت أوشك صبر الأمريكيين على النفاد. وفيما يخص التدخل في شؤون دول المنطقة، كالعراق ولبنان واليمن وسوريا، يخشى كثير من المحللين أن تكون تلك التشكيلة غير المتجانسة من "الصقور" المتشددة والطموحة وصفة لمزيد من التدخل والسعي للهيمنة.